المال نعمة من نعم الله على عباده، تستحق منا الشكر والرعاية، وهو إحدى الضرورات الخمس الكبرى التي عليها مدار الشريعة، وهو الأداة التي تستطيع بها الدولة أن تحفظ الأمن وتمتلك مصادر القوة العسكرية والسياسية والقوة الناعمة، وتدفع المرتبات وتكافح الفقر، وهذا يحتم أن نعمل جميعاً على تنميته وحفظه وحسن استثماره، المال مصدره الاقتصاد القوي المستدام، والذي يركز على الميزة النسبية لكل دولة، فمن يمتلك المال يمتلك القوة والحظوة، والدول المؤثرة على مستوى العالم هي التي تملك اقتصاداً قوياً له صفة الاستدامة وأساسه نتاج عقول وسواعد أبنائها
المال مصدره الاقتصاد القوي المستدام، والذي يركز على الميزة النسبية لكل دولة، وبلادنا حباها الله ميزات نسبية كثيرة وبعضها ميزات مطلقة كالسياحة الدينية والثقافية، من هنا يجب التركيز على الاستثمار في العنصر البشري وخاصة التعليم والتدريب الجيد للجميع، ومكافحة الفقر، وزيادة أعداد الطبقة المتوسطة، وتعد السياحة الداخلية من أهم عناصر توفير المال وقوة الاقتصاد, ومن أجل عالم أفضل له صفة الاستدامة، تتجه الدول المتقدمة لتوظيف المال في المشروعات التي لها صفة الاستدامة كالطاقة المتجددة والمحافظة على البيئة، وأن تبني اقتصادها على هذا الأساس، ومنها الحفاظ على الهواء النقي والماء والغذاء الخالي من المواد الكيميائية المضرة، فما ينفق من أموال على معالجة أضرار التلوث يفوق كثيراً كل ما يصرف من أجل مكافحته
الادخار والاستثمار ثقافة يجب أن يتعلمها الطفل منذ الصغر، ومن ذلك منحه المال مقابل ما يبذل من جهد، وتوجيهه للاستثمار مبكراً ولو بالقليل مما يوفره في سوق الأسهم أو غيره من قنوات الاستثمار، وتشجيع الطلبة على العمل الجزئي أثناء الدراسة لتقدير قيمة المال واحترام الوقت وكسب الخبرة، ومن وسائل الادخار توعيته مبكراً عن أضرار العادات التي تستنزف المال والصحة، الادخار والاستثمار من أهم ما يجب أن يقوم به الأفراد والحكومات، ويعتبر الشعب الياباني نموذجاً ناجحاً على مستوى العالم في الادخار والاستثمار وتوفير السيولة التي تتطلبها التنمية. أما المجتمعات التي توفر لديها المال دون جهد بدني وفكري فتميل إلى التبذير والإسراف في الاستهلاك، والسعي خلف المظاهر الزائفة، مما يسبب أضراراً مادية وصحية على مستوى الفرد والدولة,, كما أن غرس ثقافة الادخار يجب أن يبدأ بجيل النشء، وأن تتضمن المناهج التعليمية والبرامج المدرسية ما يعزز هذا الجانب. بنك الادخار من القنوات المعززة للادخاروالاستثمار، وهي تجربة ناجحة في بعض الدول الغربية، إلا أن الاستعاضة عنه ببرامج ومنتجات الادخار والاستثمار في القطاع المالي قد يؤسس لمرحلة انتقالية عاجلة تحقق الأهداف. عودًا على بدء؛ فثقافة التخطيط المالي والادخار يجب أن تغرس في المجتمع؛ وبعيدًا عن حجم الدخل؛ إلا أن توفير ما لا يقل عن 15 في المائة من الدخل يجب أن تكون سياسة يلتزم بها الأفراد والأسر
تعزيز ثقافة الادخار ليس بالأمر الهين في مجتمع استهلاكي من الدرجة الأولى، إلا أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، وأهم خطوات تعزيز الادخار وضع إستراتيجية وطنية وخطط وبرامج محققه للأهداف، وهذا ما تضمنه برنامج تطوير القطاع المالي. فتح قنوات ادخارية من أدوات تحفيز الادخار، وهو أمر لم يتنبه له القطاع المصرفي برغم أهميته. ولعلي أشير إلى خفض قيمة الصكوك من مليون إلى ألف ريال، وخفض رسوم الشراء، وهي من الأمور العملية المهمة الموجهة لمعالجة معوقات استثمار الأفراد في سوق الصكوك والسندات، ونشر ثقافة الادخار الآمن من خلال اقتناء الصكوك الحكومية, إننا نعيش اليوم في مجتمع يوصف بالمجتمع الاستهلاكي، وتوصف حياتنا بـ”نمط الحياة الاستهلاكية”، أي أن الاستهلاك المفرط أصبح من سماتها البارزة. فالأقلية الرأسمالية تراكم منتوجاتها وأرباحها، على حساب الأغلبية العظمى، التي لا تراكم سوى العبودية للاستهلاك ودورتِه المتحكمة المستحكمة
الادخار علم وفن، وعادات وتقاليد، وفي علم الاقتصاد الادخار هو تجنيب الفائض من الدخل سواء للفرد أو المؤسسة أو الشركة أو الدولة، وذلك بهدف تكوين احتياطي يستثمر في مكان آمن بعيد عن المخاطرة حيث يلجأ الفرد أو الأسرة إلى إيداع فوائضهم في البنوك كودائع بفوائد آمنة أو استثمارها عن طريق الصناديق الاستثمارية، والبعض يلجأ إلى استثمارها عن طريق الآخرين من المستثمرين والبعض الآخر يحتفظ بها دون استثمار في بيوتهم. وتلجأ الحكومات إلى وضع جزء من فوائضها في استثمارات آمنة مثل سندات الحكومة الأمريكية، وبعض الدول تضع فوائضها في بنوك أجنبية تطلعا لعوائد أفضل، وجميع هذه السياسات الادخارية تستهدف حفظ الفوائض لأزمات المستقبل يعاد استخدامها لسد عجز في ميزانية أو تطوير عمل تنموي أو استكمال مشاريع أساسية تعجز الميزانية عن تحقيقها.
