لقد مر العراقيون بمنعطفين خطيرين تتواصل تاثيراتهما النفسية بشكل متضارب كما هي الأفكار التي روجت لهما كل في فترة زمنية، فالحملة الايمانية التي قادها النظام السابق شحنت العقول الغضة بمفاهيم مختلفة عن تلك المطبقة في الشارع المحلي وقتئذ، فحرية الافراد غير مكفولة و العدالة غائبة عن المشهد و الظلم يضرب أطنابه ، بينما يتعلم التلميذ في الحصص القرأنية قيما عليا في التسامح و مخافة الله ليجد نفسه بين نقيضين من المستحيل الجمع بينهما فتشتت الأهواء و تعقدت طرق القراءة الصحيحة فدخل عنصر التشدد من بوابة اللاوعي بالمتغيرات النفسية، بطريقة مشابهة لجيل جديد من متعددي المواقف بعد 2003.
لقد أستغل السياسيون عدم تجربة العراقيين مع الاسلام السياسي ليرسموا تأملات على رمال متحركة فتحدثوا عن العدل و الانصاف و محاربة الفساد و اشاعة أجواء المحبة و السلم الاجتماعي فسايرهم الشعب بطريقة مشابهة لانتقال مقاوم للاحتلال الى صديق غيور و زائر منتظم للسفارة الأمريكية بل و لاعب سياسي مسموع الكلمة، ما أشاع حالة من الفوضى السياسية و الولاءات الوطنية استخدمتها الاحزاب الدينية لترسيخ جذور الانتقال الى الديكتاورية الطائفية على مقاسات المتحزبين وأصدقاء العائلة، ما أدخل العراق في حالة موت سريري لانعدام تجربة الحكم و لتقاطع الشعارات مع الواقع.. حيث أراد الاحتلال طائفية سياسية فتم له ما أراد منذ أول انتخابات عام 2005 فالقوائم و شعاراتها منذ ذلك التاريخ الى يومنا الحاضر تنخر في جدار المواطنة و تعزز بأسيجة مسلحة الحجاب الحاجز للفرقة المجتمعية بمواصلة ضخ الخوف الطائفي، لذلك انهارت دولة المؤسسات لصالح حكم الطوائف و النتيجة لا تحتاج الى توضيح.
لقد صحى العراقيون من التنويم المغناطيسي بعد خراب البصرة، وأداروا ظهورهم للحكم الديني المخصص لمزايدات المنطقة الخضراء فقط، لأن المواطن لم يحصد من الطائفية الا الخوف القابع بالنفوس، فلا البصرة تنعمت بالماء العذب و لا المدارس الطينية طواها النسيان و لا الاعمار يوازي صفر بالمئة من الأموال المنهوبة بالصفقات السياسية، بينما السلم المجتمعي على حافة الانهيار بسبب غياب الخطط الحكومية المدروسة و لأن غالبية السياسيين يتنفسون برئة الفتنة.. ما يعني أن الحكم الديني قد فشل بأمتيارز و بات كابوسا يقض مضاجع العراقيين لذلك يحاول سياسيون القفز من هذا المركب قبل الغرق المحتوم.
ان الانتقال من الانغلاق الطائفي الى فضاء المواطنة ليس ضربا بالغيب و لا هو من تأثيرات السحر انه مشروع كبير يحتاج الى نوايا عراقية صادقة لا حسابات انتخابية قصيرة النظر،
العراقيون وطنيون بأمتياز وهم في ذلك براء من عملاء ما بعد 2003 الذين يشكل المتأسلمون الجدد نسبة كبيرة منهم، فعندما يتحول رجل الدين الى سياسي ينافس على المناصب الدنيوية يجب التفكير بتأثير الخيوط الاجنبية، وعندما يتحول الليبرالي الى منظر ديني بالوكالة ينبغي أيضا معرفة الخط الثالث انه ببساطة العمل لصالح أجندة غير عراقية، الانتقال من الظلام الى الضوء قضية انسانية لكن ايهام الناس بمفردات الفتنة و التخلي عنها بشكل مفاجيء فتلك جريمة انسانية، فالذين تخندقوا وراء متاريس الطائفية و القتل على الهوية ليس مرحبا بهم في فضاء وطن ذبحوه بدراهم معدودات… الوطنية من شيم المتسامحين و الطيبين بالنوايا ولن تكون رداء تضليل ، يصلح لكل زمان كما يتوهم المتأسلمون الجدد الذين أذا وعدوا أخلفوا !