22 ديسمبر، 2024 5:39 م

المال السياسي والانتخابات العراقية القادمة

المال السياسي والانتخابات العراقية القادمة

واهم من يعتقد بان (المال السياسي) لا يستثمر في الانتخابات (العراقية) القادمة؛ في ظل ما يعصف بـ(العراق) من فساد إداري ومالي وما يشهده الوطن من انفلات امني وانعدام الاستقرار وعدم إمكانية الدولة السيطرة على السلاح المنفلت وتعدد الميلشيات المسلحة وموالاتها لإطراف محلية وإقليمية ودولية؛ وكل طرف ينفذ أجندة خاصة لهذا الطرف وذلك؛ ليس من اجل تنفيذ ايدولوجيا سياسية أو تغيير النظام أو بدوافع مذهبة أو طائفية؛ بقدر ما يكون الهدف – في اغلب الأحيان – هو الحصول على مكتسبات مالية ليس إلا، ومؤشرات خلف هذا التراكض من قبل هؤلاء لا محال سيأخذ صيغة تصعيديه كلما اقتربنا من موعد الانتخابات أو في تشكيل الحكومة القادمة ما بعد الانتخابات؛ لخلق بيئة تلاءم مناخ هؤلاء الفاسدين في عدم استقرار أوضاع البلد بشكل مستمر وعلى كل مستويات الحياة (العراقية) سياسيا.. واجتماعيا.. واقتصاديا؛ لان استمرار الأزمة يخدم مصالح هؤلاء الفاسدين في وقت الذي يجعل حياة المواطن البسيط تعيسة بما لا تطاق، فالفقير يزداد فقرا والغني يزداد غنا، وبهذه الصيغة تتمكن هذه القوى المتشيطنة التي يدها تصل إلى كل مؤسسات ومرافق الدولة عبر المال السياسي؛ شراء الذمم وتلاعب بمصدر أرزاق الكادحين؛ محاولة لاستثمار هذا التمكين للعودة إلى السلطة من جديد عبر الانتخابات وبكل أريحية.

وهذه الإستراتيجية التي تتبناها القوى المتنفذة والمتشيطنة في (العراق) هي ذاتها منذ 2003 التي تسلقت إلى السلطة عبر كل الانتخابات التي شهدها البلاد؛ والتي بقت محصورة بين فكي الأحزاب الدينية والدولة العميقة والخنوع لقرارات وارتهانها بيد الدول الإقليمية والدولية؛ وبما تضخ هذه القوى الأجنبية من المال السياسي لشراء مقاعد السلطة يديرها مافيا الفساد في الدولة (العراقية)؛ والكل تجند الأزمات المالية وانهيار الاقتصاد في استثمارها لشراء الأصوات وتزوير الانتخابات مع ما يرافق ذلك من صراعات وانقسامات بين أحزاب السلطة والميلشيات المسلحة نتيجة التنافس المرتبط بالمصالح التي تدعما القوى الأجنبية على الأراضي (العراقية)؛ وتحديدا بين (إيران) و(أمريكا).

فـ(أمريكا).. تسعى للسيطرة على منابع الثروة البترولية وتقسيم المنطقة خدمة لمصالح الكيان (الإسرائيلي).

و(إيران).. تسعى من اجل الحفاظ على أمنها وتوسيع نفوذها التي تغطيه بأبعاد مذهبية وطائفية.

ومن هذه الأبعاد نستنتج:

بان كلا (الطرفين) يحاول إمرار أجندته عبر الخداع وخلط الأوراق.

وكلا الطرفين يلعب بورقة (الدواعش) و(تنظيم القاعدة) و(الميلشيات المذهبية) لتمرير مخططاتهم الشيطانية ليس فحسب في (العراق) بل في المنطقة العربية بصورة عامة.

ومن هذه الاستنتاجات؛ وفي ظل عدم وجود قانون واردة وطنية حقيقية في (العراق) طوال الحقبة الماضية؛ يحاسب.. ويعاقب.. ويمنع.. وينتفض.. ويؤشر على الأخطاء السياسية.. والإدارية.. والمالية.. والاقتصادية؛ فان (لا) جديد في الانتخابات (العراقية) القادمة بقدر ما نستنتج:

بان القادم لن يكون أفضل مما كان؛ إن لم نقل: سيكون أتعس مما مضى، وان (العراق) المأزوم سيكون مركز المفاجآت والأزمات في عموم منطقتنا.

