في العراق أحداثٌ و فسادٌ و إتفاقاتٌ و خروقٌ و متناقضاتٌ و سلب و نهب و هدر كرامات و مظالمَ لم نشهدها في أيّة دولة من الدّول, و السّبب كما أشرنا سابقاً هو فقدان المُتصدين في الحكومات المتعاقبة و لأسباب جوهريّة إلى آلفكر ألأنسانيّ و العقيدة الكونيّة السّليمة و آلمنهج الأخلاقيّ و آلعلمي الأمثل ألّذي قد يدفعهم لتنفيذ برامج الأعمار و البناء و التقدم العلميّ خصوصاً ما يتعلّق بالبنى التحتية التي لا تعرف الحكومات حتى أبجديتها وأولوياتها و برامجها العلميّة ناهيك عن الخطط ألأستراتيجية و المتوسطة لتنفيذها!
بآلطبع هذا لا يعني أنّ بقيّة حكومات دول العالم تُراعي حقوق و كرامة الأنسان و العدالة حتى النسبية أو المناهج المُثلى في التربية و التعليم و الخطط الستراتيجية؛ بل الحقيقة أنّ الشيئ الوحيد المُهان في عالم اليوم بظل حكومات الأرض الظالمة هو حقوق و كرامة الأنسان, و لكن نقصد بأنّ ما جرى و يجري الآن في بلادنا؛ هو الأسوء و الأظلم على كل صعيد بآلقياس مع بقية دول العالم, خصوصاً من ناحية الحقوق الأنسانية و الوظيفية و القيمة الحياتيّة التي يحصل من خلالها الحكام فقط على أضعاف أضعاف ما يحصل عليه المواطن المهتوك, بجانب الفساد العظيم الذي لا حلّ له كنتاج طبيعي لذلك!
و فوق كل ذلك و المؤسف له .. أنّ الشيئ الوحيد ألمُتفق عليه بين المُتحاصصين حدّ الكمال و الوئام و الوحدة الكاملة؛ هو الأتفاق على آلحُصص و الرّواتب المليونية و المليارية التي قسموها بعيداً عن مصلحة الوطن و المواطن لتذهب هدرا ًعلى مدى 15 عاماً ترليونات من الدولارات من خيرات الوطن بل حتى إحتياطيه النفطي الكبير الذي تمّ رهنه بسبب ولعهم بالأرباح السريعة مقابل الخسائر الأستراتيجية!
ففي الجلسة الأولى لمجلس الحكم و ما إنبثقت عنه من حكومات كارتونية عيّنهم (بريمر) ممثل الشيطان الأكبر؛ برهن المتحاصصون عملياً على ذلك, لهذا لم يكن غريباً حين شهدنا (البعثي ألصدامي) يجلس بجانب (الدّعوجي الغربيّ) و هم يتبادلون التحايا في الأحضان؛ أو جلوس (الشيوعي) بجانب (الرأسمالي)؛ أو (القومي) بجانب (الأممي)؛ أو (المعمم) بجانب شارب (الخمر) في نسيج متوافق, الكل فيه متحابين متوائمين حتى في التفاصيل بلا خلاف أو خطأ أو فساد في ذلك, و كل منهم يبرّر موقفه على أساس مقدار الحصّة(الدولارية) المعينة له و التي عينها و إختارها الحاكم الأمريكي و رب المتحاصصين السيد الكبير (بريمر), و كأن الحكومة بنظرهم غنيمة لأجل سرقة أموال الوطن!
في مقابل هذا التناغم و التوافق العجيب .. كان الشعب يعيش الجوع و الألم و الجهل و الأرهاب و الأمية و فقدان شبكة مواصلات آمنة, و تربية و تعليم و ماء و كهرباء على كل صعيد, و المتحاصصون لا يبالون بما يجري, بل كانوا و لا يزال فرحين و يسعون لتعميق ذلك و الأستمرار بها, بل لعبت الحكومات و معها البرلمان و القضاة خلال كلّ تلك المراحل الدّموية – ألتّدميرية دور الأعلامي الذي يرصد و يكتب التقارير عن تلك الأحداث و الأنفجارات الدّامية التي كانت تقع كل يوم لتذهب ضحيتها مئات الآلاف من العراقيين الأبرياء البسطاء بعيدا عن المتحاصصين بسبب جهل و خيانة و أمية الأحزاب و الشخصيات المتحاصصة التي مهّدت للمستكبرين أسباب و وسائل تدمير العراق و الشخصية العراقية التي تتعلعل يميناً و شمالاً و هي حائرة اليوم و لا تدري ما تفعل أمام كل هذا الخراب الذي واجهه و يواجه اليوم!؟
بآلطبع ذلك التوافق المقيت كان في الظاهر فقط .. أما في الباطن فقد تفنّن كلّ متحاصص على إظهار نفسه متوافقاً حتى آلنخاع في التفاصيل لحفظ (العملية السياسية) التي ضمنت لهم الأموال و بآلتالي ما خلّفت مقابلها غير خراب العراق و العراقيين, فكلّ متحاصصٍ و كلّ حزب و جماعة كان بما لديه فرحاً لا يستكين في الخفاء على حياكة المؤآمرات و الأغتيالات و النهب و السلب و السرقات في الخفاء و بغطاء التوافق القانوني الذي كان يستميت المتحاصص لتسويقه إعلامياً للمواطنين السّذج الذين وصل جهلهم لأعلى الدرجات, و ربما لبساطته و تسطح فكره؛ ما زال يصدّق الشعارات و المصطلحات الرنانة التزويقة كآلدّيمقراطية و الوطنية و المشاركة السياسية و البرلمانية و الحقوقية و الأئتمانية و وووو غيرها من الشعارات و المواقف التي كانت تخدّر المواطنين و تفسد عمق حياتهم .. بل كانت سيفاً مسلطاً على رقابهم, خصوصاً لمن كان يعترض أو يتظاهر أو يكتب موضوعا مناقضاً لما كان يجري في الواقع .. لهذا هددوا الكثير من المثقفين و الكتاب و المفكرين و أُغتيل بعضهم, كهادي المهدي الكاتب و الصّحفي الوطني المثقف و المخلص الذي كشف زيف المُدّعين للوطنيّة و الدّعوة الأسلامية لله, حتى إغتاله المتحاصصون خصوصاً ألمنادين بآلدّعوة لله بلا حياء لعدم قدرتهم على مواجهته فكريا و ثقافياً!
