نقرأ الكثير من المقالات التي تجتهد بوصف المجتمع العراقي بما تبدعه من المسميات وكأن بشره ليسوا من بني الإنسان , وأنهم من كينونات جينية فريدة ونادرة وغريبة , وربما مستوردة من كواكب كونية مجهولة.
وينهض سؤال : هل أن ما يجري في العراق خارج المنظور السلوكي للبشر؟!
فمنذ عهد الإتهام بالنفاق والإزدواجية وغيرها من التوصيفات وحتى اليوم , تجدنا نقرأ تسميات لا أساس لها ولا رصيد من الواقع , لأن القائلين بها يتعاملون مع النتائج الظاهرة للعيان والطارئة في معظم الأحيان , ويغفلون التفاعلات التي أوجدتها وأوصلت الناس إلى الذي يسمونه كما يحلو لهم ويروق.
والواقع الذي يتم إغفاله أو إنكاره وتجاهله , أن المجتمع العراقي لا يختلف كثيرا عن أي مجتمع غيره في الدنيا , فلو تعرض أي مجتمع آخر لما تعرض له لكانت تفاعلاته كمثله , وربما ذات تداعيات مروعة وخطيرة وكارثية على جميع المستويات , ولرأيت الناس فيه وحوشا ضاريات , ولإكتشفتَ في مجتمع العراق التفاعل البشري أو الإنساني المُحلى بالقيم والتقاليد والأعراف والأخلاق الطيبة , رغم شدة العواصف والأعاصير التدميرية الفتاكة.
ومن وجهة نظر سلوكية بحتة , يبدو أن المجتمع العراقي يمتلك مطاوعة ومرونة , وقوة تحمل وإمتصاص للصدمات التي تُسلط عليه , وبعنفوان غير مسبوق وآليات متطورة مؤزرة بالأبحاث والدراسات والتجارب والخلاصات المركزة.
فالمجتمع العراقي رغم ما جرى عليه تراه قويا متماسكا يحافظ على التقاليد ويعرف مصلحته , ويسعى بإرادة واعية نحو مستقبله وبناء حاضره.
وتجد التفاعلات القائمة ما بين أبنائه ذات قيمة حضارية وإرادة إيجابية وتطلعات سامية , فهو بخير رغم أنف الشرور وصولاتها النكراء , وبعافية ما دام الناس فيه متكاتفين لا يفرقهم أي توصيف أو مسمى.
والذين يتحدثون عن التنوع والإختلاف فيه , إنما يكذبون , فالواقع يؤكد بأنه من أقل مجتمعات الدنيا إختلافا وتنوعا.
والذين يريدون النيل من المجتمع بإذكاء الفرقة المذهبية وغيرها , إنما هم الخاسرون , فالمذاهب فيه قوة للدين , وقدرة إبداعية ذات قيمة ثقافية ومعرفية تشهد لها الأيام والعصور.
وهكذا فأن الكلام السلبي عنه ما قل أو كبر شأنه يمثل إعتداءً سافرا غير مبرر , وتوجه نحو التضليل والخداع ونشر المفاهيم السقيمة اللازمة لتمرير برامج الطامعين.
فالمجتمع العراقي بعافية وقدرة على المواصلة والإنبثاق الحضاري المنير , ولن تمنعه من إنطلاقته الواعدة العقبات والمصدات والسلبيات الملقاة على عاتقه والإفتراءات الخائبة البائسة , لأنه نتاج حضارات إخترقت العاتيات وتواصل وتطور وتفاعل وبقيَ حيا معطاءً أصيلا , منتصرا على متواليات المحاولات الإقليمية والعالمية , وغيرها من القدرات الساعية للهيمنة عليه , وفي التأريخ القريب والبعيد شواهد دامغة وقاطعة على فولاذية الوجود العراقي , وكينونته المطلقة الخالدة.
فالمآسي من الكراسي , وسيبقى المجتمع بطيبته وقدرته على الحياة الحرة الكريمة وسيحيا ويتألق به العراق!!
وإنها لزوبعة في فنجان وطن عريق!!!