المتخلفَ بريءٌ حتى تثبتَ إدانتهُ

المتخلفَ بريءٌ حتى تثبتَ إدانتهُ

تحملَ مفردةَ تخلفِ ” في لغتنا العربية” معاني عدةٍ ، غالبُها يشيرُ إلى التباطؤِ في الحركةِ للوصولِ إلى مكانِ ما. وهذا ، المعنى، ليس موضوع مقالتنا، إنَ ما يهمنا، التخلفُ الاجتماعي، الذي يشيرُ إلى التخلف البشري في الجوانب الاقتصاديةِ أوْ الاجتماعيةِ أوْ الثقافيةِ بسببِ عددٍ منْ العوامل،أهمها: الفقر، الجهل، انتشارُ الأمية، عدمُ المساواة، غيابُ العدالةِ الاجتماعية، وغيرها.
بسبب للظروفِ الصعبةِ التي مرَ بها الشعبُ العراقي، ولنبدأ، منذُ بدايةِ الدوليةِ العراقيةِ الحديثةِ في أوائلِ القرنِ التاسعِ عشر، ولوقتنا الحالي، وما رافقها منْ عواملِ التخلف لبعض فئات شعبنا، بسببَ الحياة المعيشية ، والاستبدادُ والتسلطُ منْ المحتل الأجنبيِ، والإقطاعي، والشيخ، وما يسمى السركال ، بسطوتهمْ الظالمة.
ليتحول الفقير إلى عبيدْ مطيع لهم، من جماعة – سمعاً وطاعةً يا طويل العمر- وما أكثرهم اليوم…! لمْ تكنْ الحكام أقلَ سوءاً منْ هؤلاء، باساليب حكمهم القمعية .
يخرجُ المتفلسفونَ منْ أمثالنا، بمختلفِ شهاداتهمْ العلميةِ ليطلقوا لفظ (شعبٌ متخلف) على أجدادهم الأبطال من ذوي العزم.عندما يروا تصرف لا يعجبهم من قبل البعض من الفقراء.
إنَ هذا الوصف، غيرَ اللائق، يفهمُ أحيانا، التخلفُ العقلي، يعني الجنون، وهذا اتهامٌ باطلٌ لشعبٍ عظيمٍ في تاريخهِ، أنجبَ العديدُ منْ العلماءِ، لمختلفِ التخصصاتِ الطبيةِ والهندسيةِ والإنسانيةِ، ومجالاتِ العلمِ والمعرفةِ الأخرى.
أن كل هذا يتطلب وقفة قصيرة، للبحث والتحري، عن الأسبابِ التي أدتْ إلى تخلف البعض، والانصياع الأعمى للفاسدينَ، وأشباهُ الرجال منْ مرتدي، غطاءِ الدينِ، والعشيرةِ، والعمالة للأجنبي، ومسايرة الحاكم الظالم ، بسبب الجوع والبحث عن لقمة العيش، وكما، قالَ شيخنا عبدَ القادرْ الكيلاني رحمه الله في أحدى خطبه: ( لقمةٌ في بطنٍ جائعٍ خيرٍ منْ بناءِ ألفِ جامع) .
أن الأسباب الحقيقية، كانت تكمن في التخلف لدى البعض ، في العبوديةِ والتمجيدِ للجاهل المتخلف ، نتيجة العنصر الأجنبيِ المحتل، الشيخ، السركال، رجلُ الدبنْ المتسيس، والذي يطلقُ خرافاتهِ وخزعبلاتهِ منْ الكتبِ الصفراءِ على الفقراء، ليزيدَ كيسهُ ليرةً ذهبيةً أوْ فضيةٍ، ويبعدهم عنْ الدين الحقيقي، وتعاليم القرآن الكريم، ومفاهيمهُ البسيطة، في الحلالِ والحرامِ، وتجنبِ الكبائرِ والسيرِ في الصراطِ المستقيم، وأداءُ فرائضه الواجبة .
منْ يقلبُ التاريخُ الأسودُ في بعضِ صفحاته، يجدَ العجائبَ، كما في قصصٍ ورايات الكاتبة (أجاثا كريستي) عن الجرائمِ والمؤامراتِ المخفية. وخيرَ مثال، لهذهِ الأحداث المظلمة، تهديمُ بيتِ اللهِ الحرامِ (الكعبةُ الشريفة) ولأكثر منْ مرة من قبل بعض الطغاة، دون خجل من الله، وقتلَ سبطِ رسولِ اللهِ الإمامْ الحسينْ (ع ) ، ومن معه من الأطهار من ال بيت رسول الله. دون خجل من رسول الله عندما رفع راية التغيير ، لا من أجل شيء ، فقط التمسك بكرسيِ الحكمِ الزائل.
