الارض لمن يدافع عنها يا مالكي
ليست مبالغة لو قلنا بان تصريحات المالكي وخطبه اصبحت مثار تندر لدى العراقيين أحيانا , وتشعرهم بالخجل احيانا اخرى في ان هكذا عقلية تقودهم في القرن الواحد والعشرين . فلا يكاد الرجل يصرح بتصريح ما حتى يأتي بعد ذلك ليكذبه في تصريح اخر مناقض لسابقه , ليكشف عن العزلة الذهنية التي يعاني منها والنابعة من فكر مصاب بعقد تاريخية عجزت القرون عن السيطرة عليها . فبعد سنوات من جهد اعلامي وسياسي مكثف يصب في التركيز على انتهاء صلاحية المادة 140 المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها , يخرج علينا رئيس الوزراء المنتهية صلاحيته في خطابه الاسبوعي الاخير ليفاجئ العراقيين بان هذه المادة حية وأنها لم تحسم لحد الان .
وبعد اعترافه الضمني بالكذب على الشعب العراقي , يأتي المالكي ليدعو حكومة الاقليم الى ارجاع هذه المناطق الكردستانية (والتي كانت سابقا مستقطعة ) لسيطرة المركز مرة اخرى , وكأن البيشمركة هي مؤسسة خيرية تعمل بالنيابة عن جيش المالكي .. تحافظ له على مناطق هربت منها مليشياته امام عناصر معدودين لمليشيات داعش .
رغم الوقع الجديد في انضمام كركوك الى كوردستان , فما زالت حكومة الاقليم تمارس سياسة الحكمة في التعامل مع ملفها , وتؤكد على ضرورة استكمال تطبيق المادة 140 , ولكن وكركوك ضمن اقليم كردستان هذه المرة , بعدما اثبت المركز عدم جديته في تطبيق هذه المادة كما اعترفت بذلك النائبة عن دولة القانون حنان الفتلاوي والتي اعترفت بأنها قد تسببت في تأخير تطبيق المادة هذه ما يقارب الاربع سنوات . لذلك فإرجاع كركوك لحكومة المالكي بعد اليوم لا يعدو ان يكون احلام عصافير يمكن للمالكي ان يحلم به لكن دون ان يتمكن من تحويله الى واقع ملموس . وكل التهديدات الناعمة في خطاب المالكي والذي يحذر فيها الشعب الكوردي ( المظلوم ) من متاهة غير منتهية لا تشير إلا الى الاحباط الذي يشعر به الرجل حيال الحقوق المشروعة للشعب الكوردي وقيادته الحكيمة , فباعتباره قائدا عاما للقوات المسلحة العراقية يعي ان مليشياته التي لم تقاوم عناصر داعش لأكثر من ساعة في كل المدن السنية في العراق ونزعت بزتها العسكرية لتتمكن من الهروب بسلام لن تستطيع الدخول في تحدي مسلح مع قوات البيشمركة المدربة تدريبا عاليا والمسلحة بأسلحة اكثر تطورا في هكذا صراعات , خاصة وان قوات البيشمركة هذه هي من وفرت الملابس المدنية لقواته في معركة ( ام الدشاديش ) في سابقة لم تحصل في كل المعارك على مدى التاريخ البشري .
ان البيشمركة اليوم مطالبون الى عدم تسليم اي من المدن التي دافعوا عنها في وجه عصابات داعش , ليست كركوك والمناطق الكردستانية المستقطعة فحسب , بل حتى ما كانت منها خارج نطاق المناطق المستقطعة , فمن العار على حكومة بغداد ومليشيات المالكي المطالبة باسترجاع هذه المناطق بعدما تخاذلوا في الدفاع عن سكانها وتركتهم يواجهون مصيرهم لوحدهم امام هجمات عصابات داعش . فالأرض لمن يدافع عنها لا لمن يجر اذيال الخيبة ويهرب ليقول ان للكعبة رب يحميها .
ان دولة رئيس الوزراء المنتهية صلاحيته والمنفصل عن واقعه تماما قال في خطابه الاسبوعي انه لا يوجد في الدستور شيء اسمه حق تقرير المصير , وهذا الطرح ان دل على شيء فإنما يدل على التيه الفكري الذي يعاني منه هذا الشخص , ومدى ضحالة التفكير الذي يعاني منها. فما علاقة تقرير مصير الشعوب ببنود دستورية , ومنذ متى كان عدم تضمين حق تقرير المصير في دساتير الدول سببا لعدم البت فيه ؟ ثم ما علاقة هذا بذاك ؟ لا اكتمكم سرا ان قلت باني لم افهم هذه المعادلة المالكية ولا اتصور ان المالكي يعرف علاقة حق تقرير الشعوب بالدساتير ولا حتى الراسخون في العلم , خاصة وان الشعب الكوردستاني قد استفتي على الانفصال بالتزامن مع اول انتخابات برلمانية في العراق , وكانت نتيجته تأييد جماهيري كاسح للانفصال , غير ان الظروف الدولية والإقليمية اجلت هذا الخيار انذاك . وهنا اريد ان ابدي ثقتي الكاملة في ان اجراء اي استفتاء مشابه الان سوف يحظى ليس فقط على تأييد كورد كردستان وإنما سيؤيده في ذلك كل المكونات الاخرى الغير كوردية التي تعيش في الاقليم سواء كانوا مسيحيين ام تركمان او حتى عرب . فبمقارنة لوضع المركز والمدن التابعة له وما تعانيه من ظلامية وتأخر مع ما يعيشه اقليم كوردستان من تطور وما يعمه من ثقافة تسامح وعيش مشترك لن يدع المجال امام احد للتردد في الموافقة على الانفصال عن عراق المالكي الذي ينخر فيه الفساد في جميع نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية , ويا للمهزلة عندما يطلق المالكي كلمة ( الشعب الكوردي المظلوم) على شعب ابدع في كل نواحي الحياة في ظل حكومته واستطاع ان يبني كوردستان من الصفر بينما يعاني (الشعب العربي المظلوم ) من تأخر في مجمل مستويات الحياة تحت النظام الغاشم للمالكي … فأي الشعبين اصح ان يقال عنه مظلوم يا دولة رئيس الوزراء المنتهية صلاحيته ؟