لذلك و بسبب هذا النكوص الحضاري و الخيانة العظمى و الفساد العظيم للمتحاصصين الفاسدين بعيداً عن مصلحة الوطن و المواطن و قضاياه الستراتيجية؛ لم يستقر العراق .. و سوف لن يستقر للأبد ما دام الحاكمون قد فهموا بسبب فساد عقائدهم؛ بأنّ فلسفة التسلط و الحكم و المناصب هي غنيمة لأجل كسب المال و الرّواتب و المخصصات على حساب هدم الوطن و سرقة المواطن!؟
و لذلك رأينا إستمرار نزيف الدّم و الفوضى و السرقات و الفساد .. هذا بجانب أنّ العراقيّ كان بآلأساس يعيش في غرفة الأنعاش .. بل كان معوقاً جسدياً و نفسياً و فكرياً بسبب السياسات العدوانية و العشوائية لنظام صدام الفاسد الذي هو الآخر كان فاقداً للفكر و مصاب بـ (آلأميّة الفكرية) على غرار أقرانه الذين خلّفوه في الحكومات التي تعاقبت من بعده 2003م و لحدّ هذه اللحظة.
من أسوء الأمور التي يُمكن أنْ تُواجه شخصاً أو جماعة أو حتى أمّة من الأمم, و كما أشرت لذلك في همساتي الكونيّة؛ هي حالة آلنفاق التي تصبح بمرور الزمن سلوكاً عادياًّ لهم بسبب (الأميّة الفكريّة), و لذلك نرى أن الله تعالى خصص للمنافقين ألدّرك الأسفل من النار بحسب وصف القرآن الكريم, بينما جميع المذنبين و المجرمين و الكفار أو حتى الذين يقتلون و يجرمون قد خصّص لهم الباري درجات أقل و أخف من ذلك في يوم القيامة .. ممّأ يظهر أنّ (النفاق) أمرٌ عظيم و خطير للغاية و مُعقد و لا علاج و لا غفران لصاحبه إلّا إذا ما أعلن أمام الملأ ندمهُ و أسفه على ظلمه بحقّ الذي إستغابهُ بذرائع و تبريرات شتّى كان يجتهد في أكثرها لتسويقها, بحيث كانت تبدو مقبولة لديهم و ربما جهاداً للمرضى المنافقين!
و للتأريخ أقول؛ من من الناس عبر كل الأزمان أعلن ندمه من (الغيبة) أمام الملأ بسبب النفاق سوى بضع أشخاص فقط خلّد التأريخ إعترافاتهم في هذا الجانب رغم إنهم كانوا من المجرمين المعاندين للحقّ و الولاية كعمر بن العاص و الزّبير و الله العالم بآلجوانب الأخرى التي تخصهم!؟
بإختصار شديد: في عراق الجّهل و المآسي و الظلم و الأقصاء؛ فساد و نفاق عظيم سبَبهُ الأول و الأخير هو (إتفاق المتحاصصين على النهب)؛ على نهب خزينة فقراء العراق بدون وفاقهم على البناء, و علّة ذلك هي (الأميّة الفكرية) و (العقائدية) و (السقوط الأخلاقي) الذي ميّز العراقيين خصوصاً ألمتصدين في الأحزاب الأسلاميّة و الوطنية و القوميّة التي كانت تجاهد في الظاهر ضد نظام صدام الظالم الذي لم يستطع أحداً منهم من أسقاطه إلا شيطان كبير كأمريكا, و المشتكى لله و لا حول و لا قوة إلا بآلله العلي العظيم.