18 ديسمبر، 2024 11:11 م

المجد للوردي ….. نص فلسفي وافق فكرية

المجد للوردي ….. نص فلسفي وافق فكرية

1
يجب ان تتوفر عدة صفات في الكاتب ايا كان اتجاهه الابداعي كي ينجح في عمله منها ان يكون خطابيا وحماسيا وساخرا وشعبيا فأذا امتلكها الكاتب فهو بلا شك يسير نحو افق جديدة لمسيرته الابداعية اي بمعنى امتلاكه لفرصة حقيقية للوصول الى المجد فالخطابة والحماسة تعني الثورية في القصيدة والنص والسخرية تعني النقد اي التعبير عن الوجع والقهر بأسلوب شعري وفكري والشعبية تعني ان يزيل الكاتب الحدود ما بين الطبقات في المجتمع ويقف مع الكادحين والمحرومين والبسطاء هنا تكتمل معادلة الابداع وتنضج شخصية حامل القلم .

2

الخطاب الديني لو تم تحليله وتفسيره وتوضيحه بمعنى حقيقي ونقي وصاف لما تشكلت الحركات والتيارات التكفيرية التي تستعمل الارهاب وسيلة للوصول الى السلطة فالتأريخ الاسلامي حمل في جعبته نخبة من الدعاة والاصلاحيين الذين حللوا وفسروا النصوص وفق التسلسل الزمني للحضارة لكن ظهرت افكار واتجاهات اخرى اجهضت فكرة ومفهوم الاعتدال والوسطية وشرعوا الى تفسير وتحليل الامور والقضايا وفق منظور اخر لا يمكن قبوله فكريا وفلسفيا وبهذا انقلبت الصورة وبدل ان تكون مشعة بجمال الالوان انفرد الاسود في رسم صورة اخرى للحضارة .

3

توسع رقعة المد الثوري هو نتيجة للوضع المأساوي الذي تمر به البشرية فلولا البؤس والحرمان والجوع لما تأسست الاحزاب اليسارية والتيارات الماركسية في العالم فالطبقية هو العائق الوحيد بين فئات المجتمع فلولا وجودها لما وجد ماركس ولينين وجان بول سارتر فراغا في خارطة الحضارة المعاصرة .

الطبقية ككلمة منفردة ليست ذات قيمة واذا ما وجدت فهي تعبر عن الجزء وليس الكل اي بمعنى وجود عائلة ثرية ضمن بيئة تحتضن مائة عائلة فقيرة ليس مبررا لتشكيل نهج ثوري لكن الفكر الرأسمالي اجتاح العالم هنا تغيرت الموازين واصبحت وسائل الانتاج خارجة عن النطاق الجزئي وتحول الى نطاق كلي هنا تتشكل الاممية فرغم بساطة فكرتها لكن تحمل نهجا ثوريا لمليارات البشر اذن لا بد من الاممية لوقف الزحف الكلي لوسائل الانتاج واذا ما انحصرت تأريخيا ضمن خانة الجزء هنا تنتهي صلاحية الاممية هنا يمكن اعتبارها المرحلة الاخيرة لاقصى درجات الاشتراكية واذا ما تحقق هذا فهنالك مرحلة اخرى قادمة تسمى ما بعد الاممية .

4

المال هو الساحر الذي يخفي شخصية الفرد فكل شيء يمكن النقاش والحوار حوله لكن ما ان تدخل المال بكيانه المعنوي تظهر الشخصية الحقيقية للفرد فرغم كونه لا يتعدى قطعة ورق مزركشة ببعض الكلمات والالوان لكن القيمة هي من تجعل للمال وزنا مثاليا .

فالمال لا رائحة له وبلا طعم وفيزيائيا لا كتلة له لكنه الغاية والوسيلة فكل البشرية تهرول نحوه والكل يسعى الى امتلاكه اذن الحاجة هي من تقود الانسان له كي يقضي بها حاجاته الاساسية والثانوية اما لو نظرنا للموضوع من جهة اخرى وايجاد تعريف اخر للمال فسيكون التالي انه العنصر القوي الوحيد الذي يمتلك كيانا معنويا حقيقيا.

فكل الحقوق المعنوية تعرف على انها غير مادية بأستثناء المال فهو يتخذ من اللامادية واجهة لفرض فكرته ونهجه واسلوبه في المجتمع الانساني فالقضية تعتمد على عاملين .

5

هنالك مفكرون وعباقرة كانوا حاضرين بقوة في زمن ما ومؤلفاتهم وتجاربهم مع الكتابة فرضت اسس ودعائم لما بعد الزمن الذي يأتي من بعدهم اذن من هذا المنطلق فما نقرأه اليوم من سطور فكرية وفلسفية في كتب اختصرت الكم الهائل من المعرفة والثقافة في عقولهم هو بمثابة دستور ثابت ومنهج فكري وفلسفي بحت لمن يبحث عن خفايا واسرار الحضارة .

لكن فكرة نشوء جيل يتخذ من الثقافة والمعرفة دربا ونبراسا دون الاخذ بنظر الاعتبار ما قيل وما كتب بأقلام نابغة في ميادين الابداع فهذا لا يتحمله المنطق .

الامثلة كثيرة منها الدكتور علي الوردي الذي اعتبره رائد الفلسفة المعاصرة الناطقة بلغة الضاد في القرن العشرين ويأتي ثمة مدعي للثقافة والمعرفة ويقهقه بكل سخرية ورعونة على تركة الوردي الفلسفية هنا لابد ان اقف امامه بالمرصاد وان اكتب عنه هذه السطور لا لشيء وانما دفاعا عن قيمة الحقيقة التأريخية التي دونها علي الوردي في مؤلفاته فهو رمز من رموز العقل المعتدل الذي لخص كل شيء من الالف الى الياء فهذا وغيره يخشون الحقيقة لأن الوردي تعمق في دراسة التأريخ وعطائه الابداعي يعتبر من المواد الرائجة فكريا لذا فهو اسطورة والاساطير لا تبقى ضمن زمان ومكان واحد بل تتعدى الازمة والامكنة اي بمعنى ان ما كتبه الوردي قبل سنين طوال يمكن الاستفادة منه فكريا بعد الف سنة لأن اقصى مراحل الفلسفة تكمن عند التعرف على مؤلفاته .

ابي العظيم لطالما سهر الليالي مع الوردي كنت اراقبه كيف يقرأ وعاظ السلاطين ومهزلة العقل البشرية وخوارق اللاشعور واسطورة الادب الرفيع وغيرها .

قال لي ذات مرة علي الاب اقرأ يا ولدي للوردي حينها ستفرق بين الصواب والخطأ ستعرف حقيقة التأريخ .

كنت في بداية مشواري مع الابداع واخذت كلام ابي على محمل الجد وبدأت بتصفح ما كتب اليوم اعيد ما قرأته مرارا وتكرارا ففي كل مرة اكتشف شيئا جديدا عن التأريخ .

المجد لأبي العظيم ….. المجد للوردي