22 ديسمبر، 2024 7:34 م

المجتمعات الفردية.. الدنمارك نموذجاً

المجتمعات الفردية.. الدنمارك نموذجاً

هل تتنصر الهوية الاستهلاكية على الهوية الوطنية؟
تنشأ المجتمعات وتتغير ليس فقط نتيجة للظروف الاقتصادية والمادية، ولكن نتيجة لتبدل الظروف الثقافية وهياكل السلطة أيضاً. نظراً لأن الأيديولوجيات السياسية تعكس المصالح الاجتماعية المختلفة وعلاقات القوة، فإنها تحمل أيضاً وجهات نظر مختلفة عن المجتمع.

وبالتالي، هناك تناقضات بين النظرة الليبرالية للمجتمع، والآراء الأكثر جماعية للمجتمع التي تم اختبارها في الاشتراكية، والأفكار المحافظة الكلاسيكية، بالإضافة إلى النسخ الأحدث المعدلة لهذه المواقف.

عندما نتحدث عن “المجتمع البريطاني” على سبيل المثال، فإننا لا نفكر في بريطانيا العظمى كدولة، بل نفكر في المجتمع الذي يشكله سكان البلاد. أي مجموعة الأشخاص الذين يعيشون في بريطانيا، ويرتبطون معاً من خلال المصالح المشتركة، والتعاون، والاعتماد المتبادل فيما بينهم.

يمكن إرجاع فكرة المجتمع ككيان متماسك ومحلي وشبيه بالشبكة – كجماعات – إلى العصور القديمة، حيث كانت الشرطة اليونانية تعتمد على المزارع العائلية الموجودة حول المدينة، في ولايات مثل أثينا وسبارتا.

كانت هذه مجتمعات صغيرة يمكن إدارتها، وكانت مختلفة اختلافاً كبيراً عن المجتمعات الكبيرة المعقدة اليوم. ومع ذلك، فقد أسسوا لخلق نموذج مثالي لما يجب أن يكون المجتمع عليه في المستقبل.

لم يميز اليونانيون بين المجتمع الاجتماعي والسياسي. كان المجتمع والدولة متشابهين لأن حكم الشرطة كان يمارسه جميع الأفراد المعترف بهم كمواطنين.

وبكونه مواطناً أدرك الفرد طبيعته الحقيقية. كان هذا هو رأي أرسطو الذي استند تفكيره الاجتماعي إلى دولة المدينة اليونانية، وكانت هذه هي الخلفية لنظرته للإنسان ككائن اجتماعي وسياسي.

 

الفردية:

الفردية، هي الإدراك المجتمعي الذي يؤكد حق الفرد في المجتمع (على عكس الجماعية)، وكذلك تنمية الفرد لتميزه الشخصي.

منذ ظهور هذا المفهوم في فرنسا في أوائل 1800 تم استخدامه للدلالة على مجموعة متنوعة من المعاني، مع اختلافات محلية كبيرة.

يعود مفهوم الفردية وكذلك الظاهرة نفسها إلى اليونان الكلاسيكية، حيث على سبيل المثال، يُظهر نقد أرسطو لأفلاطون بداية وجهة نظر تميز الفرد عن المجموعة الاجتماعية.

إن تطوير “الرواقيين والأبيقوريين” Stoics and Epicureans لفكرة مكانة الإنسان في ترتيب الطبيعة كان له تأثير عميق على تركيز المسيحية على الفرد.

منذ حوالي سبعة قرون ادعى أول منظّر سياسي مسيحي بارز الإنجليزي “جون سالزبوري” John Salisbury أن الحرية الشخصية ضرورية لتطوير الفضائل. شهدت تلك الفترة العديد من الأمثلة على أن الفرد أصبح أكثر فأكثر في المركز، حيث يتم إضفاء الطابع الفردي على العلاقات الإيمانية.

في شكله الحديث، لا يشير هذا المفهوم إلى الإصلاح، الذي مارس تأثيراً حاسماً من خلال التأكيد على حق الفرد في تحدي المعتقدات والمؤسسات الهامة. كما أكد كلاً من الفيلسوف الألماني “إيمانويل كانط” Immanuel Kant والفيلسوف واللاهوتي الدنماركي “سورين كيركيغارد” Søren Kierkegaard بشكل خاص على المسؤولية الشخصية للفرد.

