19 ديسمبر، 2024 6:20 م

المالكي والولاية الثالثة وأحداث البصرة؟!

المالكي والولاية الثالثة وأحداث البصرة؟!

لا زالت تداعيات زيارة المالكي الأخيرة للبصرة وما جرى فيها من أحداث تلقي بضلالها على الشارع العراقي ومواقع التواصل الأجتماعي التي نقلت الكثير من مجريات تلك الأحداث، وكذلك شكلت تلك الزيارة مادة دسمة للأعلام المحلي وحتى العربي للحديث عنها والتعليق عليها!
ولتسليط الضوء على الزيارة لا بد من الرجوع بالذاكرة للوراء لمعرفة بدايات المالكي وكيف تسلق الى السلطة ورئاسة الحكومة لثمان سنوات كلفت العراق المزيد من الخسائر المادية والبشرية!.
لم يكن رئيس الوزراء السابق(نوري المالكي) معروفا بعد سقوط النظام السابق فقد كان أحد القيادات الوسطية في حزب الدعوة، وكان قمة طموحه وجل امانيه أن يصبح مديرا في وزارة أو أية دائرة من دوائر الدولة!
وهذا ما نقله المؤرخ المعروف(حسن العلوي)، حيث قال (ألتقيته صدفة في بغداد بعد سقوط النظام السابق وسألته عن أحواله وماذا سيفعل وماذا يريد؟ قال أجابني: (مرايدين شي بلكت أصيرمدير بالتربية)!!، أنتهى الى هنا ما قاله حسن العلوي.
أعود بالقول، شاءت الأقدار والظروف والصدف أن تلعب لعبتها معه ومع غيره من السياسيين الذين دفع بهم دولاب الزمان أن يتحكموا بالعراق منذ سقوط النظام السابق ولحد الان!.
ولم يعد خافيا على أحد تاريخه الأجتماعي والنضالي!! مع رفيقه (الجعفري) فهو موثق ومصور وطالما تناولته بكثرة جميع مواقع التواصل الأجتماعي، حيث كانوا يعملون (حملدارية) تارة وبيع السبح تارة أخرى في سوريا!، كما ان المالكي نفسه يقول بأنه لم يلبس(القاط والرباط) ألا في عام 1987!!.
وأذا بالدنيا تبتسم له أبتسامتها العريضة ليغرف منها ما يشاء وما يريد!. فالصراعات السياسية بين الأحزاب السياسية، بما فيهم الأحزاب الشيعية تحديدا، كانت نعمة عليه وفتحت امامه أبواب المجد والرفاه!
على مصارعها عندما دفعت تلك الصراعات والخلافات أن يقع عليه الخيار ليكون مرشح تسوية لرئاسة الحكومة! لتلافي الأزمة السياسية الحادة بعد أنتخابات عام
2006 ، وتبوء رئاسة الحكومة في قمة الصراع والأقتتال الطائفي الذي كان يعيشه العراق! وقد حظي بدعم من أيران وأمريكا على السواء!!، وكان بروزه هو السيطرة والقضاء على الأقتتال الطائفي وأنهاء الحرب الطائفية.ولكن صيته ذاع بشكل كبير وأشتهر (بصولة الفرسان) في البصرة التي كانت ترزح تحت وطأة جيش المهدي الذي عاث بعض عناصره فسادا في البصرة حينها وأعاد لها الأمان.
وبقدرما ترك أنتصاره على الخارجين عن القانون في البصرة سواء كانوا من التيار الصدري أو غيرهم وأعاد الأمان للبصرة أنطباعا طيبا لدى عموم العراقيين ولأهالي البصرة تحديدا ألا أنه ترك نقطة سوداء في قلب السيد مقتدى الصدر وأتباعه الذين لم ولن ينسوا له ذلك رغم مرور عشر سنوات على تلك الأحداث!.
وبين (الآه والونه) كما يقال وبين الحسرات والدموع وضياع الأمال والوعود الكاذبة وأستمرار حصاد الموت للعراقيين بعد أن اخذت التفجيرات والمفخخات والعبوات أرواح مئات اللألاف منهم ومع أستمرار الصراعات السياسية بين الأحزاب الشيعية والسنية ،
وأستقواء الأكراد الذين أستفادوا كثيرا من ذلك الصراع ،ليلعبوا دور بيضة القبان وصانعي الرؤوساء كما يقولون ذلك عن أنفسهم في كل أنتخابات رئاسية، فالذي يريد ان يصبح رئيسا للحكومة العراقية عليه أن يكسب صوت الأكراد!!.
