22 ديسمبر، 2024 8:56 م

المثقف بين إشكالية الانكفاء على الذات.. ومتطلبات التفاعل البناء مع المجتمع

المثقف بين إشكالية الانكفاء على الذات.. ومتطلبات التفاعل البناء مع المجتمع

لاشك أن الثقافة العامة، والارتقاء بالوعي الإنساني إلى آفاق رحبة، مهمة نبيلة، لها مردوداتها الإيجابية، في مغادرة حالة الجهل، والتخلف، والانطلاق نحو فضاءات العلم، باعتباره مصدراً للأشعاع والتنوير، حيث العلم نور والجهل ظلام،كما يقال.

ولعل من الجدير بالذكر، الإشارة إلى أن المعرفة والثقافة العربية، كانت في الصفحات المشرقة من ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، افقية الفضاء، ومتغلغلة في أوساط الجمهور، بكل شرائحهم الاجتماعية، فكانت ثقافة موسوعية النزعة، ومفتوحة الآفاق ، وعمومية الانتشار . ولذلك كان الاتجاه الجمعي العام للجمهور علمي التوجه، وموسوعي الفهم،وجماعي الثقافة، وتنويري المقصد.

ولأن البيئة المعرفية والثقافية العربية كانت افقية الاتجاهات، وموسوعية النزعة، فقد طفح عطاؤها بالإشعاع والتنوير خارج ساحة ابداعها، إلى الآخر، فكانت مصدرا للمعرفة، ومرجعا للتعلم والعلم، عندما انتقلت الى البيئة الأوربية، عبر مراكز وحلقات انتاجها فى الأندلس يوم ذاك.

ومع التراجع الذي حل بالحال العربي المسلم، في ظروف الانحطاط اللاحقة، وغياب معايير النهوض والتطلع، وغياب الأمة ونخبها عن ساحة العطاء والتأثير، سادت روح الانكفاء، وانكمشت روح البحث والتتثقيف، وجفت منابع المعرفة، وساد الجهل والتخلف، والإحباط في أوساط الأجيال التالية،ليصبح سمة غالبة لوصف الحال المعرفي المنهك .

ولا ريب أن الحال ازداد سوءا، بعد أن أصبح العالم الصناعي الغربي الراهن، هو مركز الإبداع العلمي والتقني والمعرفي، وظل عالمنا العربي الإسلامي منكفئا على ذاته، متلقيا للعلوم والتكنولوجيا والمعرفة من مصدرها الغربي، ومستهلكا لها وحسب، في ظل هيمنة علمية واقتصادية صارمة، تعرقل اي ملامح مرتقب للنهوض العلمي والمعرفي، في عالمنا العربي والإسلامي، وعموم البلدان النامية.

والملاحظ في ضوء تلك التداعيات السلبية للعصرنة الصاخبة، بوسائلها المفتوحة في كلِّ الاتجاهات، وبلا قيود، أن المثقف العربي اليوم غارق في الانكفاء على الذات، ومنغمس في ثقافة عمودية متمركزة، محدودة التداول في إطار النخبة فقط ، وفي أضيق الحدود ، مما يجعل عملية التثقيف الجمعي محدودة الأفق، وضعيفة التأثير في الوسط الاجتماعي، في الوقت الذي ينبغي أن يكون التكوين الثقافي تبيسطيا، ومنفتحا على جمهور المتلقين، بشكل متوازي مع انتاج ثقافة الاختصاص الأكاديمي الصرف.

ولذلك فإن الأمر يتطلب، أن يكون المثقف العربي أيا كان نمط ثقافته، منفتحا، ومتفاعلا في تحصيل مدخلات ثقافته، وكذلك في وسائل تواصله مع جمهور المتلقين، بحيث يكون التأثير جمعيا، وإيجابيا، باتجاه النهوض بالثقافة العامة، ورفع مستوى التنوير في المجتمع، وبالشكل الذي يرسخ ظاهرة الموسوعية الثقافية الاجتماعية، في بيئتنا الناهضة مجددا، ويغادر حالة النكوص والإنكفاء، ويحفز نوازع النهوض العلمي والحضاري، من خلال تفجير الطاقات الكامنة، والواعدة، بين الجمهور، مبدعين، ومتلقين، في آن واحد.