تم استخدام كلمة الفردية في فرنسا بداية لوصف ما يعتبره نقاد الرومانسية عبادة مفرطة للفرد، مما قد يؤدي إلى الفوضى والاضطراب الاجتماعي. تم تقديم تفسير مؤثر للغاية من قبل عالم الاجتماع الفرنسي البارز “ألكسيس دي توكفيل” Alexis de Tocqueville الذي جادل بأن الفردية كانت من أصل ديمقراطي، وسوف تنتشر بما يتماشى مع المساواة المتزايدة بين الافراد، كما انها يمكن أن تؤدي إلى فقدان المواطنين الاهتمام بالشؤون العامة تماماً، وتكريس أنفسهم للخصوصية والضياع في الأنانية الخالصة.

يرتبط هذا التفسير بمصطلح “المذهب الذري” atomism في النظرية السياسية والاجتماعية، إنه يعني ضمناً تصور المجتمع على أنه مكون من أفراد، بحيث يمكن ضمان تحقيق الأهداف الفردية بشكل أساسي، حيث إن حقوق الفرد لها الأولوية، وهي موجودة قبل تكوين أي مجتمع. ويتم ضمان هذه الحقوق من خلال إبرام العقد الاجتماعي.

كان الفيلسوفان الإنجليزيان “توماس هوبز” Thomas Hobbes و”جون لوك” John Locke ممثلين نموذجيين لمثل هذا الرأي.

نفس الأفكار تكمن وراء ظهور الليبرالية الاقتصادية، التي تم توسيعها من قبل الاقتصادي والفيلسوف الأسكتلندي “آدم سميث” Adam Smith الذي جادل بأن المصلحة الذاتية للفرد المطورة بحرية، كانت للصالح العام.

في إنجلترا، كان استخدام كلمة الفردية يميل إلى عدم المطابقة في الأمور الدينية من جهة، وإلى للثقة بالنفس والاستقلال اقتصادياً واجتماعياً من جهة أخرى. لقد استلزم الحد الأدنى من تدخل الدولة مقابل الاشتراكية والجماعية. الممثل الأكثر تطرفا لهذا الاتجاه كان الفيلسوف الاجتماعي الإنجليزي “هربرت سبنسر” Herbert Spencer.

في الولايات المتحدة، أصبحت الفردية مرادفة للمشروع الحر تقريباً. أي السعي وراء مؤسسة خاصة في ظل حكومة محدودة، وبحرية شخصية واسعة النطاق.

في المجال الثقافي الألماني، كان استخدام كلمة الفردية مستوحى من عصر النهضة، وتأثر بالمفهوم الرومانسي للفردانية، التي تُفهم على أنها تفرد الفرد كأصالة وإدراك للذات.

الممثل البارز لهذا الاتجاه كان الفيلسوف الألماني “فيلهلم فون هومبولت” Wilhelm von Humboldt الذي تأثر بآراء وأفكار الفيلسوف الإنجليزي “جون ستيوارت ميل” John Stuart Mill ومنحه مكانة بارزة في كتابه “على الحرية” On Liberty الذي أصدره في عام 1859، وتضمن تصوره الكلاسيكي لليبرالية.

في الثلث الأخير من عام 1800 تعرضت الأفكار الفردية لانتقادات متزايدة، ليس فقط من الجماعات الاشتراكية والمحافظة، ولكن من الليبراليين الاجتماعيين الجدد أيضاً، ومُنحت المعارضة الفردية الجماعية مكانة بارزة.

خلال النصف الأخير من القرن العشرين ظهرت الأفكار الفردية مرة أخرى لتتمتع بشعبية أكبر، مع التركيز على الجوانب الاقتصادية، أي اقتصاد السوق لدى البعض، والاهتمام بالشخصية التنموية، الخاصة أو الثقافية العامة لدى البعض الآخر. لعب هنا مفكرون مثل الاقتصادي الليبرالي النمساوي “فريدريش فون هايك” Friedrich von Hayek والفيلسوف البريطاني من أصل نمساوي “كارل بوبر” Karl Popper والروائي والمنظر السياسي الفرنسي “أندريه مالرو” André Malraux وعالم الاجتماع الفرنسي “ريموند آرون” Raymond Aron وعالم الاجتماع البريطاني من أصل روسي “إشعياء برلين” Isaiah Berlin دوراً هاماً في تبني هذا الاتجاه والتنظير له.

