حب المال يوهن الدين ويفسد القلوب والمآل والأعمال ، وهو مادة الشهوات ، وسبب الفتن ومفتاحها ، وهلاك الأمم وفسادها ، كما صرحت بذلك الأحاديث الواردة عن النبي “صلى الله عليه وآله” ، وأئمة أهل البيت “عليهم السلام” ، فقد ورد عن النبي قوله : (إن الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم وهما مهلكاكم)، وقال الإمام علي : (حب المال سبب الفتن ، حب المال يوهن الدين ، ويفسد اليقين ، والمال يعسوب الظلمة ، المال مادة الشهوات…) ، فبالرغم مما صدر من الشرع من إرشادات تهذب الإنسان وترسم له الطريق الأمثل في التعامل مع المال والحصول عليه ، إلا أن المجتمعات لم تتعظ ولم تعتبر فتحول المال إلى هدف وغاية و ضابطة ومعيار للتقييم والإتباع وهذا هو من منطق الجاهلية ((وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) (247) سورة البقرة
فغلب الجشع والطمع على النفوس والقلوب وارتكبت المحرمات وانتهكت المقدسات من اجل المال فهلكت شعوب وفسدت ، وتغطرس القادة والحكام وتجبروا ، وأذاقوا شعوبهم الذل والهوان وبلغت الخطورة ذروتها عندما استشرى هذا المرض العضال بين صفوف المتدينين ورجال الدين الذين اتخذوا من الدين غطاءا ورداءا لكسب الأموال وجبايتها ، ونحن عندما نأخذ التاريخ من منبعه الصافي ونقرأه بصورة دقيقة وبموضوعية وحيادية نجد أن المال والفساد المالي كان الشرارة الأولى لكل فساد وجريمة سواء كان على مستوى القيادات والزعامات أو الشعوب ، وما شاهدنا ونشاهده من خراب ودمار وهلاك حلَّ بالعراق وشعبه هو نتيجة اللهث خلف كسب ونهب الأموال والثروات والخيرات والفساد المالي الذي تفشي في كل مفاصل الحياة والدولة من الرأس إلى القدم وحتى تقرير المصير واتخاذ القرارات وتشكيل الحكومات وتوزيع المناصب وإجراء الصفقات والمشاريع كان خاضعا لضابطة الكسب والربح وليس الكفاءة والمهنية والإخلاص والوطنية وحتى استهداف العراق كان من ابرز أسبابه هو السيطرة على خيراته وثرواته ولقد شخص المرجع الصرخي الحسني هذه القضية وخطورتها في معرض حديثه عن طبيعة العلاقة بين الإمام علي والصحابة حيث قال سماحته :
(( ..قلنا متى حصل الانحراف؟ حصل الانحراف في الشطر الثاني في الجزء الثاني في النصف الثاني من حكم الخليفة الثالث بعد أن تمكن بنو أمية، آل مروان من التسلط على مقاليد الحكم، من التمكن في إصدار قرار الحكم، بعد أن تمكن بنو أمية، آل مروان، بعد أن تمكنوا من إيجاد المليشيات وتسلط المليشيات في تلك الفترة، بعد أن استعان هؤلاء بقوى تكفيرية من الداخل أو من الخارج من المسلمين أو من غير المسلمين، من العرب أو من غير العرب، سلبوا الخلافة سلبوا الرئاسة، سلبوا رئاسة الوزراء من قرارها فصار الحكم للمليشيات صار الحكم للحاكمين لقادة الجيش للمحافظين للولاة، فصار الانحراف، وكيف بدأ؟ بدأ بالفساد المالي، عندما نقرأ التاريخ، وسيأتي إن شاء الله وإذا بقينا وتشرفنا بأن نبحث تلك الحقبة التاريخية وتشرفنا بأن نكون معكم ونوصل إليكم ما نعتقد به وما نتصوره وما نصل إليه من تحليل، سنعرف بأن القضية بدأت بالمال بدأت بسرقة الأموال بدأت بالفساد المالي وبعد هذا تطور الفساد المالي إلى الفعل القبيح الخارجي وإلى الجريمة الخارجية وإلى القتل والتقتيل وقبل ذلك التكفير، إذن من أين أتى؟ من فعل السياسة والسياسيين، وقلنا لازال الحال على نفس الحال والمنوال بتأثير وتوجيه السياسة السلطوية الفاسدة الجائرة في كل الأماكن والأزمان والتي لها دور فاعل وفعال..))