وها اليوم وتحديدا في مرحلة ما قبل الانتخابات؛ نشاهد ونسمع كيف تتحكم على مسارات (العراق) السياسية عملية الابتزاز.. والفساد.. والرشوة.. والاختطاف.. والتهديد.. والقتل.. والتميز على الهوية الطائفية والقومية التي – للأسف – أصبحت في (العراق) ثقافة مجتمعية وسياسية رسخها المحتل (الأمريكي) لتفكيك أوصال الوطن والحياة المجتمعية الموحدة بـ(عراقيتها) ليتم إخراجه من المنظومة العربية؛ بعد إن تمكن التحكم بمسارات السياسية والاقتصادية والحكم في البلاد.

وبلغة الاستشراف فان الانتخابات 2021 لن يشهد (العراق) إلا مزيد من التشرذم السياسي وانهيار اقتصادي؛ لان الفساد المالي والمال السياسي أصبح جزء لا يتجزأ من الثقافة السياسية للدولة؛ وهذه الثقافة اخترقت كل مفاصل الدولة وبات التآمر سيد الموقف إمام تطلعات الشعب وثورة الشباب (التشرينية) التي طالبت بالتغيير العملية السياسية والدستور، لان النظام السياسي في (العراق) استطاع بأدواته القمعية وبمحاولاته المتكررة تخلخل في صفوف الشباب الثار والتآمر على تجمعاتهم عبر الترهيب بالاختطاف والقتل مستغلين غياب التنظيم.. والقيادة.. والفكر السياسي الثوري بين الثوار الشباب؛ مما تمكنت الطبقة السياسية الحاكمة عبر ميلشياتها والمال السياسي قمع ووأد أي محاولة للتغيير؛ بقدر ما استجابت لبعض المطالب الشكلية للثوار من تغيير رئيس الوزراء و تقديم فترة الانتخابات؛ وهم من خلف الكواليس يخططون لتثبيت مراكزهم ومواقعهم في الدولة بكل الأساليب وطرق المنحرفة لإذلال الشعب وتركيعه عبر المال السياسي.. وبالتجويع.. والظلم.. والاستبداد.. والإذلال.

إن استفحال المال السياسي والسلطة بيد الأحزاب الحاكمة وميلشياتها والعملاء؛ هو الأمر الذي يقود هذه النخب بقمع وإسكات صوت الشعب المعارض لهذه السياسات الخاطئة عبر أجندات والأدوات السلطة المحصور بيدهم من الاغتيال.. والخطف.. والتهديد.. والترهيب.. وبقوة السلاح؛ ومن خلال هذا التمكين استطاعوا استحواذ على كل مؤسسات الدولة الرسمية والغير الرسمية بما ضمنها إلهيات ومؤسسات المجتمع المدني والتي يقال عنها بكونها منظمات وهيئات مستقلة ومن ضمنها مفوضية الانتخابات التي لا تستطيع التحرك قيد نملة بدون توجيه أحزاب وميليشيات السلطة وإلا يكون مصير من يتحرك بدون إرشادهم إلا إقصاء من منصبه والقتل والخطف، ومن هذه الحقائق فان مفوضية الانتخابات خلال جميع مراحل العمليات الانتخابية التي جرت ما بعد 2003 والذي يتم عبر مكاتب (مجلس المفوضين) و(اللجنة الثلاثية) المسئولة عن إعلان النتائج، لم تخلو من عمليات تزوير واسعة النطاق تدار وراء الكواليس وبسرية تامة وباتفاق فيما بين أحزاب السلطة لتغيير نتائج الانتخابات وبما يتم الاتفاق على توازنات وتبادل المناصب وتقاسم الكراسي فيما بينهم؛ وان جملة ما يتم الاتفاق علية في (العراق) يكون وفق توجهات عراب العملية السياسية في (إيران) و(أمريكا)؛ ليتم السيطرة على مجريات العملية السياسية وإسكات الأصوات المطالبة بالديمقراطية ومدنية الدولة والحريات المدنية، ووفق هذا السياق تحسم نتائج (الانتخابات العراقية) وتوزيع الأصوات وتقاسم مقاعد البرلمان مهما كانت طبيعة التصويت؛ بكونها محسومة مسبقا؛ لان جميع مفاتيح إدارة العملية الانتخابية مسيطر عليها وبيد الأحزاب الحاكمة، ليكون الموطن (العراقي) على علم اليقين من خلال تجربة ثمانية عشرة عام الماضية ومن خلال كل الانتخابات التي أجريت في هذه الفترة؛ حجم التشتت وانكسار القوى الوطنية لعجزها من مواجهة هذا الخراب الحاصل في البلاد التي سببتها وتسببها القوى الرجعية المرتبطة بالخارج والمستحوذة على الاقتصاد (العراقي) لتدار عبر المال السياسي صفقات مشبوهة للهيمنة على (العراق) وقمع الشعب (العراقي) بقوت السلاح والميلشيات التابعة للأحزاب السلطة الطائفية؛ ليرزح تحت وطأة الظروف المعيشية الصعبة وانتشار البطالة وفقدان الأمن؛ ليبقى عاجزا من مواجهة غطرسة السلطة والقوى الرجعية ليأخذ الإحباط والانكسار لظروف المعيشة الصعبة مأخذه منه؛ فتشتته لكي لا يستطيع توحيد صفوفه في ساحات التظاهر فتستنزف قواهم نتيجة الهجمات البربرية التي واجهتهم وستواجههم الأحزاب والميلشيات السلطة والقوى الأجنبية، وهذا ما حدث في تظاهرات (ثورة تشرين) الشبابية للوقوف الشباب بوجه سياسات الخاطئة لأحزاب السلطة؛ فظلوا يقدمون شهداء وجرحى بما تجاوز عن خمسة وسبعون إلف شهيد وجريح ومعاق بما دفعهم إلى التراجع ليتم إعادة صفوفهم كخيار قدموه لمصلحة الوطن في هذه المرحلة الحساسة من عمر ثورتهم .