 

مجتمع الأفراد الأقوياء في الدنمارك

عززت النزعة الفردية المتزايدة تماسك المجتمع الدنماركي، هذا ما كتبه المؤرخ والكاتب الدنماركي “بو ليديجارد” Bo Lidegaard في قصته عن الدنمارك في القرن العشرين.

من وجهة نظر بوليديجارد كان لأشخاص مثل السياسي الدنماركي الراديكالي الذي شغل منصبي وزير الدفاع والخارجية “بيتر روشيجون مونش” Peter Rochegune Munch، والديمقراطي الاجتماعي، وزير التعليم سابقاً “هارتفيج فريش” Hartvig Frisch، ورئيس الوزراء السابق، الديمقراطي الاشتراكي “ثوركيلد ستونينج” Thorkild Stauning

دوراً رئيسياً وفاعلاً خلف اتباع الدنمارك سياسة الحياد خلال الفترة الممتدة، من الحرب العالمية الأولى إلى الاحتلال الألماني للدنمارك. وكان لقيادتهم الأثر الهام في تطوير دولة الرفاه الاجتماعي في الدنمارك.

 

العصور الحديثة

ورد في كتاب بو ليديجارد “قصة الدنمارك في القرن العشرين” أن الدنمارك الحديثة ولدت من هزيمة عام 1864، التي اعتبرها ـ إذا جاز التعبير ـ المفتاح الأساس لفهم التاريخ الدنماركي خلال القرن العشرين.

كانت سياسة دوقية “شليسفيغ” Slesvig المحاذية لألمانيا، الوطنية الليبرالية هي التي قادت الدنمارك إلى حافة الهاوية في عام 1864. وشكلت هذه الهاوية فيما بعد إحدى الدعائم الأساسية في السياسة الدنماركية لأكثر من 100 عام.

فقد كانت لعدة قرون جزءًا من مملكة الدنمارك. وفي عام 1864 احتلت مملكتا بروسيا والنمسا دوقية “شليسفيغ” وحكمتا المنطقة بشكل مشترك حتى الحرب النمساوية البروسية عام 1866 حيث استحوذت بروسيا على “شليسفيغ”. انضم البروسيون إلى “شليسفيغ” مع المنطقة الواقعة إلى الجنوب مباشرة، وخلقوا مقاطعة “شليسفيغ هولشتاين”. استمرت المقاطعة عندما انضمت بروسيا إلى دول أخرى لتصبح الإمبراطورية الألمانية في عام 1871.

في نهاية الحرب العالمية الأولى، تم إجراء استفتاء عام في منطقة “شليسفيغ” في عام 1920 لتحديد الحدود بين ألمانيا والدنمارك. تم تقسيم منطقة استفتاء “شليسفيغ” إلى منطقتين: المنطقة الأولى وهي الجزء الشمالي والأكبر من “شليسفيغ”، كانت مأهولة بأغلبية من الدنماركيين العرقيين. والمنطقة الثانية تقع في وسط الدوقية، تتألف من حوالي 80 ٪ من الألمان. كانت هناك منطقة ثالثة في الجنوب، ولكن نظراً لأن المنطقة كانت مأهولة بالأساس من قبل العرق الألماني، لم يتم إجراء تصويت فيها. تسبب رسم الحدود بين المنطقتين في جدل كبير ونقاش ساخن بين الدنمارك وألمانيا، ولكن في النهاية تم الاتفاق على حل وسط على أساس عدد السكان، وكانت النتائج كما كان متوقعاً. اختارت المنطقة الأولى بأغلبية ساحقة أن تصبح جزءًا من مملكة الدنمارك. واختارت المنطقة الثانية البقاء مع ألمانيا.

