3 يونيو، 2024 5:47 م
Search
Close this search box.

المثقف والديمقراطية .. اشكالية العلاقة

Facebook
Twitter
LinkedIn

لاأروم ضمن السطور المتوافقة التالية الى استحداث او ابتكار فلسفة نقدية او وضع مفهوم جديد يتمحور حول ذاتية ومسوؤلية المثقف بالنوع الذي يتخطى الفهم المبثوث لدى عدد من المفكرين والمشتغلين بالحقل المعرفي ، من امثال غرامشي وأدوار سعيد واشتقاق مصطلح المثقف العضوي على رجل المعرفة ، بوصفة مبتدع وخلاق في بوتقة المجتمع الناظر، او كما حصره واطره علي حرب بوظيفة المثقف (العميل او الوسيط) باعتبارة الية للتفكيك والايضاح الصرف ، الرؤية التي تخالفت عن ما ذهب اليه علي شريعتي وهادي العلوي باختلاف مواردهم الفكرية ، بوضع المثقف في سياق الكونية والرسالة التنويرية وتقليده المسؤولية الانسانية الشاملة، وقبلهم راح سارتر الى افق اوسع رافضا اطار القولبة والفرض كونه الوحيد اعني (المثقف )المشتغل بمعنيات الكلمة .اقول لاسعى لعاملين اما الاول فان المقال انبجس من الوضع العراقي بعد التغيير( البيئة الديمقراطية ) والثاني حصر حيثيات الكلام “بالدور” وليس بالتعريف ، وماتنطوي عليه من معان مختلفة في اكتشاف عوالم الوعي وزحزحة الثوابت السائدة. ومنها وبعد الانارة يجوز لنا فرش مفهوم الديمقراطية، بحمولاته ومداليله المنعكسة والمنسحبة على المثقف واشتغالاته الفرعية وفق الاشتراطات الانسانية الاصيلة للاسهام في تغيير الوعي المستحوذ وتشريح اصوله لتاسيس ركنا ثاقب من جانب ، والحفاظ على ماهية العلاقة بين الرئيس والمرؤوس من جانب اخر ، مع النظر الى اختلافات الصيغ والبيئات المؤثرة على هذه العناصر كما نلحظ في الوضع الراهن ، ليتسنى لنا في نهاية المطاف فك ثنائية الترابط العضوي بين المثقف والبيئة الديمقراطية التي اسهمت في توليف الكلام وانبثاق السطور لتجزئه عمومياتها على مدرك الوعي الثقافي .

