اعظم المشاكل التي تواجه المجتمع الشرقي تكمن في نقد الذات لذا فأعظم صفات حضارة الشرق تنحصر في الجهل والتخلف …..
العملية هنا لا تحتاج الى قوانين الحساب والجبر للوصول الى نتيجة بل العملية فكرية وفلسفية فأينما وجد النقد وتم العمل به لتحويل الخطأ الى صواب وجد هنالك الوعي والادراك واينما وجد النقد ولم يحظى بمساحة فكرية حرة وجد هنالك الجهل والتخلف …..
فالانسان الشرقي يختلف عن الانسان الغربي في كل شيء من الالف الى الياء ربما لدى الشرقي بعض العادات المركونة على الرف التي من خلالها يفتخر كونه شرقي لكن للغربي ايضا اشياء يفتخر بها هي بعيدة كل البعد عن العادات لكنها في المحصلة النهائية تدير عقليته بصورة منتظمة في المجتمع …..
ما اقصده من هذه الديباجة ان اسلط الضوء على قضية نقد الذات من وجهة نظر حضارتين مختلفتين عن بعضهما عرض الارض والسماء الا وهي حضارة الغرب وحضارة الشرق …..
فالانسان الشرقي لا يتقبل النقد بأي شكل من الاشكال ولا يعترف بأخطائه بل يدافع عن ما يؤمن به من النخاع الى العظم وربما يقوم بتأجير كتيبة كاملة من المحامين ويصرف كل ما يملكه من مال في سبيل ان لا يتنازل عن مواقفه …..
قبل فترة التقيت بصديق لي وتناولنا اطراف الحوار في مواضيع عامة فلاحظت ان بعض معلوماته خاطئة فقلت له ما تقوله خطأ والصواب هو الاتي حينها انتفض وبشدة وتلعثمت كلماته واحمرت شرايين ملامح وجهه احسست انه شعر بالاهانة وشعر انني انتقص من شخصيته كوني انتقدته هنا لم يستطع ان يعيد الحوار الى المجرى الطبيعي لأنه عرف انه ليس نظيرا لثقافتي ومعلوماتي ومعرفتي الفكرية والفلسفية لكن رغم هذا لم يعترف وجعل من الصمت غطاءا لهزيمته الفكرية معي …..
هذه الحالة ما هي الا نموذج ضمن كومة هائلة من النماذج التي لا تعد ولا تحصى فعدم تقبل النقد البناء يؤسس امبراطورية معقدة من الجهل والتخلف في العقل
وهنالك اشخاص اخرين لكل واحد منهم اخطاء عديدة منهم من لا يفهم العبارة المكتوبة على مانشيت الصحيفة ايا كانت منهم من ينطق اسماء الاشياء بطريقة خاطئة منهم من لا يفهم معنى الحوار والجدال منهم من يلتزم الصمت عند الحديث لأنه لا يعرف ما هو محور الحديث نماذج كثيرة اصادفها في فوضى يومياتي لذا اقف حائرا ومذهولا واقول لنفسي لايوجد تفسير لما يحدث فالعلة اما في شخصيتي لأنني لا ارضى بغير التميز والمثالية والنظام في شخصيتي او ربما بالفعل هؤلاء متخلفون وجهلة هنا اقول لنفسي لربما انا حظيت بالثقافة منذ ريعان طفولتي لأنني ولدت في اسرة مثقفة وهؤلاء لم يحالفهم الحظ كي يتعلموا اسس ومبادىء الثقافة لكنني اعود واقول الانسان يجب ان يكتسب صفات الثقافة من الاخرين وهؤلاء يرفضون اكتساب الثقافة ويصرون على اخطائهم …..
القضية هنا شائكة ومعقدة جدا فهي لا تقف عند حدود نقد الذات بل تتعدى التقليد والمظاهر والغرور فالفرد الشرقي يقلد الاخرين بكل شيء ولا يكتسب منهم ثقافتهم والسبب يعود انه لا يعرف كيف يكتسبها ويحاول بشتى الوسائل ان يخلق من شخصيته مظاهر وهمية فقط لكي تلفت انتباه الاخرين وفي نفس الوقت كل هذا يدور في فلك الغرور اي تجتمع صفات اخرى في شخصية الفرد الشرقي اضافة الى الجهل والتخلف صفات التقليد والمظاهر والغرور وهذا ان دل على شيء فهو دليل على انعدام الوعي والادراك في العقل …..
قال لي صديق …..
اراك دائما تتكلم عن اوروبا وتقول امنيتي ان اعيش ما تبقى لي من عمر في اوروبا فما السبب
قلت له
انا بحاجة للراحة الفكرية والفلسفية لهذا اريد الهجرة لاوروبا
قال لي
انت تملك بيتك الخاص وسيارتك الخاصة ولك زوجة واولاد وتملك شهادة وتعمل كموظف حكومي ولك راتب شهري ومثله زوجتك تملك شهادة ولها راتب شهري اذن لك ولعائلتك دخل ثابت يوفر كل شيء اضافة الى كونك وحيد ابويك وانت ورثت عن امك حصتها في مزرعة العائلة …..
