نقولها ، بكل حسرة وحزن وألم ، بعد أن عشنا عقودا من الحرمان والظلم ، فأننا لم نتوقع يوما أن تستجار أقلامنا التي لم يمسها الرجس يوما إن شاء الله ، للدفاع عن شريحة عزيزة على القلوب وتحظى بحب واحترام العراقيين وهي قريبة إلى الله وربما وشيكة التوجه لملاقاته ، وهم المتقاعدون الذين يشعر بعضهم بأنهم يتعرضون لأبشع الانتهاك بمس حقوقهم المشروعة من الرواتب التقاعدية بإخضاعها للضريبة بأثر رجعي من بداية حزيران الحالي ، فرواتبهم التقاعدية الهزيلة في أرقامها التي احتسبت على وفق القوانين السابقة والنافذة على أساس مقدار الراتب الوظيفي وعدد سنوات الخدمة والشهادة وغيرها من المعايير تتعرض اليوم للتخفيض بمسوغ لم نسمع عنه من ذي قبل ، وهي ليست مسالة بسيطة لان عذريتها من ضريبة الدخل لم تتعرض لهذا الموقف في كل السفر الضريبي في العراق ، وقد صانها قانون ضريبة الدخل المرقم 113 الذي استثنى الرواتب والحقوق التقاعدية كافة من تلك الضريبة في الفقرة سادسا من المادة 7 ، رغم إن القانون قد صدر في زمن ( الطغاة ) وفي توقيت صعب كانت تمر به البلاد في حرب ضروس مع إيران وبالتحديد في عام 1982 ، نعم ، إن المقصود إخضاع ما تبقى من المتقاعدين والذين يهمنا أمرهم غير الفضائيين لهذه الضريبة بموجب المقترحات المقدمة من قبل ( خلية الأزمة المالية ) إلى مجلس الوزراء تحت عنوان ( مناقلة الأمور المالية وإعادة ترتيب أولويات تمويل بنود الموازنة ) ، والهدف المطروح فيها هم المضحون من الآباء والأمهات والأعمام والأخوال وشركاء الوطن الذين قدموا الغالي والنفيس من أعمارهم ليكونوا في خانة المتقاعدين بعد جهاد طال لثلاثين او أربعين او أكثر من السنين العجاف قضوها في الخروج صباحا والعودة يوميا وهم يكرسون ما لديهم من طاقات لكي يبقى العراق في عطاء مستمر بغض النظر عن العناوين سواء كانوا فراشين يمسحون الأرض او طيارين مدنيين يعلون في السماء او أطباء او معلمين او بغيرها من المهن والعناوين .
والمقترح المقدم إلى مجلس الوزراء ورد في الفقرة رابعا من التسلسل 15 من ورقة المقترحات وقد نص على ( إخضاع الرواتب التقاعدية التي تزيد عن 500 ألف دينار شهريا لضريبة الدخل وان يكون تمويل أعلى راتب تقاعدي خمسة ملايين دينار شهريا واعتبارا من 1 / 6 / 2020 ) ، وهو نص فيه الكثير من المغالطات والأخطاء ، أولها إن الموازنة لا تمول جميع الرواتب التقاعدية لان الرواتب التقاعدية التي منحت بعد 1 / 1 / 2008 تمول من صندوق التقاعد الذي انشأ في بداية عام 2008 والذي يمول من استقطاعات الموظفين لحساب التوقيفات التقاعدية التي تبلغ 25% ممن استقطعت من رواتبهم الوظيفية ( 10% من الموظف ، 15% حصة الدائرة ) ، وهو صندوق تراكمي هدفه تجميع الاستقطاعات وتوظيفها واستثمارها بالطرق التي رسمها القانون لكي تدفع كرواتب ومكافآت تقاعدية بعد الإحالة للتقاعد لأي سبب كان ، والمغالطة الثانية إن المتقاعدين معفيين من ضريبة الدخل بموجب النص المشار إليه في أعلاه أي لا يوجد نص او سند قانوني للشمول ، والثالثة إن المشمولين بضريبة الدخل من غير المتقاعدين تفرض عليهم الضرائب سنويا وليس شهريا بعد حساب الوعاء الضريبي وتخفيض السماحات وإخضاع الصافي لمبدأ التدرج في فرض الضرائب المعمول به في العراق منذ صدور أول قانون ضريبي ، والرابعة إن من اقترح النص لم يراعي القضية الاعتبارية في الإحالة إلى التقاعد كأن يستثني المحالين قسرا بسبب بلوغ او إكمال السن القانوني او الأسباب المرضية او الوفاة بالنسبة لخلف المتقاعدين ، والشيء الآخر الجدير بالذكر أن اغلب المتقاعدين يعتمدون على رواتبهم التقاعدية لتدبير معيشتهم وهم خارج قوة العمل بما يعني إن إنقاص رواتبهم بالضريبة سيحدث لهم العوز ومعاناة إنسانية لا لذنب او فعل ارتكبوه وإنما بقرار حكومي يعد جائرا لفئة العاجزين وكبار السن والخلف من القاصرين وغيرها من الحالات لغير القادرين على إنتاج دخل جديد ، ومن المؤكد بان التقديرات المادية لقيمة هذه الضريبة سوف لا تشكل رقما يعوض الألم والشعور بالغبن الذي سيتعرض له المتقاعدون من المرضى وكبار السن والأيتام ، وهي سابقة خطيرة تحدث في زمن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان ولم يسبق لكل الحكومات اللجوء إلى هكذا حلول لمعالجة النقص في الإيرادات والناشئ من انخفاض أسعار النفط التي بلغت في ساعة كتابة هذه السطور 42 دولا لبرميل و45 لدولار لنفط البصرة وهي تتجه نحو الارتفاع التدريجي بعد تطبيق ( اوبك + ) ، واقسي ما تم اتخاذه ( مرة ) هو الادخار الإجباري لعدد من الشهور الذي توقف العمل به بعد موجات الرفض والاعتراض وأعيدت استقطاعاته بشكل أصولي .
لقد تأمل الشعب خيرا بحكومة السيد مصطفى ألكاظمي لأنها ولدت من رحم العملية السياسية وبموجب التوافقات وعدوها بأنها ستكون حكومة قوية باعتبارها جاءت لتلبي بعض مطالب المتظاهرين وغالبية الشعب في الإصلاح ، ونتمنى أن تبقى هذه الحكومة قوية وتنجز مهامها بأكمل وجه ولكن ليس بتوجيه قوتها للمتقاعدين ، لان الإصلاح في الرواتب التقاعدية لا يأتي من خلال ضربة واحدة قد لا يتحملها الجميع من الأقوياء والضعفاء ، فالراتب التقاعدي للمستحقين ( الفعليين ) هو حق مدفوع الثمن مقدما وقد وردت نصوصا في قانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 تشير إلى وجوب زيادة الراتب التقاعدي بما يتناسب مع معدلات التضخم وليس إنقاصه والتضخم يتسارع عاما بعد عام ، ولسان حال المتقاعدين يقول لا تركضوا وراء المتقاعدين لاستقطاع الفتات منهم فبعضهم على وشك لبس الأكفان ليذهبوا إلى واحد احد وقد يشكونه الظلم الذي طالهم بمتطلبات عيشهم وعيش الباقين في الحياة ونفقات الدواء والعلاج ، والمتقاعدون يجب أن لا يتم ( تحقير ) استحقاقهم المشروع بضرائب مذعنة ، فهم من وقفوا في حر تموز او آب اللهاب او في زخات مطر الشتاء وبرده لكي يصنعوا للعراق أمجادا تعيش بها الأجيال ، وهم من علمونا ودرسونا نحن وأبنائنا وهم من فعلوا كل ما يجب أن يقوموا به ، ومصيبة البلد ليس بهم وبما يستلموه ، وإنما بمن سرق أموال العراق ولم يحسن استخدام الإدارة والموارد الذين هم في جنات الأرض أحرار فعليكم بمحاسبتهم واسترجاع الأموال منهم دون المس بمن اعتلى سلم الشهادة او العطاء بشرف ونزاهة واستقامة وإخلاص ، ولا نقول استغنوا عن هذه المقترحات من باب الرجوع عن الخطأ فضيلة ، فالموضوع قيد التداول في الأوراق ولم يتحول إلى قرار وهو يحتاج إلى تمرير في مجلس الوزراء ثم مصادقة مجلس النواب والقضية يمكن حسمها واختصارها والعدول عنها الآن دون جلبة واعتراضات ، فيكفي إن الرواتب التقاعدية باتت تتأخر وهذا لم يحصل عندما وصلت أسعار النفط لأقل من 20 دولار وكنا في حالة حرب مع دواعش الإجرام ، وقد تعلمنا من الدين والحياة إن الابتعاد عن إلحاق الظلم بالضعفاء من أحسن الأفعال لان باب السماوات تفتح لتلبية دعوات المظلوم ، والقصد أن تبعد فئات المتقاعدين أصحاب الحقوق والاستحقاق من الاستقطاعات تحت أي عنوان سواء الضرائب او الادخار الإجباري او بما يبتكره ( العلماء ) من عناوين ، فالمتقاعد الذي دفع كامل التوقيفات التقاعدية بأسعار الدينار قبل 40 او 50 سنة يشعر بان من حقه الشعور بالأمن والاستقرار في استلام حقوقه التقاعدية دون أملاءات وإكراه حاله حال الآدميين في كل بقاع الأرض .