لم تكن وفقا لدستور العراق الجديد صلاحيات مهمة لرئيس الجمهورية سوى كونه منصبا شرفيا.. َكبلوه وفقا للمحاصصة بنواب فاعلين وفقا لولائم الطائفية وشكلوا ما ُسمي بمجلس الرئاسة .. لذا فان المام جلال قد علم حدوده الدستورية وقال يوما : نريد عقد الجنتلمان ..
اي أن تكون له سلطة غير مستمدة من الدستور بل من وجوده الشخصي في النضال من أجل سقوط الدكتاتورية في العراق ، كما أنه قائد حزب كردي له ثقل مهم في التحالف الكردستاني والذي يشكل ” بيضة القبان ” في العملية السياسية في العراق دائما .
إذن السيد الطالباني يعرف حجم تأثيره خارج منصبه الرسمي ويعرف تماما ان وجوده في بغداد ربما كان رغبة من غريمه البارازني لإبعاده عن أقليم كردستان وتحجيم دوره وبالتالي دور حزبه الوطني الكردستاني في قيادة دفة أقليم كردستان.
المام جلال الذيَ صرح انه لم يترشح لولاية ثانية ولم يفعلها ليتفرغ لكتابة مذكراته ، والتي ربما ستكون أكثر أثرا من دوره السياسي .
الطالباني الذي عشق بغداد وعاش فيها ريعان شبابه طالبا في كليتها وعاشقا لآدابها وصحافتها خلافا لحليفه البارازاني الذي صرح بانه لم يحب بغداد ولم يعتذر عن تصريحه ..
……………….
بين حب بغداد أو بغضها كان للسياسة القول الفصل في وجود مام جلال في القصر الرئاسي الذي لم يحلم به كما قال يوما ” ان منصب عضو برلمان كان أقصى إمنياتي “
لذا فالرجل ومن خلال ممارسته لعمله لم يكن يوميا رئيسا شرفيا ، بل كان محورا مهما في الصراع السياسي الساخن بين غرماء العملية السياسية وقد نجح بشكل كبير في الخروج من أزمات مهمة في التوسط والتأثير لتقريب وجهات النظر أو الوصول الى خواتيم غير كارثية على الأقل بسبب ثقله الحزبي! .
…………….
العملية السياسية في العراق مهمة وطنية تحتاج الى عمق الرؤيا وليس الى مزاج الاطياف السياسية ..
لكن الطالباني الرئيس قد إختار الإقامة في كردستان وتحديدا في السليمانية ليكون موطن جذب ربما للخارجين عن القانون لزيادة رصيده في التأثير في العملية السياسية العراقية وفي أدق مراحلها بعد خروج القوات الامريكية !.
ترك الرئيس بغداد لا لعلّة صحية أو تهمة سياسية .. إرتضى أن يستوطن كردستان ربما ليرتب مستقبله ومستقبل حزبه في الخارطة السياسية ما بعد تقاعده من مهنة الرئيس .. ربما يريد التعاضد مع شريكه البارازني في التوحد لإيقاف صف المعارضة الكردية المتنامية للزحف على السلطة القوية بيد الحزبين الديمقراطي و الوطني الكرديان ..
……………………….
بغداد بلا رئيس
في أغرب تصريح اسمعه، إذ دعا السيد المالكي رئيس وزراء العراق والقائد العام للقوات المسلحة والأمين العام لحزب الدعوة والمعروف بصلابته السياسية الواسعة ، الرئيس مام جلال للعودة الى بغداد لحلّ الأزمة السياسية القائمة الآن .. والتي فحواها وملخصلها هروب نائب الرئيس طارق الهاشمي الى كردستان واعلان عصيانه على القانون العراقي بمباركة وبضيافة كريمة من الرئيس الطالباني، الذي يدعو الى ان تتخذ العدالة مجراها في قضية نائبه الهاشمي جهرا .. ولاندري ما هو مفهوم العدالة والقانون في رأي مام جلال ؟؟
سيما وأن الهاشمي قد نقل مقترحا لنقل محاكمته من اقليم كردستان الى كركوك مشككا بقانون بغداد ؟؟
ماالذي يرمي اليه الهاشمي ؟؟
ولماذا يصمت البارزاني من التعليق سوى “أن قضية الهاشمي لها بعد سياسي وآخر قانوني لا أستطيع التعليق في الوقت الحاضر”
……………
المالكي يدعو الطالباني للحضور الى بغداد .. اليس هذا طلبا غريبا ؟؟
لماذا يريد المالكي توريط المام جلال .. وهل عجز حقا عن معالجة الامر للوصول الى قبلة ساسة العراق الجديد الى السليمانية بعد النجف وحوزة السيستاني ؟؟
المالكي يرمي الكرة الآن في حضن التحالف الكردستاني لدوره الجديد في إيواء الخارجين عن التوافق السياسي قبل القانون .
أهي لعبة جديدة لرمي الكرات بين المركز والاقليم ؟؟
اليس دعوة المالكي للمام الطالباني بالرجوع الى بغداد هو التباس مفهومي في فهم ممارسة السلطة وفقا لرؤية دستورية واضحة
………….
.
هل يحتاج العراق دائما الى رمز وسلطة لحل المشاكل ؟؟
هل نحن في مرحلة الرجوع الى الرمز والغاء الدستور ؟؟
أم نحتاج الى وقفة دستورية لتحصيح ما التبس في دستورنا الأول الدائم .
نحتاج الى إعادة صياغة الحياة السياسية العراقية وفقا لمقتضيات دستور يواكب التطورات وليس نصا مقدسا يتذرع به الساسة وفقا لأهوائهم .
بهكذا فهم دستوري سيكون الجميع ازاء واجباتهم ومسؤولياتهم معا .
ولا حاجة لنا بصراخ لاستغاثة رئيس هنا أو سيد هناك ..
قطار العراق الجديد يسير على سكة من حديد الإرادة العراقية وصلب دستورها .
[email protected]