وبشيء لايحمل الادانة او تعرية مفهوم الديمقراطية من مضامية وقيمة البليغة كأسلوب حياة يوفر الشروط العليا لكرامة الانسان، يضمر في مداخله في الوقت عينه قدرة فائقة على تخدير المثقف وتعطيل ادواته المشخصة في تعين المبتغى من عمله في الترشيد الخالص التي تفرضة طبيعة الواجب المحدد ، والديمقراطية بجاذبيتها تدع بعض التساؤلات المتداولة تتسرب الى ذهنية المثقف بان دوره ومسؤوليته قد انتفت وذابت في جذوة القيم السائدة في تدولية الحكم وطريقة التناوب .اي بمعنى اكثر دقة يتراجع عن طروحاته النقدية والتقيمية ونزع لبوساته الاعتراضية والاقتراب من القوى الماسكة بمقاليد البلاد ، بل انبرى البعض وبحماس طاغ لتبرير مايصدر من النخب مع الفرز عنده بقطيعة طرح الاخير مع دوره . وفي المسالة ثمة لبس يتوجب ايضاحه وهو مايعتري مدارك غالبية المثقفين بان الغرب الثقافي تبلور من السياسة العاقلة ، بمعزل عن فاعلية المثقف في خلق وتهيئه روحية الانسجام .نسوا او تناسوا بان اعرق الديمقراطيات في العالم تتعرض الى اسقاطات فجة وترتكب خطايا واساءات جمة لولا تواصلية نقد المثقف حصرا، وردع مؤسسات الراي العام في هذا النسق ، وهو مفهوم جاء الى التداول اليومي عبر الفهم المحصور في اطر السلطة والطبقة الحاكمة هناك. وهو قطعا ما تنفيه ادبيات الشريحة المفكرة في المجتمع الغربي ذاته, وليس ببعيد عن ذلك يمكن تعين مغريات الديمقراطية كذلك وتوزيعها على وعي المثقف والسعي الى ابتلاعة من قبل القوى السياسة والمؤسسات الحاكمة ابتغاء تقليص فعله وتحجيم دوره ،
فضلا عن احاطته بنعيم الرفاهية والجاه لجره الى رغبة المتنفذ ، وهذا عنصرا اخر يلحق ويضاف الى الفهم المنقوص للديمقراطية كما مر انفا. فقيم الانفتاح تتيح معها شرعية التعددية السياسية بمعناها العام ، وبالذات غير المنضبطه في البيئة الوليدة كما لدينا . والاخيرة اي الفئة المتصدية تهرول الى ضم واحتواء المثقف المبدئي والمضحي بالماديات لاجل الحقيقة الراسخة في مخيلته كخطوة للاحترازات البعيدة . ظاهرا يبدو الامر مالوفا وطبيعيا فيما الفينا الان ، عكس اغواره التاملية حيث ان قشور الديمقراطية تنقشع مع انبعاث الرياح النشطة وبغياب اداة المثقف وعدته الاصلاحية للبنى كافة يجهض مشروع الاستحداث القادم وتضمر الدولة المدنية الضامنه في اول اختبار لها . وهنا اعتراض بشان ما كتبناه قد يجوز طرحه يتولد من المقارنة مع الغرب او بقصر حالة التحول عندنا بما لايجعل التشخيص اعلاه محمل فعل قيم ـ وهي ما لاتخفيه النظرية الغربية ببروز رجال فاعلين رغم مرور عدة قرون على الديمقراطية ، ومعها يتطابق الخطا الشائع ، اي قصر حالة التغيير بغرس وتجذير المعنى في الارضية المحروثة . وهذا الانقسام او الترهل ذاته ما حصل هنا ومنع من تاسيس التكتلات الثقافية التي تتوسط مسافة الفعل والاداء بين الحاكم والجمهور ثم تتولى تاليا مشروعية الرصد الذي يقابلة هاجس الانتشال الشعبي والمسالة هذه يجب ان تبقى حية حتى مع حصول الديمقراطية . ولم تشذ وتخرج عن هذا التصنيف مؤسسات الجامعة التي وقعت هي الاخرى ضحية الخلط والضم . وهنا ايضا لافتة تحتم الاشارة لها في القصد الذي مر لتحصين المقال من التسفيه وليس النقد كحالة حداثوية ، واعني بفراغ الساحة العراقية ليس من النقد المطروح في برامج التلفزة والصحف والدوريا ت فهذا حالة متوفرة لدى النظم الاكثر قمعية كما كنا نلحظ في الاعلام المصري في زمن مبارك على وجه التقريب لا الحصر وكيفية نقده الى الفاعل السياسي ، وهو وبالطبع ما لم نتوقف عندة باعتباره مستساغ ووارد ـ انما ماهية سطورنا تطرقت الى المثقف المتعاطي مع الذات الانسانية في نزوعها وتساؤلاتها الوجودية والتجريبة والخلقية وايحاءاتها العامه وتاثير منعكسات الديمقراطية على رؤيته . ودعم للراي نورد نص للمستشرق البريطاني “توينبي” في نظرته الحادة والعميقة الى ايجابية البيئة الصعبة والمضطربة التي تتحدى الانسان بقوله ان البيئة العنيدة تدفع المجتمع ، وعبر نخبته لايجاد البديل المتاح للعيش أي البيئة الطبيعية والانسانية ، وقوله ينسجم مع الرؤية التي في صددها والتي سنفرغ لها المستطاع لاشباعها بحث في اعداد اخرى ، ذلك ان المناخ الجاف اي الواقع المأزوم يظهر قامات عصية الاستدراج والخضوع سواء بالتهديد او الاغراء وهو ما لم نلمسه في الواقع المعيش ، باستثناء حالات فردية لم تبلور صورة كاملة عن مشروع ثقافي يعبر تفاصيل ظاهرة التجانس والمقاربة بين النخبة ودورها الاجتماعي وبين السلطة ودورها السياسي في اجهاض او على الاقل اسكات صوت المثقف الناقد والمعترض والمتمرد على تدليس الوعي وتسطيحه سواء عبر الموقف او البيان او قيادة الراي العام ، بوصفه معني في قياس هواجس المجتمع ، وذلك نابع من مقولة (المثقف الحر) وفهمه الى سياق التاريخ وحركة الانساق الاجتماعية كما افهمها انا لاشتغالاتي في تاريخية دور المثقف كضرورة عينية في تعزيز الواقع. ذلك ما يفرض اطر تمتزج بها الدعوة والالتفاته الى مراجعة مركبات التخدير لكل مثقف عراقي انخرط في مرمى لايستع لضمه ، وبالتالي حشر في بوتقة الخنق.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب