ألقيت محاضرة في اواسط تسعينيات القرن العشرين في بيت الحكمة في بغداد بعنوان – ( الترجمة عن اللغة الروسية في العراق ) ضمن نشاطات قسم الترجمة في بيت الحكمة آنذاك , ثم نشرت ملخصا واسعا لها في مجلة ( الاقلام ) العراقية بنفس العنوان , ولا توجد لديٌ الان- مع الاسف – اوليات تلك المحاضرة ولا الملخص المذكور والمنشور في المجلة , ولكني أذكر اني تحدثت هناك عن مدرستين عراقيتين للترجمة عن الروسية , الاولى واسميتها مجازا – ( مدرسة موسكو ) , والتي تشمل الاعمال الترجمية للمترجمين العراقيين الذين لم يعودوا الى العراق بعد انهاء دراستهم وبقوا في موسكو وعملوا في مجال الترجمة من الروسية الى العربية في مؤسسات سوفيتية مختلفة , والثانية واسميتها مجازا ايضا– ( مدرسة بغداد ), والتي تشمل الاعمال الترجمية للمترجمين العراقيين الذين عادوا الى العراق بعد اكمال دراستهم في الاتحاد السوفيتي وعملوا في مجال الترجمة من الروسية الى العربية في مؤسسات عراقية مختلفة , وتوقفت بتفصيل نسبي عند ترجمات المرحوم غائب طعمه فرمان باعتباره نموذجا لنشاطات المترجمين العراقيين في مدرسة موسكو للترجمة , وعند ترجمات المرحومة الدكتورة حياة شرارة باعتبارها نموذجا لنشاطات المترجمين العراقيين في مدرسة بغداد للترجمة, وقد أثارت تلك المحاضرة في بيت الحكمة والمقالة في مجلة الاقلام ردود فعل مختلفة تجاهها في حينها ,اغلبها كانتايجابية , وخصوصا بين مستمعي المحاضرة آنذاك (وأود أن أخص منهم بالذكر المرحوم الشاعر والصحفي والاذاعي والمترجم صادق الجلاد الذي ساهم مساهمة كبيرة بالمناقشات التي اعقبت المحاضرة), ومن القراء ايضا , باعتبارها طرحت لاول مرة في العراق موضوعا جديدا واصيلا بكل معنى الكلمة , كان يتجنبه الباحثون العراقيونعادة آنذاك لما يحمل من حساسيات فكرية معروفة , اذ ان اي حديث عن اللغة الروسية والترجمة عنها في ذلك الوقت كان يمكن ان يعني الحديث عن الاتحاد السوفيتي وايديولوجيته المعروفة والمرتبطة به , اما ردود الفعل السلبية فقد جاءت من بعض المترجمين انفسهم , اذ انهم كانوا غير راضين بشكل او بآخر لاني لم اتحدث عنهم كثيرا وبالتفصيل , اي بما يوازي ما قلته عن غائب طعمه فرمان وحياة شرارة , رغم اني ذكرتهم وأشرت الى اعمالهم الترجمية ومساهمتهم الكبيرة في مسيرة هذه العملية الثقافية المهمة , ولا اريد الان ان اتوقف عند تلك الاسماء ( وهم قلٌة ) والآراء الذاتية البحتة والنرجسية والمديح المبالغ به لانفسهم– مع الاسف – ولاعمالهم ونشاطاتهم الترجمية التي تحدثوا حولها معي في بغدادآنذاك , ولكني أودفي هذه السطور الوجيزة الانالعودة الى عدة افكار طرحتها في تلك المحاضرة و المقالة في حينها وكنت اتمنى ان تجد ردود فعل لها او تتحقق بشكل او بآخر عمليا , واحدى هذه الافكار التي اريد ان اتحدث عنها في هذه المقالة الان بشكل دقيق هي– من وجهة نظري – ضرورة واهمية دراسة ظاهرة الترجمة من الروسية الى العربية ضمن مدرسة موسكو كما اسميتها مجازا في مرحلة الاتحاد السوفيتي ( 1917- 1991 ) ,وهي ظاهرة غنية وكبيرة ومهمة في مسيرة العلاقات الثقافية بين الفكر الروسي والعربي ,و هذا يعني بالطبع دراسة وتوثيق وأرشفة مساهمة المترجمين العراقيين فيها وتقويم هذه الظاهرة وتحديد قيمتها العلمية في مسيرة الحياة الثقافية العراقية , وقد حاولت في محاضرتي ومقالتي ان احدد اسماء المترجمين هؤلاء بحكم معرفتي الشخصية بهم او دراستي معهم في الجامعات السوفيتيةفي بداية الستينات ( رغم اني كنت عندها بعيدا عن حركة الترجمة تلك ولم اساهم بها لاني تركت الاتحاد السوفيتي آنذاك بعد انهاء دراستي هناك رأسا), ولم تكن المصادر الكافية متوفرة في تسعينيات القرن الماضي في بغداد عندما طرحت ذلك الموضوع , اضافة الى عوامل اخرى اهمها بالطبع عدم وجود حرية التعبير الكاملة و كما يجب في تلك الاجواء والتي كانت تقتضي انتقاء الكلمات بحذر شديد , و انعزال العراق عندئذ عن العالم الخارجي , وعدم استطاعتنا استخدام وسائل الاتصالات الموجودة في الوقت الحاضر…الخ , ولهذا اود العودة الى هذا الموضوع الان وادعو زملائي المعنيين بالامر ان يساهموا معي في تحديد معالم هذه الظاهرة الثقافية المهمة والمتفردة في مسيرة العراق المعاصر, والتي لم يتناولها