ووفق هذه الظروف أدرك الشباب الثائر في ساحات الوطن رغم مطالبتهم بإجراء انتخابات مبكرة، ولكن لاحقا أدركوا بان الانتخابات نتائجها معروفة سلفا لحجم التسويف الذي يدار خلف الكواليس على مدار الساعة لإجهاض أي تقدم تتجه إليه تطلعات الشباب الثورية، بكون هناك اليوم من الأحزاب وميلشيات تنفذ أجندات لأطراف أجنبية ووفق رؤاها ومصالحها داخل (العراق)؛ وان جل جهودهم يكون تهميش المجتمع (العراقي) وإرباكه ودفعه لمواقع اليأس والخوف والقنوط؛ وهذا هو بالذات ما حدث خلال الانتخابات السابقة وما سيحدث في الانتخابات 2021 حيث تمكنت الأجندات الحزبية والمصالح والأطماع الخارجية السيطرة على السلطة في (العراق) على حساب مصالح الشعب (العراقي).

لنرى كيف إن المال السياسي لعب ويلعب دورا فعالا في التأثير على الطبقات الكادحة واستغلال عوزهم وفقرهم للحصول على أصواتهم بعد إن استغلوا عواطف هذه الطبقات عبر تمترس وراء الطائفة والمذهب والقومية والعشيرة على حساب الخيارات الوطنية ومصالح عامة الشعب (العراقي)؛ بعد إن أصبح المجتمع (العراقي) لا يخضع لأي مفاهيم منطقية وعلمية وهذا التراجع في (الوعي المجتمعي) لم يحدث اعتباطيا؛ بل أتى نتيجة لتراجع الوعي وانتكاس المواطن لظروف قاهرة سببتها سياسات القسوة.. والعنف.. والحروب.. والتجويع.. والأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية والتي أثرت تأثيرا عميقا على واقع الحياة والتي مارستها الأنظمة المتعاقبة لإدارة الدولة (العراقية) منذ تأسيسه.
ومع كل أساليب القمع والعنف التي جوبهت الاحتجاجات (التشرينية) الشبابية؛ فان ما يحمله الأحرار والثوار من الكادحين والفقراء والعاطلين عن العمل من الشباب خرجي المعاهد والكليات والدراسات العليا من الاضطهاد.. والاستهداف.. والترويع.. والخطف.. وقتل المئات.. والاعتقال.. وإصابة الآلاف؛ إلا إن تطلعاتهم الثورية واحتجاجاتهم؛ رغم تفشي جائحة (كورونا) التي بسببها تم تخفيف تجمعاتهم؛ إلا إن تطلعاتهم الثورية في التغيير نظام الدولة والسلطة والدستور لم يتراجع ولم يفقد بريقها؛ لان مطالب الشباب والشعب ظلت على سقفها بما يتعلق بالنظام السياسي.. وإقرار قوانين تنصف الشعب.. بإنهاء نظام المحاصصة.. وفي تشريع قانون الانتخاب.. وقانون الأحزاب.. وحيازة السلاح.. وقانون المفوضية المستقلة للانتخابات.. ومكافحة الفساد الإداري والسياسي.. وتعديل الدستور.. وإلغاء النظام البرلماني؛ الذي طالما وجد.. وجدت أحزاب، لان (لا) نظام برلماني بدون وجود أحزاب؛ وللأسف فان وجود الأحزاب في منطقتنا العربية ما زال طريق الديمقراطية بعيد عنها؛ وهي التي تخلق الفوضى مجتمعية لا أول لها ولا آخر؛ بسبب التجاذبات التي