نعود لصلب الموضوع وسط كل هذه الفوضى والصراعات السياسية أنتهت الولاية الأولى (للمالكي)، الذي لم يفلح في بناء مدرسة بسيطة ولا مستوصف، ولا حتى أن يبلط شارع!،
بل أنفتحت أبواب الفساد في عصره على مصارعها لتنهب جميع قيادات الأحزاب السياسية (الشيعية والسنية والكردية) وأتباعهم من وزراء ووكلاء وزراء ومدراء عامون، ما أستطاعوا أليه سبيلا وما وصلت أليه أيديهم، بل كان السباق محموما بينهم في النهب والسرقة!،
لا سيما وأن أسعارالنفط شهدت أرتفاعا كبيرا حيث وصل سعر برميل النفط الى (120) دولار للبرميل الواحد!، وقدروا خبراء الأقتصاد أن ميزانية العراق على ضوء تلك الطفرة في أسعار النفط كانت تعادل ميزانية (6) دول!!، ولكن حصة الشعب من كل ذلك كان المزيد من الفقر والجوع والبطالة والحرمان والأمراض والتخلف والمزيد من الأزمات.
وبعد أن ذاق المالكي طعم الحكم والجاه والمنصب والسلطة،وبعد أن أصبحت كنوز العراق وكل وارداته تحت يده، فكان لا بد من الأستقتال!! لكسب الولاية الثانية بكل الطرق القانونية وغير القانونية دستورية وغير دستورية!
لا سيما وأنه أستطاع أن يجير كل تاريخ حزب الدعوة له! ويطوع كل أتباعه تحت قبضته، مقربا المنافقين والأفاقين والمزورين والفاسدين والمطبلين ليكونوا حاشيته وحلقته القريبة،
ونجح في ذلك ونجح في كسب الولاية الثانية، وهذه المرة ليس بالصدفة ولعبة الأقدار كما في الولاية الأولى! ولكن بالتدبيروالتدليس والمكر والخداع والتلاعب ببنود الدستور العراقي وتفسيره كما يريد وكما تقتضي مصلحته ومصلحة حزبه،
وهنا لا بد من الأشارة بأن الدستور العراقي يحتاج الى أعادة النظر في كل فقراته وبنوده بل حتى في ألغائه لو أردنا الخير للعراق! لأنه لم يكتب بأيادي عراقية وطنية بل كتب بأيادي اجنبية! جعلت الكثير من بنوده قنابل موقوته لأختلاق المشاكل وبالتالي فالكثير من المختصين في مجال القانون يعدون الدستور العراقي واحد من أفشل الدساتير بالعالم!!.
كما خدم المالكي هذه المرة الصراع الأيراني الأمريكي وأطماعهم في المنطقة ومصالحهم القومية العليا ليكون هو أشبه ببيضة القبان بينهم!!، فلم يكن هناك من مهرب ألا أن يكون رئيسا للحكومة العراقية لولاية ثانية!.
وبقدر ما فتحت له ولأتباعه الولاية الثانية في الحكم وبشكل كبير أبواب الفساد والنهب والسرقة، بقدر ما فتحت على العراق كل أبواب الجوع والفقر والضياع والموت والخوف من قادم الأيام،
فأزداد الظلم وكثر الفاسدون والمنافقون وضاع الحق ولم يكن هناك صوت لشيء أسمه القانون والنظام والحق، وأن سمع فهو صوت خائف مرتجف ضعيف لا حول له ولا قوة،
كما أتسمت دورة المالكي الثانية أضافة الى كثرة الفساد والفاسدين وضياع القانون، الى سيطرت لغة العشيرة والمذهب على عموم مفاصل الحياة اليومية ومفرداتها، وأنحسار أية صورة من صور التمدن والحياة الكريمة، وأصبح الريف يحكم المدينة!.
وكانت خاتمة السوء لولايته الثانية هو ضياع ثلث أراضي العراق من قبل مجرمي داعش الذين سيطروا على عموم المناطق الغربية، أعقبها السقوط المدوي لمدينة الموصل بيد عصابات داعش الأجرامية وأعلانها عاصمة للخلافة الأسلامية!!.
