مع بداية تغيير النظام العراقي عام 2003 توقع كثيرون أن البلد سيشهد مرحلة جديدة تكون فيها الانتخابات والديمقراطية سمة واضحة وحقيقية، لكن ذلك لم يأتِ بما كان متوقعا في ظل ما يشهده البلد من تدهور أمني وتجاذبات سياسية خصوصا مع قرب موعد الانتخابات المقرر إجراؤها في 30 نسيان المقبل.
ان نقاط الشدّ والجذب في الصراع السياسي العراقي تدور حول قضايا الموازنة والوضع في الانبار وتصدير نفط كردستان، بيد ان التفكير الحزبي الضيق شكّل عامل تأزيم مستمر لهذا الصراع، فالتفكير الضيّق لا يؤمن بتغليب المصلحة الوطنية، وهو سبب مباشر لتأجيج الخلافات والتجاذبات السياسية التي أدخلت وستُدخل البلاد بأزمة أمنية مجهولة العواقب، غير أنّ حصادها كان وفقا لتقارير أمنية مقتل أكثر من نصف مليون عراقي، فضلا عن خسائر اقتصادية كبيرة؛ لذلك يتخوف العراقيون من ان تفرز الانتخابات القادمة تجاذبات سياسية أكبر، بسبب الخلافات على المناصب وتفضيل المصلحة الفئوية على المصلحة الوطنية الكبرى.
ان العنف الذي يضرب البلد بقوة، وتزداد وتيرته خلال فترة الانتخابات، هو في الحقيقة انعكاس طبيعي لشدّة التجاذب السياسي الذي ينفجر بشدّة بين الكتل السياسية جميعها لأسباب واهية وشخصية احيانا لا تجد مصداقيتها وقناعاتها حتى عند البسطاء من الناس.
وقد برزت وتيرة الصراع بشكل كبير عندما بدأت القوات الأمنية تمارس مهامها في اعتقال بعض القادة السياسيين المتهمين بالإرهاب، وقد باشرت الحكومة العراقية باتخاذ إجراءات أمنية طالت نوابا في البرلمان ومسؤولين آخرين.
ويبدو ان هذه الاحداث دفعت بالرئيس المالكي إلى ان يتهم في رسائل ضمنية من خلال كلمته الاسبوعية بعض خصومه بوقوفهم خلف العنف الذي يضرب البلد. ومن أبرز النقاط التي يركز في طرحه عليها:
-التصريحات السياسية من قبل خصومه التي قال عنها انها تربك الوضع الامني في العراق.
-اتهام خصومه ببناء مجدهم على وقع فشل العملية السياسية.
-اتهامهم بالتلاعب بالقوانين التي ترسلها الحكومة الى البرلمان بحكم المزايدات السياسية.
-اتهام خصومه بعدم المصادقة على الميزانية والتي قال عنها ان في حال عدم المصادقة عليها ستعطل جميع المشاريع.
كلمة الرئيس المالكي تحمل في طياتها عدة رسائل ويمكن ان تكون مؤشرا نحو تصاعد الأزمة وخصوصا قبل الانتخابات في محاولة لا قناع العراقيين بان البلاد مهددة، وهو الأمر الذي يسعى من خلاله بضرورة تشكيل حكومة أغلبية من أجل اتخاذ قرارات دون الرجوع الى المعارضة ومن خلال تغيير قناعات الشعب العراقي الذي لم يعد يكترث لما يمكن أن تؤول إليه العملية الديمقراطية.
ردود أفعال
الكتل السياسية المعارضة من جانبها تتهم رئيس الوزراء المالكي بالهيمنة على مفاصل الدولة وانه قام بمحاولات تسييس القضاء من ضمنها المحكمة الاتحادية، وتحييد نزاهة المفوضية العليا للانتخابات واستقلالها، كما تتهمه بتعيين وزراء ذوي ولاءات حزبية قريبة من كتلة دولة القانون، وكان رئيس الوزراء قد قام بتعيين وزراء ومدراء عامين وكالة نتيجة خلاف مع الكتل السياسية الأخرى حول توزيع المقاعد السيادية وهو ما يشكل تخوفا من قبل الكتل السياسية من ان رئيس الوزراء المالكي يسعى لولاية ثالثة بعد ان قام بإضعاف خصومه الرافضين استمراره لقيادة السلطة.
ينتظر العراق معركة انتخابية عارمة يشترك فيها 107 قوائم وكيانات سياسية. وهي الانتخابات الثالثة من نوعها والأكثر أهمية في البلاد منذ عام 2003، فالحكومة القادمة يمكن أن تشرع بخطوات من شأنها أن تقدم نموذج حكم يستطيع ان ينهض بالواقع السياسي المربك والواقع الاقتصادي السيء وخصوصا بعد ان بلغ الفساد مستويات قياسية، حيث يحتل العراق المرتبة 16 من اصل 177 دولة من ناحية الفساد الاداري. أما على الصعيد الاقتصادي فان 23% من أبناء العراق ما يزالون “يعيشون بفقر مدقع”، وأن البلد ما زال يعتمد في وارداته على تصدير النفط.
ونظراً لطبيعة التحالفات بين الكتل السياسية المثيرة للجدل، من الصعب التنبؤ بالنتائج مسبقاً قبل اجرائها في موعدها المحدد. وعلى الرغم من وجود مؤشرات تدل على تأجيل الانتخابات في بعض المناطق، إلا أن إجراء تعديلات قانونية وسياسية من شأنها ان تعزز شرعية الانتخابات إذا ما تم حصول خلافات حول ترشيح رئيس الوزراء الحالي لولاية ثالثة فان ذلك من شأنه لن يخدم الاستقرار في العراق، لأن رئيس الوزراء العراقي في نظر أغلب الكتل السياسية قد أثبت فشله لإدارة العملية السياسية. لكن حزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي ربما سيرفض ان تكون رئاسة الوزراء لغير الحزب.