23 ديسمبر، 2024 3:25 م

المبدئية… ومعايير السلوك الانساني

المبدئية… ومعايير السلوك الانساني

ان المشكلة التي نواجهها في حديثنا عن المبادئ التي طالما جرت عليها ألسنة الناس او كتب عنها الساسة والفلاسفة…. دون ان تكون هناك وقفة تحليلية للفكرة تكشف بعض الغموض من حولها على أقل تقدير، تتلخص في اعتقادنا بأن المبادئ خالدة على مر الزمن من غير اعتبار لصلتها بالواقع او الظروف المحيطة بها. وبمعنى آخر، نرى ان المشكلة تتلخص في فصل التصور عن الممارسة، اي فصل المبدأ عن مجريات الحياة، اي فصل المثل عن الواقع… وهذا خطأ في معظم الأحيان، لان مثل هذا الفصل ينطوي على ازدواجية تشطر العالم الواحد الى نصفين او تشطر الذات الواحدة الى قسمين. هناك مبدأ واحد- وربما لا يعجبنا ذلك- وهو ان الكائنات جميعاً يجب ان تتفاعل مع الواقع والظروف المحيطة بها بكل كفاءة.
وتوجد بطبيعة الحال فروع لهذا المبدأ العام ولكنها يجب ان تكون جميعها متسقة مع الاصل وغير مناقضة له. فاذا كانت الكائنات تستهدف من المبدأ العام البقاء على قيد الحياة، فان ما يتفرع عن هذا المبدأ العام من قرارات راجع الى الانسان بشرط الا يكون القرار مناقضاً للمبدأ العام. فلقد يختار أحد الناس، مثلاً، ان يعيش عيشة التقشف في الحياة بينما لديه الامكانات التي تتيح له العيش باعتدال. هنا يصبح القرار او الامر او الالتزام بالمبدأ الفرعي مرجعه الانسان نفسه، وذلك، لأنه غير مناقض للمبدأ العام وهو البقاء على قيد الحياة.
ليس هناك ما يعيب في الالتزام بقرار مثل هذا، يأخذ به الانسان ويتمسك به الى ان يموت، وذلك، لأن الخيارات امامه متاحة بشرط عدم تعارضها مع المبدأ العام، فله ان يعيش عيشة التقشف او الاعتدال او الرفاهية، وهذه جميعها من حقه.
لنأخذ مسألة الدين او المعتقد كمثل آخر، فمن حق الانسان ان يؤمن او لا يؤمن بالدين، ومن حقه ان يعتقد بالله او لا يعتقد، وهذا امر راجع الى الانسان نفسه على اعتبار ان بقاءه او مماته، وجوده، او فناءه، لا يرتبطان ارتباطاً عضوياً مع المبدأ العام، فقد يموت المؤمن ويبقى الملحد، وقد يكون الامر بالعكس وهكذا…. فالالتزام بالمبدأ الفرعي في هذه الحالة وهو الايمان او عدم الايمان- مرجعه الانسان نفسه ولا تناقض في اختيار الانسان لواحد من الخيارات طالما ليس هناك تناقض بين الاصل والفرع.
ان مرجع الامور هو المبداء العام الذي يجبرناعلى التعامل معه بكل كفاءة . نعم ، ربما لايعجبنا ذلك ، لا بل ربما نكابر و نتعسف ولكن كل هذا لايجدي . فالحياة تظل سائرة في طريقها سواء شئنا ام ابينا.
فهل تهتم الطبيعة لواحد يكابر او يتنكر لظروف الطبيعة وملابسات الواقع ؟
هل سيتغير مسار الكون كله لو ان البشر جميعهم اندثروا ولم يبق منهم على وجه الارض احد؟ هل سيتغير شيء لو ان البشر والكائنات جميعاً ازالت من على وجه البسيطة ولم نقم لها بعد ذلك قائمة على الاطلاق؟
سيظل المبدأ هو نفسه وستتوقف حياة اي شكل من اشكال الكائنات بعد ذلك على مدى التزامها بالمبدأ العام بالاصل لا بالفرع.
وما لنا لا نرجع الى العلم لنسأل عن السبب في اندثار اشكال عديدة من الكائنات… هل لانها لم تكن تتمتع بالاخلاق او الدين او الضمير، ام لانها لم تتعامل مع المبدأ العام وهو الواقع بكل ظروفه وملابساته؟
وكما يخطيء بعض الناس الذين يعتقدون بوجود مبادئ خالدة كثيرة ومتعددة ولا صلة لها بالواقع. فأن كثيرا منهم يخطئون ايضاً في اعتقادهم. انه مادام الامر كذلك، فأن الانانية والتذبذب والفوضى والانتهازية وكل مساوئ البشر تصبح مشروعة في غياب المبادئ.
اما مرجع الخطأ هنا، فهو انهم ينكرون وجود المبدأ العام ولا يرضون الا بالمبادئ التي يتصورها كل واحد منهم صحيحة ومطلقة. هذا من جهة ومن جهة ثانية، فأن المبدأ العام نفسه يفترض ان تكون هناك بعض الأسس والمعايير التي لا تستقيم الحياة الا بها. وهل يكون هناك التزام بالمبدأ العام او بأخلاق او ضمير لو ان كل فرد رأى ان الحق له وحده وانه هو الكل وما عداه عدم.
فالواقع اذن، وواجب التعامل بكفاءة مع كافة الظروف والملابسات التي تطرأ عليه، هما اللذان يحتمان ان تكون هناك اخلاق ومعايير وضمير بين البشر. او قل بعبارة اخرى، فأن المبدأ العام هو الذي يحتم ان تكون هناك بعض المعايير التي يستحيل قيام الحياة الا بها.
[email protected]