وقدر الخبراء الأقتصاديون العالميون والمنظمات الدولية المختصة، بأن المالكي أهدر (1000) مليار دولار طيلة حكمه لثمان سنوات!؟ جلها سرقت من قبل الأحزاب السياسية! حيث لم يشهد العراق في كل تاريخه الحديث ومنذ تأسيس دولة العراق، طبقة سياسية فاسدة بدأ من (رئاسة الجمهورية ورئاسة والوزراء والبرلمان) كهذه الطبقة السياسية الفاسدة التي أستولت وأحتلت العراق !! منذ عام 2003 ولحد الآن.
ومع كل هذا الفشل والتنصل من مسؤولية كل ما جرى على العراق من خراب ودمار وفساد، عمل المالكي واتباعه بقوة وبتدبير للحصول على ولاية ثالثة! في انتخابات 2014،
حيث أصر حزب الدعوة على المالكي بأعتباره هو مرشحه الوحيد! وسط رفض ليس من قبل أيران وامريكا وعدم اتفاقهم عليه هذه المرة! فحسب بل برفض من كل الأطراف والأحزاب السياسية بما فيهم الأئتلاف الشيعي نفسه؟! هذا أضافة الى الرفض الجماهيري له،
ليس باعتباره مسؤولا عن ضياع (1000) مليار دولارحسب بل لمسؤوليته الكامله وراء ضياع ثلث أراضي العراق وأحتلالها من قبل عصابات مجرمي داعش، باعتباره رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، ناهيك عن مسؤوليته عن جريمة (سبايكر) التي راح ضحيتها أكثر من (3000) شاب عراقي قتلوا بدم بارد من قبل مجرمي داعش!.
وعلى الرغم من أن رئاسة الحكومة في أنتخابات 2014 آلت الى حزب الدعوة أيضا والى (العبادي) الذي هو أحد قياداتها المتقدمة، ألا ان المالكي لا زال لعابه يسيل للحصول على ولاية ثالثة في انتخابات عام 2018 !! والذي يعد لها العدة من الآن والذي حاول ويحاول أفشال (العبادي) الفاشل أصلا!؟،
حتى جاءت زيارته الأخيرة للجنوب (العمارة والناصرية والبصرة) لجس نبض الجماهير والأطلاع على سير وواقع حزب الدعوة هناك، ولكنها جاءت على غير ما يريد ويشتهي ويعتقد! حيث قوبل برفض جماهيري وسخط من عموم أبناء تلك
المحافظات، وخاصة من اهالي البصرة! الذي توعدهم بصولة فرسان ثانية في الدورة الثالثة!!؟،
حيث أصيبت جماهيرهذه المحافظات الجنوبية بهستيريا من الغضب عندما علموا بمقدمه! طالت حتى ضيوفه من رؤوساء العشائر الذين سمعوا من الكلمات النابية ما يكفيهم (لنكس ونزع عكلهم!)، ولو تمكنت الجماهير من المالكي لمزقته بأسنانها!.
رسالة الغضب الجماهيرية لأهل الجنوب كانت واضحة فهي ليس للمالكي حسب، بل لكل القيادات الشيعية ولمن تسول له نفسه وحظه العاثر أن يقوم بمثل هذه الزيارات واللقاءات!.
المالكي وأتباعه وحفاظا لماء الوجه ألقوا بتبعية هذه الأحداث على عاتق التيار الصدري وأتباعه؟!! بسبب العداوة القديمة بينهم، وليعطي أنطباعا بأن لديه قاعدة جماهيرية واسعة؟! وهذه أكبر نكته يضحك بها على نفسه قبل أن بضحك بها على الشعب.
الرسالة الأخرى للجماهير الجنوبية الغاضبة وتحديدا لأهالي البصرة ،هي لمن يقف وراءه ويسانده سواء أن كانت أيران بأعتباره رجلها الأول في العراق! أو أمريكا بخبثها كونها الشيطان الأكبرالذي صنع كل هذه الأحداث المأساوية.
بأن هناك رفض جماهيري لهذه القيادات التي كانت وراء دمار وخراب العراق، وعلى أمريكا وبريطانيا وأيران والسعودية الذين تلاعبوا بأحوال العراق على مدى (13) عام أن يفهموا بأن العراق لازال فيه رجال وأناس شرفاء يمكن أن يتصدوا لكل حاكم ومسؤول فاسد ولكل حزب عميل.!

أحدث المقالات

أحدث المقالات