اتفقَ معظمُ الكتاب في الشأن الاجتماعي؛ إنَ سببَ الجهلِ لدى البعض، يعود الى المتسلطِ الأجنبيِ في بداية حكمه، عندما ينصبُ عميلَ لهُ، في حكم الشعوبِ، ليفرضَ عليهمْ الجهلُ القصري، لسهولةِ السيطرةِ على عقولِهم، وأبعاد لفظ اسمه الديمقراطيةِ ومرادفاتها في الحكم، او التحدث في دولةِ اسمها (سنغافورا) التي ولدتْ منْ مستنقعاتِ المياهِ الضحلةِ، لتصبحَ ملاذَ المالِ العالميِ ، ولا إلى دولة اسمها ألمانيا، التي نهضتْ منْ أكوامِ الحجارةِ بعدَ خسارتها في الحربِ العالميةِ الثانية، لتحتلّ أقوى اقتصادياتِ العالمِ الغربي.
يتركزَ هدفُ بعضِ الساسة في الحكم، في جمعِ المالِ الحرام، وإيداعه في البنوك الأجنبية، تطبيقا للمثل الشعبي ؛ ( القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود ) ، وإرسالَ أولادهمْ إلى دولِ الكفرِ للحصولِ على أعلى الشهاداتِ الدراسيةِ، وفي طريقهمْ التجنسُ منها، ومرات الزواج بشقراء منها، لتحسين النسل ، ليؤمنوا المستقبلَ ، والفقراء لهم المباديء ، ليوفروا فيها لقمة عيش أطفالهم.
يقولَ نعومْ تشومسكي: إنَ عامةً الناسِ لا يعرفونَ ما يجري ولا يعرفونَ حتى أنهمْ لا يعرفون. أما جورجْ أورويل، يقول: السياسيونَ في العالمِ، كالقرودِ في الغابة: إذا؛ تشاجروا أفسدوا الزرع، وإذا تصالحوا أكلوا المحصول!
لقدْ تحولَ البعضَ منْ الفقراءِ، وللأسف ، إلى فئة الجهلة، يمجدونَ سيدهمْ المحتالِ ليلَ نهار، وبإشعارَ مهوالهم، وهوساتهم في ساحة بيته المغصوب.
بعد، هذا التحقيق المجتمعي، عرفنا، أنَ المتخلفَ بريء، ولا يمكنُ إدانته، لأنَ، أسبابَ التخلفِ خارجَ عنْ إرادته، فيجبُ البحث، عنْ المتسببِ في جهلهِ ومحاكمته، وإحالتهُ إلى العدالةِ الإلهيةِ قبلَ الدنيوية. لهذا يتطلبُ منْ العامة، أن لا يتحولوا الى ببغاءً للبعض، وليتذكروا قولَ الله- سبحانهُ وتعالى: ( ولقدْ خلقنا الإنسانَ في أحسنِ تقويم). ويتحلوا بالشجاعةِ في تحقيقِ مطالبهم، وكما قال؛ تشي جيفارا: كنَ شرساً وأنتَ تدافعُ عنْ الحق، فهذا العالمُ المتوحش، لا يحتملُ المزيدُ منْ الجبناء. والتوجه الى العلم والمعرفة والقراءة، وكما، في المثلِ الشعبي: إنَ رأسَ مالكِ علمك، وعدوكَ جهلك.
حاول أن تكشف عن وجهك الحقيقي ، وإيصال صوتك للظالم المتسلط ، ليتوقف عن ظلمه ، كما قالَ جورجْ برواردْ شو: مؤلم أنْ تسيرَ بجانبِ الحائطِ مبتعداً عنْ المشاكل، فيسقطُ عليكَ الحائطُ نفسه.
وختاماَ مقالنا ، نقول قولهِ تعالى: ( لِلْفقراء الَّذين اُحْصُروا فِي سبيل اَللَّه لَا يسْتطيعوا ضرْبًا فِي اَلأرْضِ، يحْسبهم الجاهل أَغنِياء مِن التَّعَفُّف، تعرُّفَهم بِسيماهمْ، لَا يسْألون النَّاس إلحافاً، ومَا تُنْفقون مِن خَيْر، فَإِن اَللَّه بِه عليم ) .صدق الله العظيم .

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات