19 ديسمبر، 2024 12:09 ص

المتخلفون عقلياً (يصنعون) مستقبلنا !!

المتخلفون عقلياً (يصنعون) مستقبلنا !!

قبل العيد دعاني واحد من (كبار) السياسيين العراقيين لزيارته، وكانت الغاية من هذه الدعوة المفاجئة هي معرفة رأي الجمهور بأدائه خلال السنوات الثمان الماضية كما قال السياسي (الكبير)، على اعتبار ان الصحفي مطلع اكثر من غيره على اتجاهات الرأي العام بحكم عمله وقربه من عامة الناس . وقد طلب مني أن اتحدث اليه بصدق ولا اخفي عنه ما يزعجه.
فأوجزته كل ما اعرفه وخصوصاً رأي الناس بأدائه ، وكنت كما أراد صريحاً معه  بعد أن أناعتذرت له عن صراحتي في نقل الحقيقة.
بعد ذلك، تمنيت عليه الحديث عن الواقع السياسي من وجهة نظره، بعد ان افرغت امامه كل مااعرفه عن آراء المواطنين الذين التقيتهم به وبغيره من السياسيين، وهي في مجملها كانت لا تريح ولا تسر، وقد كان يتقبل ذلك بصدر رحب، إذ قلما ظهرت ملامح الغضب على محياه ! قلت له : ما رايك انت بالعملية السياسية، وبمستقبل العراق كما يتصوره ؟ فأجاب بأختصار شديد بأن العملية السياسية مرتبكة جدا والحكومة الحالية هي نتاج هذه العملية، فهي فاشلة تماما. اما المستقبل فأظن انه سيكون افضل مما هو عليه الان؟ فأعترضته قائلاً : إذا كان هذا الواقع الذي انت وغيرك غير راضين عنه، بما يحمله من فوضى وارتباك سياسي وفقدان القادة للبوصلة التي تشير الى الهدف .. إذا كان حال هو هكذا فمن اين يأتي التفاؤل بالمستقبل الذي تقول عنه أنه سيكون واعداً؟
فأجاب : البلد يتعرض الى زوابع رعدية، بالمفهوم السياسي، وهذه الزوابع أما ان تحمل مطرا (تنثه) علينا، فينفع الناس ويروي الزرع، وأما ان تحمل (حالوبا) يدمر الزرع ويقطع الشجر ويسقط الثمر! ففي الحال الاولى (اي المطر الخفيف) ستكون العملية السياسية قد خرجت من مأزقها بنجاح، اما في حال تساقط (الحالوب) فأن الأمر سيء ولا شك !!
عندما سمعت هذا التحليل (الفكري) المعمق صعقت حقيقة. صعقت بعد ان كشف لي هذا السياسي عن ضحالة قد لاتجدها حتى عند كثير من المنقطعين عن تكنلوجيا المعلومات الحديثة، التي لم تترك شيئا إلا وجعلته بين أيدي السياسيين من دون جهد أو مشقه ، بأستثناء الذين سدت منافذه عقولهم بالكتل الكونكريتيه .. بهذه النظرية(الديالكتيكية) فسر لي هذا السياسي (الكبير)احداث ووقائع الحاضر، ثم امتد افقه الى المستقبل ايضا!
يجب ان اعترف هنا، بأني يئست حين سمعت هذه النظرية (المتقدمة) على عصر الحداثة وما بعد الحداثة! يئست وحزنت حزنا عميقا على مستقبلنا ومستقبل ابنائنا الذي يصنعه لهم مثل هذا السياسي الذي يعتقد وكثيرون غيره بأنهم لو تسلمموا ادارة دفة العراق فسينقلونه الى مرحلة جديدة تضعه في عداد الدول المتقدمة!
 تساءلت مع نفسي، بعد هذا اللقاء، اذا كان هذا (المفكر الستراتيجي) بهذا المستوى من العوق العقلي، فكيف هو حال غيره من السياسيين، ممن هم أقل (ثقافة) منه؟
فهذا السياسي يحمل شهادة عليا، وكان يفترض به ان يكون قد تعلم شيئا من الحياة في المنفى ، وإذا به ذهب وعاد ولم يجلو الغبار عن عقله .. فأي مستقبل ينتظرنا مع هؤلاء السياسيين الذين يصلح كثير منهم لحراثة الارض ولا يصلحون للسياسة!
المفارقة، ان احد المقربين من هذا (المفكر) قال لي، ان مسؤولاً كبيراً في الحكومة الحالية طلب منه العمل مستشارا له. وقال له بالحرف الواحد: عليك ان تعاونني، فأنا لا اعرف ما يجري خارج الغرفة التي اجلس فيها.. غير ان هذا السياسي (المفكر الستراتيجي) امتنع عن اعطاء (عصارة) فكره محتفظاً بها ليوم يتولى هو تلك الوظيفة الرفيعة الاولى في الدولة العراقية! .