والادخار يعتبر ثقافة الشعوب في الدول الصناعية الكبرى، كما يعتبر كذلك في بعض الدول العربية التي عانت من الأزمات الاقتصادية أو السياسية، وتكاد تكون ثقافة الادخار معدومة في بقية الدول العربية الغنية وعلى رأسها دول الخليج، ورغم وجودها لدى بعض فئات مجتمعها الذين يعرفون بشدة حرصهم على ثقافة الادخار إلى حدودها القصوى ويسميها البعض البخل وحب المال، وينطلقون من مبدأ «احفظ قرشك الأبيض ليومك الأسود»، وتشير بعض الدراسات إلى أن 75% من الأسر العربية في منطقة الخليج العربي لا تدخر من دخلها الشهري أو السنوي، وتقدر نسبة الادخار في المصارف العربية بنسبة 23% من إجمالي الناتج المحلي، أما في اليابان على سبيل المثال تصل نسبة ادخار الفرد إلى 25% من دخله, إن نتيجة التبذير في دخل الفرد والأسرة يؤدي إلى عدم وجود فوائض للادخار، والسبب هو افتقاد ثقافة التوفير، وهي ثقافة مفقودة عند الأسرة وبالتالي ستكون مفقودة عند أطفالهم ويربى الطفل من صغره على ثقافة التبذير. ومن هنا تبرز المشكلة التي يواجهها الشباب عند نضجهم وفي شبابهم، وأعتقد أن ثقافة التبذير قد ولى عهدها وأن الظروف الاقتصادية التي يعيشها العالم ونحن منهم تدفع بنا وبأسرنا إلى سرعة نشر ثقافة التوفير عن طريق ترشيد الإنفاق وخفض المصاريف الكمالية والتركيز على الإنفاق الأساسي فقط, وهي ثقافة سوف تسهم في معالجة مشكلة انخفاض الدخل أو ارتفاع الأسعار، وسوف تسهم في الضغط على الأسعار للانخفاض نتيجة خفض الطلب على السلع وخوفا من تكدسها سوف يلجأ أصحابها لبيعها بهامش ربح بسيط جدا, ولن نستطيع تجاوز الأزمات الاقتصادية بدون نشر ثقافة الترشيد والادخار، ونشر هذه الثقافة سوف يسهم في معالجة نسب الفقر المرتفعة ويسهم في إعادة تدوير المدخرات في أمور تعود بالنفع على أصحابها وأحيانا ترفع من نسب الاستثمار الفردي
المال في الإسلام ركن من أركان الدين، كما هو ركن من أركان الدنيا. أما كونه من أركان الدنيا فأمر يعرفه الجميع ولا يجادل فيه أحد، وقد قالوا: المال قِوام الأعمال، والمال قوام الحياة. وهو معنى مذكور في قوله تعالى {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَمًا} [النساء: 5]. وأما كونه من أركان الدين فيتجلى أولا في الركن الثالث من أركان الإسلام، وهو ركن الزكاة. فالزكاة مال وعبادة مالية، وركن مالـيٌّ من أركان الإسلام. ثم إن أركانا أخرى في الإسلام تتوقف إقامتُها على المال. فالصلاة تحتاج إلى بناء المساجد وتجهيزها والقيام على خدمتها، وكل هذا يحتاج إلى المال. وفريضة الحج تتوقف كثيرا على المال. وأعمال البر والإحسان والصلة والصدقة والوقف… كلها مال في مال. والعلم والتعليم بحاجة إلى المال. ومعظم أنواع الجهاد والدعوةِ إلى الله تحتاج إلى المال, ومن فضائل أهل المال، أن فضلهم وثوابهم يستمر حتى بعد موتهم، فينتفع ورثتهم بما ورَّثوه لهم، وينتفع أهل الوصايا والصدقات الجارية من وصاياهم وصدقاتهم المحبَّسة. وكل ذلك في صحائفهم، لأنه من آثارهم. قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ
إن مطالبتنااليوم بنشر ثقافة الادخار ليست مطالبة وقتية بسبب الظرف الاقتصادي وإنما هي مطالبة بثقافة مطلوب تعميمها في كل الظروف على مستوى الفرد والمؤسسة والشركة والدولة.