قلت له
هذا ما اسميه الجهل والتخلف يا صديقي فلا تشعر بالاهانة اذا ما قلت لك انك جاهل ومتخلف مثل الكثيرين الذين عرفتهم …..
قلت له
البيت والسيارة والزوجة والوظيفة والراتب حق انساني لكل مواطن وليس حلما وامنية كما تعتقد فهذه احدى الالتزامات التي يجب ان توفرها الحضارة الانسانية للفرد فهي حاجات اساسية يجب ان يحصل عليها كل فرد ومن بعدها تأتي الحاجات الثانوية وهذه تختلف من شخص الى شخص ولكل شخص الحق في اختيار ما يفضله من حاجات ثانوية ترضي ذوقه وعقله ومزاجه …..
هنا اختار صديقي الصمت وبدل ان ينتقدني انا انتقدته الى جعلته يعود الى كتب المرحلة الابتدائية لكي يتعلم بعض الثقافة منها …..
هذه هي عقدة المجتمع الشرقي انه مجتمع يفكر بعشوائية اذن من الطبيعي ان يفكر الفرد الشرقي بطريقة جاهلة ومتخلفة فالعملية تحصيل حاصل ولا تتعدى ضرب اخماس في اسداس والنتيجة غير مهمة اذا كانت كبيرة بحجم الفيل او صغيرة بحجم البعوض …..
فصديقي يتخيل انني املك بيتا وسيارة ووظيفة وزوجة اذن يجب ان اكون سعيدا في حياتي ويجب ان اشكر الحضارة الانسانية لأنها وهبتني هذه الهدايا واختارتني لكي احصل على الجمل بما حمل على حد تعبيره …..
لم يفكر صديقي ان للعقل حضوره للفكر حضوره للفلسفة حضورها لم يفكر انني انسانا شرقي مثقف يرفض المجتمع الشرقي الجاهل والمتخلف من الالف الى الياء …..
اعتقد صديقي ومثله الكثيرون ممن يعرفوني انني مغرور و ( بطران ) لأنني املك كل ما يحلم به الفرد الشرقي لكنهم نسوا انني افتقر الى ابسط مقومات الحياة الا وهي الراحة الفكرية والفلسفية …..
فالفرق بيني وبينهم انني مثقف وهم جهلة ومتخلفون لا يفكرون ابعد من كروشهم بينما انا افكر في مساحات لا حدود لها …..
هنا يقف عقل الفرد الشرقي عند البيت والسيارة والزوجة والراتب والوظيفة واذا ما حصل على هذه الامنيات والاحلام الخيالية هنا يقف في مكانه ويشعر انه حصل على كل شيء ويكمل مسيرته في الحياة بسعادة وسلام وامتنان …..
انا لا اعرف كيف يفسر الفرد الشرقي العلاقة ما بين البيت والسيارة والزوجة والراتب والوظيفة من جانب والسعادة من جانب …..
هنا من الناحية الفكرية والفلسفية لا توجد اي تفسير فهذه الامور لا تجلب السعادة للفرد لكن نسبة هائلة من المجتمع الشرقي تؤمن ان لها علاقة بسعادة الفرد تاركين ورائهم اشياء اكثر اهمية الا وهي الراحة الفكرية والفلسفية …..
اذن مما تتكون الراحة الفكرية والفلسفية
1- النظام الانساني
2- الحرية الانسانية
3- الثقافة الانسانية
4- الطموح الانساني
5- الابداع الانساني
6- السعادة الانسانية
هذه العوامل هي من تصنع الراحة الفكرية والفلسفية واذا ما توفرت كلها يمكن القول ان المرء يعيش بسعادة فمعيار السعادة هو العيش في مجتمع منظم ومثقف ومبدع وطموح وحر ضمن حدود الانسانية هنا يمكن يحظى الانسان بالسعادة …..
هنا انا اتحدث بفكر وفلسفة انسانية بحتة بعيدة كل البعد عن قوانين ونظم وشرائع الدول فلكل دولة نظامها شريعتها وقوانينها هذه قضية سياسية وانا لست بسياسي او دبلوماسي بل اتكلم بلسان الانسان المثقف المفكر لكن تجتمع الحضارة الغربية في كل العوامل التي اسلفت وذكرتها اعلاه هنا هذه العوامل لا تتوفر في حضارة الشرق فلا يوجد مجتمع منظم ومثقف ومبدع وطموح وحر وقانوني يربط افراده لذا فالقضية تبدأ من نقد الذات وصولا الى التقليد والمظاهر والغرور مرورا بعدم الوعي وعدم الادراك والفهم الخاطىء لمعيار السعادة …..