18 ديسمبر، 2024 9:06 م

المثقف… وعيون السلطة الثلاثة !

المثقف… وعيون السلطة الثلاثة !

منذ زمن بعيد، والعلاقة بين المثقف والسلطة مدار حديث ونقاش نظري واسع، مثلما هي محطة علاقة جدلية غلبت عليها صورة الصراع الذي يصل ربما إلى درجة التعنيف والملاحقة في الميدان العملي، ولم تختلف هذا المسألة بين عصر قديم ووسيط وجديد.

ينظر إلى المثقف دوماً بثلاثة عيون من قبل السلطة والحاكم، وهذه العيون الثلاثة تؤثر على العلاقة بين الطرفين، فحيناً يعامل بعين (الزهد) بدوره انطلاقاً من قناعة مترسخة تدور حول ان المثقف يعيش في مثالية مفرطة أو خارج نطاق الجغرافية والزمن، او يتابع دوره بعين (الريبة) مخافة تهديد سلطات الحاكم والسعي والعمل على تقويضها، ثم تؤدي طريقة التعاطي مع هذه الشريحة المهمة في الأعم الأغلب إلى فرض عين (الاخضاع) الثالثة لتؤطر الفعل المطلوب بالزام المثقف حدّ الاكراه على إسماع الحاكم ورموز السلطة ما يريدون فقط حتى لو كان مخالفاً لقواعد العلم والمنطق والواقع!.

يحدث هذا دوماً ويتكرر، ويزيد من عمق التقاطع بين الجانبين، في وقت نجد ان بالإمكان إعادة تأسيس العلاقة على نحو جديد ومغاير ينطلق من توجيه السؤال من ناحية معاكسة ومختلفة، فلماذا لا ننظر إلى دور المثقف بكونه متكاملاً مع السلطة لا متضاداً معها، ولماذا لا نتخلى عن العيون الثلاثة وهي سلبية في مجموعها، لنساهم في ترسيخ عين (الثقة والاعتماد) لتكون الأساس الأصيل والرصين الذي يساهم في تقوية الوطن لا اضعافه، ودعم مشاريع الإصلاح لا تهديمها من الاساس عبر تشويه مقاصدها ومراميها.

ثم، أليس هذا الجفاء هو الذي يصل بنا إلى حد القطيعة وتغليب لغة التخوين والتقليل من قيمة هذا الدور الذي تؤديه فئة المثقفين في بناء المجتمع وإسناد الدولة؟! مثلما ان السجل الطويل من التعامل معهم من قبل السلطات المختلفة بالمقابل لا يمنح الاطمئنان الذي لا غنى عنه لتكون العلاقة صحية وبناءة فيما بينهما.

ولا يمكن بأي حال من الأحوال ـ ونحن ننشد اعادة النظر بكيفية التعامل بين المثقف والسلطة ـ ألا ننسى ان احكاماً كبرى بهذا الخصوص كانت تصدر متأثرة بتعميمات متواصلة لحالات فردية، ووصم شريحة كاملة بوصف سلبي واحد، والعكس صحيح، وهو امر ينبغي معالجته بتعزيز سياسة وخطاب الانصاف، وادراك ان عمليات النقد على اختلاف صورها والنصيحة في عمومها تنطلق من حرص وطني كبير، وهي في نهاية المطاف تعود بالخير على الجميع.

مثلما يجب علينا ادراك ان خطاب التفاؤل غير المبرر او المتقاطع مع الواقع البائس والسكوت عن الأخطاء واعتماد منهجية النفاق المجتمعي والسياسي، ان كل ذلك سبيل لتهديم الدول واضعافها وكل من يقول غير ذلك فهو واهم او يقدم اعلاناً مدفوع الثمن!

تنهض الدول بعلمائها ومثقفيها ممن يمتلكون البراعة والخبرة في الاختصاصات المختلفة، ولا يمكن تجاوزهم أو الاستغناء عنهم.

ونقول هنا كذلك انه لا يمكن لنظام سياسي ما السير دون سماع الآراء المتضادة وان صوت المعارضة يضم ذوي النوايا السليمة المخلصة ولا تؤثر عليهم فئة قليلة قد ضلت الطريق ولأسباب مختلفة بعضها من صنع أيدينا!.

وختاماً لنتذكر دوماً أنه لا غنى عن العقل، ولا الثقافة، ولا الفكر، فهم يشكلون مسار حياتنا والميزان لتحديد صوابية فعلنا من خطئه، وان كل ذلك هو الجذر العميق للحكم الرشيد!