الباحثون كما يجب لحد الان حسب علمي المتواضع , و أظن ان الخطوة الاولى لدراسة هذه الظاهرة الثقافية تقتضي – قبل كل شئ – تحديد الاسماء العراقية بشكل عام ومن ثمٌ تصنيفها على وفق مجالات الترجمة المختلفة التي عملوا فيها ,خصوصا وان بعض هؤلاء الذين شاركوا في حركة الترجمة هذه لا زالوا موجودين في روسيا لحد الان ومن بينهم وحسب تسلسل الحروف – جلال الماشطة // وخيري الضامن// و سلامالشهباز// و سلام مسافر// وصالح الحمراني// وعادل الجبوري// وعادل العبيدي // وعلي عبد الرزاق // وعبد الله حبه //ومحمد الطيار// , ومن المحتمل جدا جدا وجود اشخاص آخرين لا اعرفهم او لا اتذكرهم الان بسبب سنوات العمر واحكامه ليس الا, ونأمل مساهمة الآخرين ايضا , و الذين هم الان خارج روسيا مثل – برهان الخطيب // وجليل كمال الدين // وجميل نصيف التكريتي // وحسين محمد سعيد // وداود كرومي // وزهير شليبة // وسعدي المالح // ومن المؤكد انني لا استطيع حصر كل تلك الاسماء التي ساهمت في مجال الترجمةهذه …// وكذلك ارجو ان يشارك في هذه العملية الثقافية المهمة المترجمون العراقيون من الجيل الثاني والذي جاء بعد ذلك الجيل من المترجمين الاوائل وساهموا في حركة الترجمة تلك , وكذلك اتمنى ان يساهم معنا المترجمون من البلدان العربية الاخرى , الذين عاصروا هذه الحركة وساهموا فيها , واود ان اشير قبل كل شئ الى اسم صديقي ورفيق دراستي في جامعة موسكو المترجم المصري الكبير الدكتور ابو بكر يوسف , والذي كان في قلب أحداث تلك المسيرة منذ بدايتها الى نهايتها و احد ابرز نجومها واعلامها , ومن المؤكد انه يعرف الكثير من المعلومات حولها ويتذٌكر تفاصيلها الدقيقة , واقترح اننبدأ بمجال ترجمة الادب الروسيالى اللغة العربية لأنه المجال الاوسع بين القراء في كافة البلدان العربية اولا , و ثانيا , لأنه يجسٌد الاعمال الترجمية الباقية على مدى فترات زمنية طويلة يتداولها القراء من جيل الى جيل , والاسماء التي تخطر الان في ذاكرتي في هذا المجال و حسب تسلسل الحروف العربية هم – برهان الخطيب // جليل كمال الدين // خيري الضامن // عبد الله حبه // غائب طعمه فرمان // موفق الدليمي // ومن الممكن جدا ان تكون هناك اسماء اخرى لا اعرفها او لا اتذكرها في الوقت الحاضر , ومن الضروري بالطبع التوقف عند كل اسم من هذه الاسماء واعطاء مواصفاته ومميزاته وتحديد مساهماته الخاصة والعامة في هذا المجال ووضع قائمة دقيقة لنتاجاته الترجمية, وهي مهمة ليست سهلة ابدا ,اذ تقتضي من الباحث ان يجد بنفسه كل هذه الاوليات وتفصيلاتها, واذا كان الامر – بشكل او بآخر – واضحا نسبيا بالنسبة لاسم مثل المرحوم غائب طعمه فرمان , والذي سبق للكثير من الباحثين ( واتشرف ان اكون واحدا منهم ) الكتابة عنه مترجما , وتوجد قائمة كاملة منشورة لكتبه, وكذلك الحال بالنسبة لخيري الضامن وعبد الله حبه الى حد -ما, فان ترجمات المرحوم موفق الدليمي مثلا تشكٌل صعوبة للباحث , اذ توجد القليل من المصادر حولها او حتى يمكن القول انها لا زالت مادة خام ليس الا لم يتناولها الباحثون اصلا رغم اهميتها وقيمتها في مجمل تلك الظاهرة الثقافية الكبيرة والمهمة والمتميزة في دنيا ترجمة روائع نتاجات الادب الروسي في القرن التاسع عشر والقرن العشرين الى اللغة العربية.
ختاما لهذه السطور الوجيزة عن هذا الموضوع الكبير اود ان اشير الى اسماء بعض المترجمين العراقيين الراحلين , والذين ساهموا في هذه الحركة الثقافية بشكل او بآخر وحسب ما اتذكر ليس الا, والذين لم اذكرهم أعلاه , وهم حسب تسلسل الحروف العربية طبعا كل من –// احمد النعمان // و// الياس شاهين // و// سعود الناصري// و // عدي عجينه // و // فايق أبو الحب // , ومن المؤكد انني لا اعرف الجميع في هذه الفترة الزمنية الطويلة, وبالتالي لا استطيع ان اذكر جميع الاسماء التي ساهمت في هذه الحركة, ومن المؤكد ايضا ان هذا العمل الارشيفي والتاريخيوالثقافي يحتاج الى جهود الكثيرين من الذين ساهموا فيه , وكلي أمل ان يستجيب الجميع الى هذا النداء كي ننجزه معا وسوية وبمشاركة المعنيين كافة , من اجل أرشفة هذه الحركة الثقافية المتميزة في تاريخ العراق الحديث ودراستها وتقويمها وتحديد مكانتها و اهميتها الجديرة بها في مجمل مسيرة الثقافة العراقية .