 

عندما تولى الشعب

خلال أول خمسون صفحة من كتاب “بو ليديجارد” تدور الأحداث حول القرن التاسع عشر، وبشكل أكثر تحديدًا عن الفترة من 1864 إلى 1901. وخلال هذه الفترة وضع الفلاحون والعمال، الأساس للدنمارك الحديثة. وحدث ذلك تحت شعار “ما يضيع في الخارج يجب كسبه من الداخل”.

لقد تم إنشاء الكليات والجامعات، وإنشاء التعاونيات لمنتجي الألبان واللحوم. ومع تغيير النظام السياسي عام 1901، تولى الحزب الليبرالي المسؤولية السياسية لقيادة البلاد.

منذ منتصف عشرينيات القرن الماضي، تولى العمال الدنماركيون تحت شعار “طالب بحقك وقم بواجبك” دور القوة الطليعية للمجتمع. وبالتعاون الوثيق مع اليسار الراديكالي، بدأ الاشتراكيون الديمقراطيون في بناء دولة الرفاهية، التي جاءت انطلاقتها الأخيرة في السبعينيات. في الوقت نفسه، ظهرت النساء في الميدان بفعالية كقوة دافعة في زيادة تطوير المجتمع الدنماركي.

لم يكن انضمام الدنمارك إلى السوق الأوروبية المشتركة في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول عام 1972، ثم إلى الاتحاد الأوروبي هو الذي شكّل بداية حقبة جديدة، بل كانت أيضاً استقالة “ينس أوتو كراج” Jens Otto Krags من منصب رئيس الوزراء في الثالث من أكتوبر بنفس العام.

وخلافاً لوجهة النظر واسعة الانتشار، يشير “بو ليديجارد” إلى “ينس أوتو كراج” باعتباره مدافعاً شرساً عن تقاليد الحزب الاشتراكي الديمقراطي، على عكس خليفته “أنكر يورجنسن” Anker Jørgensen الذي مثلت فترة رئاسته للحكومة قطيعة مع تقاليد الحزب.

الشيء الهام في سرد “بو ليديجارد” ليس اعتباره أن “الشعب” هم الفلاحون أولاً، ثم العمال الذين يُنظر إليهم على أنهم القوة التي شكلت الدنمارك، خلال معظم القرن العشرين. بل نظرته إلى أن الدنمارك هي نتاج عوامل داخلية وخارجية. حيث تم تأسيس الدنمارك الحديثة، ليس فقط من قبل الأشخاص الذين يعيشون فيها، ولكن من قبل الأشخاص الذين يعيشون في الخارج أيضاً، وفي المقام الأول من قبل أقرب الجيران )ألمانيا(.

 

الجبهة الداخلية

النقطة الحاسمة في الكتاب، هي أن قدرة الدولة الدنماركية على الحفاظ على سيادتها خارجياً يعتمد على تنظيم الدولة للمجتمع داخلياً، على سبيل المثال، كيف يمكن للمجتمع إنشاء مجموعة من القيم المشتركة، وكيفية ضمان ولاء الأفراد، وإحساسهم بالمواطنة، والمحافظة عليهم، هو السؤال الأساسي في فن حنكة الدولة.

من وجهة نظر “بو ليديجارد” كان لأشخاص مثل وزير الدفاع والخارجية السابق، اليساري الراديكالي “بيتر روشيجون مونش”، وزير التعليم سابقاً “هارتفيج فريش” Hartvig Frisch، ورئيس الوزراء السابق، الديمقراطي الاشتراكي “ثوركيلد ستونينج” Thorkild Stauning دوراً خاصاً في تلك المرحلة. لقد فهموا أهمية بناء مجتمع وطني وديمقراطي، وجبهة داخلية يمكن أن تصمد أمام تهديد خارجي وربما احتلال.

مع هزيمة عام 1864، أصبحت الدنمارك دولة صغيرة في أوروبا، وجارة لأقوى قوة عسكرية في العالم، في شكل ألمانيا الموحدة. فكيف تعيش مع هذا الجار؟ الجواب على هذا السؤال، هو القاسم المشترك في قصة الدنمارك في القرن العشرين.