تنسج في نسيج تكويناتها؛ لتتصارع فيما بينها وفق استقطاب مذهبي وطائفي وتتلاعب بالمال السياسي كما هي الحال في دولة (لبنان) و(العراق) اللتان نظام القائم فيهما هو (النظام البرلماني)؛ لنشاهد حجم الخلافات السياسية وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في كلا الدولتين نتيجة الاستقطابات الحزبية المقيتة التي هي سبب تدمير بنية الدولة هنا وهناك وعدم استقرارها، لان جل أنشطة الأحزاب المتواجدة تتجه بالاتجاه الاستحواذ على مصادر الطاقة والإنتاج ليتمكنوا بالمال السياسي شراء الذمم وتمكينها في تمرير قوانين تحت قبة البرلمان بما يخدم مصالحهم وليس مصالح أبناء الشعب؛ التي تطالب بإنصافها بإصدار قوانين التي تحقق العدالة الاجتماعية وتنصف أبناء الشعب (العراقي). رغم إن المشهد السياسي (العراقي) مازال مرتبكا وقاتما بسبب الضغط الذي تمارسه ثورة الشباب والذي أدى إلى أحداث نوع من التغيير على الصعيد الحكومي من تغيرها وإجراء انتخابات مبكرة؛ رغم العناد والعنجهية والتحدي السياسي للكتل والأحزاب (العراقية) الديني والسياسية التي لا تريد التفريط بمصالحها، في وقت الذي يصر (الثوار التشرينيين) على تحقيق كامل أهدافهم وفي مقدمتها إسقاط العملية السياسية برمتها لإنهاء مرحل التي تميزت بسوء الإدارة واستشراء الفساد المالي والسياسي في كل أركان الدولة ومؤسساتها وسلطاتها؛ الأمر الذي ترتب عنه تردي الأوضاع الاقتصادية والخدمية في عموم البلاد وتهميش مكونات معينة لأسباب سياسية وطائفية ومذهبية وفرض الأمر الواقع بإجراء تغييرات ديمغرافية هنا وهناك، كما أدى انتشار الميليشيات المسلحة المرتبطة بالأحزاب الدينية إلى تفشي ظاهرة الاختفاء ألقسري والاعتقال الغير القانوني والاغتيالات للناشطين في صفوف المظاهرات وفي مجال حقوق الإنسان والإعلام؛ وبكل هذه الوسائل القمعية واستخدام العنف المفرط لم يردع الشباب من (الثوار التشرينيين) السلميين؛ بل زادهم عزما وإرادة وتصميما على مواصلة الرفض لكل أشكال الترقيع والتسويف التي تتعمدها السلطة والطبقة الحاكمة، والتي تراهن على عامل الزمن الذي ربما يحمل المنتفضين إلى تراجع؛ ولكن خاب ظنهم لان الثوار مازالوا على مواقفهم وعلى أهبة الاستعداد رغم التخفيف الشكلي لإعداد تجمعاتهم لأسباب جائحة (كورونا)؛ ولكن في مواقعهم يراقبون المشهد السياسي (العراقي) بكثب؛ ليتم تحريك ثورة الطبقات الكادحة والمهمشين والفقراء في اللحظة التي يجدونها مناسبة لإحداث التغيير المنشود في (العراق)؛ وخاصة ما بعد الانتخابات والتي كما يتوقع نتائجها كل المراقبين للأوضاع (العراقية) بأنها ستكون مخيبة للآمال الشعب والثوار وأحرار ومتطلعين لنهضة (العراق) .