هل من المفترض أن تخوض المجتمعات حرباً ضروس تتساقط فيها الرؤوس مع السلطة الحاكمة حتى تحصل على حقها في حرية الرأي والتفكير والتعبير عن أفكارها ورؤاها المشكلة لهويتها التي ترتضيها لنفسها؟ هذه الحقوق أن وجدت ينطلق منها النخبة الواعية من المثقفين صانعي ومشكلي الضمير والوجدان وهم وباختلاف عناوينهم يسعون لأن ينقلوا المجتمع من حالة الانكماش التخلفي لحالة التنوير المعرفي لأجل أن يؤسسوا لهوية الأمة وهذا التأسيس يعتمد على سلطة صالحة تجد قوتها من قوة مواطنيها الذين يصنعونها من خلال نظرية (العقد الاجتماعي للسلطة ) الانتقال السلمي في وصول من يجدونه مناسباً لوضع المقدرات والمقررات بيديه ضمن من يختارونه ,كما وإن الدولة التي تعيش استقراراً في السلم الأهلي هي بدون أدنى شك,دولة تحترم مثقفيها وتجلهم لأنهم يتعاملون مع ضمير الأمة النابض الذي هو الحد الأعلى الذي يحكم أخلاقيات الإنسان لأنه يحكم على القلب والنية وحتى على مشاعر القلب الداخلية ،فقد أخذ الصراع مع المثقف الواعي المدرك لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه في رصده للظواهر السلبية التي تعرقل نمو مسيرة مجتمعه ومن ثم أيجاد الحلول الناجعة لها وتقديمها لصانعي القرار للنهوض بواقع مجتمعهم فوظيفته تتعدى وظيفة المواطن الصالح الذي يكتفي بصلاح نفسه فقط ,وليس لديه علاقة بما يجري حوله من أحداث وأزمات ,فالمثقف يُعد مصلحاً لديه رسالة يحملها ضمن تجمعه الإنساني الذي يعيش فيه لإقناعهم بالعمل في الصواب وتركهم للخطأ ،يقابله ضدٌ نوعي واعظٌ متلون مع كل ريح ينتهز الفرص ويعرض قلمه لمن يدفع له, و بثمنناً بخس أو في بعض الأحيان يؤجره بالنيابة للآخرين، دناءته تأتي من خلال عدم امتلاكه لأي ثوابت ومبادئ يرتكز عليها ,تشويهه للحقائق وتلاعبه بها ,وخلطه للأوراق،ليتقرب من السلطة الفاسدة التي تقرب هذا النمط وغيره لأنها بحاجة ماسة للقتال في معركة الفكر والمعرفة والقلم هو السلاح والفيصل بينهما , فيما يطلب المستبد الظالم من الوعاظ المفسد أفساد تلويث ثقافة المجتمع,بصناعة شخصية مغايرة عن الشخصية الحقيقية له ,فبليل خمرٌ ورذيلة ,وفي الصبح صلاةٌ وأمرٌ،كل هذا والتزييف مستمر في سجلات التأريخ على قدمً وساق, وبروايات وهمية كانوا يصطنعوها استرضاءً للحاكم حتى يمارس أعماله تحت نطاق الحرية وينام مرتاح الضمير على اعتبار أنه لم يقدم على هذه الأفعال إلا بعد منحه الشرعية لما يفعله ..