بينما كانت منطقة “شليسفيغ” Slesvig وخاصة الجزء الذي نسميه “جوتلاند الجنوبية” Sønderjylland التي انضمت إلى الدنمارك فيما بعد، كانت في تلك المرحلة مشكلة ساخنة للغاية استمرت حتى الحرب العالمية الثانية.

كانت جزيرة “جرينلاند” Grønland التي استعمرتها الدنمارك عام 968، وتقع بين القطب الشمالي والمحيط الأطلسي، شرق أرخبيل القطب الشمالي الكندي، وتُعتبر أكبر جزيرة في العالم، هي التي احتلت تدريجياً على مكان “شليسفيغ”. إذ لا يُنظر إلى مصالح الولايات المتحدة في “جرينلاند” على أنها تهديد للسيادة الدنماركية، بنفس الطريقة مثل مصالح ألمانيا السابقة في “شليسفيغ.”

 

قرن الازدهار

يُقدم الكتاب أمثلة مهمة على تفرد البرلمان الدنماركي باتخاذ قرارات هامة أحياناً، دون أن يُشارك السكان في القضايا الحيوية المتعلقة بالسيادة الدنماركية. على سبيل المثال، حصل في عام 1906 أن تولى رئيس الوزراء الليبرالي “ينس كريستيان كريستنسن” Jens Christian Christensen إيفاد نواب دنماركيين إلى برلين، لإجراء مفاوضات سرية للحصول على ضمان ألماني، بهدف أن تظل الدنمارك محايدة. وفي عام 1957 قام رئيس الوزراء الاشتراكي الديمقراطي “هانز كريستيان هانسن” Hans Christian Hansen بعقد اتفاقية سرية، سمحت الدنمارك بموجبها للولايات المتحدة استخدام “ثول” Thule في جريلاند كقاعدة للطائرات النووية.

ترسم قصة “بو ليديجارد” عن الدنمارك في القرن العشرين، صورة لما يقرب من مئة عام من التقدم المستمر. لم يُفض هذا التقدم إلى زيادة الازدهار المادي فحسب، بل أدى إلى زيادة الفردية في المجتمع أيضاً.

إن دولة الرفاهية هي التي ساهمت إلى حد كبير في هذه الفردية. هذه الدولة، التي يتهمها العديد من النقاد بأنها مشروع اشتراكي وجماعي، قد حررت ـ من وجهة نظر بو ليديجارد ـ الفرد من قيود الأزمنة السابقة، إلى درجة يصعب العثور عليها في أي مكان آخر في العالم.

على عكس الحكمة التقليدية، يدعي “بو ليديجارد” أن الفردية لم تؤد إلى أنانية مدمرة اجتماعياً، بل على العكس من ذلك، أعطت الفردية في مجتمعات الرفاهية في الشمال تماسكاً أكبر مما هو موجود في العديد من المجتمعات الأوروبية الأخرى.

 

قوة التماسك

يقول “بو ليديجارد” في الفصل الأخير من الكتاب: “نحن مجتمع من أنصار الفردية الأقوياء”. ومع ذلك، يقوم بالتحذير أيضاً. لأنه على الرغم من أن زيادة النزعة الفردية قد ساهمت في زيادة التماسك في الدنمارك، إلا أنه ليس من المسّلم به أنه يمكن الحفاظ على هذا الارتباط، لأنه يقع تحت ضغط من “عدم الرضا عن التوقعات المتزايدة”.

الإجماع الوطني والتوافق على كل شيء، يبدو أنه يشكل عائقاً أمام الازدهار، مما أدى إلى نضال الجميع ضد الجميع من أجل “مزيد من الحرية، وواجبات أقل وفرص استهلاك أكبر”.

وبالتالي، يُشار إلى أن التهديد الأكبر للديمقراطية الدنماركية يأتي الآن من انتصار الهوية الاستهلاكية على هوية المواطن.

في النهاية، يستخلص “بو ليديجارد” من التاريخ الدنماركي في القرن العشرين فيما يلي: بدلاً من الاعتقاد بأن هناك نموذجاً دنماركياً فريداً، يجب أن يستمر في الدنمارك خلال القرن الحادي والعشرين، يجب أن نبني على التجارب الفريدة التي قُمنا بها من خلال بناء المجتمعات على أساس التماسك، والرفاهية، والديمقراطية.