18 ديسمبر، 2024 4:50 م

المتحف الوطني للفن الحديث بين الإهمال والسراق

المتحف الوطني للفن الحديث بين الإهمال والسراق

المتحف الوطني للفن الحديث لمن لا يعرفه، يعد قسماً من أقسام دائرة الفنون العامة، التابعة لوزارة الثقافة والسياحة والآثار، ويقع في الطابق الأول من بناية دائرة الفنون العامة، ويحتوي على الأعمال الفنية، للفنانين التشكيليين العراقيين من جيل الرواد وما بعدهم.

يحتوي المتحف ما قبل عام “2003” حوالي سبعة آلاف عملٍ فني متحفيٍّ لا تقدر هذه الأعمال بثمن، كلما زاد عمرها الزمني، إرتفعت قيمتها المادية حيث ارتبطت بأحداث مهمة، أو اسماء فنانين كبار.

عراق ما بعد الإحتلال، تعرض فيه المتحف الوطني للسرقة والتخريب، ونهب محتوياته الفنية النادرة والثمينة، حاله حال أغلب دوائر الدولة، خلال أحداث عام “2003” حيث التغيير الكبير، على وزارات الدولة العراقية من دون إستثناء.

إستقر الوضع الأمني، وتشكلت الحكومات المتعاقبة، وبعد مرور أكثر ثمانية عشر عاماً على التغيير، لم نجد الإهتمام الحقيقي لهذا الكنز، الذي أصبح نصفه أو ما يزيد في (خبر كان)؛ لأن الوزارة المنكوبة التي تعاقب عليها، ما يقارب الخمسة وزراء، لم يستطيعوا أن يعيدوا للمتحف، إلا “2350” عملاً فنياً، من أصل سبعة آلاف عمل تمت سرقته، وهذا بسبب الإهمال واللامبالاة من قبلهم، رغم أنهم أعلى سلطة في هذه الوزارة المهمة.

رغم سعي الوزارة، بفتح شعبة متخصصة، بصيانة الأعمال الفنية المتحفية، من قبل فنانين عراقيين متخصصين، بهذا النوع من الفن؛ لعلم الوزارة بأن الإستعانة بخبراء من خارج العراق، يكلف مبالغ طائلة لأجل ترميم بعض التحف، والأعمال التي تعرضت للتلف، بسبب إهمالها من قبل السراق، الذين لا يعلمون قيمتها المعنوية؛ لكونها تحفة نادرة؛ لهذا لجأت الى الرجل الوحيد في العراق، الذي يعمل على ترميم التحف، لكنه طلب مبلغاً خيالياً.

سعت دائرة الفنون العامة على تطوير كوادرها الفنية، لمتخصصين بهذا النوع من الفن، وتم بالفعل إفتتاح شعبة صيانة الأعمال الفنية، وترميم أعمال الفنانين الرواد وما بعدهم، وفق معايير فنية عالمية رصينة، ولكن كانت الخبرة تنقصهم، وهم بحاجة الى دورات تدريبة لهذا الغرض، فبادرت الست أنعام العطيوي، وهي أحدى موظفات الوزارة، التي تشغل منصب مديرة علاقات دائرة الفنون العامة، الى مخاطبة العتبة العباسية المقدسة، لإدخال كوادر شعبة الصيانة في دورات بأشراف العتبة؛ لأنهم أصحاب باع طويل في هذا المجال، وإمتلاكهم خبرات متطورة، تدربوا على يد خبراء مرممين من إيران.

زيارتي الأخيرة للمتحف، لفتت نظري الكثير من الأعمال، وإستفهمتُ عن معظمها ليس لجمالها ولكن لعدم وجود شواخص أو شرح، عن عمر اللوحة، أو التحفة الفنية، أو أسماء الفنانين، الذين نفذوها، وكان هناك ورقة صغيرة فقط تخص الملاحظات، كُتب عليها إسم الفنان وبخط يُرثى له، وأحزنني الموقف؛ لكونه أمراً بسيطاً، لا يصعب على القائمين بالمتحف، كما أنه غير مكلف، وهو أمر مساعد للزوار، لمعرفة عمر اللوحة والعمل، وإسم صاحبها وتأريخه وبقية أعماله.

ختاماً: عتب كبير على رئاسة الوزراء، وإهمالها لمثل هذه الأمور المهمة الخاصة بتأريخ العراق، والعتب كذلك على وزارة الثقافة، الممثلة الحقيقة للمثقفين، للمحافظة على إرث العراق، وجهد الفنانين والنحاتين، وتشكيل لجنة للبحث عن بقية المفقودات؛ كي يعيدوا ما تبقى من الكنز المفقود .. ملاحظة : كان هناك لجنة يبدو أنها تبخرت مع الأيام؛ بسبب فعل فاعل ما!!