كثيرةٌ هي تلك الدموع التي يذرفها أبناء المجتمع، كباره وصغاره، رجاله ونساؤه، على الإمام الحسين (عليه السلام) ولكن هل استحضر هؤلاء الباكون أهداف ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وعملوا بها..؟؟!!
بلا شك فإنّ المتأمّل والقارئ لقضية كربلاء التي حدثت في عام 61 للهجرة و التي كان بطلها الإمام الحسين (عليه السلام)، و شارك معه في أدائها أحرار الأمّة في ذلك الوقت (رضي الله عنهم أجمعين) ومازالت تُبَث في أرجاء المعمورة ويشاهدها الآلاف، بل الملايين من أبناء الأمة، يعرف بأن الهدف الرئيس من تلك المعركة والتي أراد الإمام الحسين (عليه السلام) تبيانه للأمّة هو الإصلاح: ((إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي)).
أن الإصلاح هو الهدف الرئيس من ثورة الإمام الحسين(عليه السلام)، والإصلاح مفردة يتجدد مضمونها في كل عصر، وهو مطلب رئيسي في حياة الفرد والمجتمع والأمة، فالإنسان في مسيرته الشخصية يسعى لإصلاح نفسه وتأمين احتياجاته ومتطلباته الدنيوية والأخروية، و المجتمع (الحي) يسعى من خلال أفراده للإصلاح وسد الثغرات الموجودة فيه سواءً كانت اجتماعية أو سياسية، وكذلك الأمّة تسعى من خلال المجتمعات الحيّة لإصلاح ثقافتها وفرض موقعيتها ورمزيتها بين الأمم، وكل ذلك نابع من خلال مفردة الإصلاح التي ضحّى الإمام الحسين (عليه السلام) بنفسه وأهله وصحبه من أجل غرسها في أفئدة الأمة، لكي تتحول من بعد ذلك إلى واقع ملموس وحركة حية منتجة، فالإصلاح لابد من وجوده..
و يستطيع المجتمع أن ينهض بنفسه، ويكون من أفضل المجتمعات بوجود طليعة تتحمل على عاتقها هذه المسؤولية، فهي لا تتطلب إلاّ فئة من المجتمع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، مثله مثل العلم الذي لا يحتاج إلاّ إلى فئة من المجتمع ، هذا مع ملاحظة أنّ جميع أفراد المجتمع بأمكانهم أن ينالوا ثواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو ليس بالأمر الذي يحتاج إلى أناس فطاحلة في العلم أو عظماء أزمانهم، فقط يتطلب أن يلتزم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بما يأمر به وينهى عنه، وأن يكون ما يأمر به معروفاً وما ينهى عنه منكراً..
أن عالم الدين له الدور الأكبر في تبيين وتوضيح القضية الحسينية، فأفراد المجتمع في أيام الحسين (عليه السلام) أيام عاشوراء يتوجهون إلى منبر الحسين(عليه السلام) لكي يستضيئوا بنور العلم، وينالوا بذلك ثواب إحياء وتعظيم شعائر الله، لكي يكتسبوا ويتزودوا من التقوى التي تعتبر من الأهداف الرئيسة للإنسان المؤمن ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ).
وعادة ما يكون رجال الدين هم من المؤهلين لارتقاء ذلك المنبر الحسيني، الذي يعتبر من أكبر المحطات وأكثرها تأثيراً على الأفراد والمجتمع، الذين يعوّلون عليه الكثير في حالة تحمل عالم الدين دوره الإصلاحي المؤمّل والمرجو منه.
إذاً على علماء الدين أن يتعمقوا في فهم الأهداف التي خرج الإمام الحسين (عليه السلام) من أجلها، لكي يستطيعوا من خلال أصواتهم إيصال هذه الرسالة إلى الناس لكي تطبق هذه المفاهيم على أرض الواقع، ويكون لها تأثير وواقع ملموس، بدل أن تكون شعارات ينادي بها من لا يعمل بها، أو من يحاربها دون علم..
هذا بالإضافة إلى أن يجرد خادم الحسين(عليه السلام) نفسه من الشوائب التي تكون عائقاً دون قبول العمل، وأن يخلص النيّة لله سبحانه وتعالى في إيصال رسالة الحسين (عليه السلام) دون النظر إلى شهرة أو مال..
لأنّ المشروع الإصلاحي يحتاج إلى التخلص من جميع المعوقات التي تحول بين عالم الدين وبين تأدية الرسالة على أكمل وجه، فلا الخوف من انقطاع الأموال، ولا تدني الشهرة تحول دون واجب إيصال الرسالة الحسينية الصافية..
المنبر الحسيني هو الإعلام الذي حفظ ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وأهدافها على مرّ العصور الغابرة، وإن تجدد الإعلام في هذا العصر وتطورت التكنولوجيا إلا أنّه ينبغي علينا حفظ هذا المنبر، وذلك بالتطوير الذي يجعله يناسب العصر، وهذا لا يعني تجريد المنبر من صورته الحالية، وإنمّا القصد العمل على تطوير الخطباء وأسلوب طرحهم، وتحويل الطرح إلى واقع عملي في المجتمع..