23 ديسمبر، 2024 9:20 م

المالكي ليس طائفيا … !؟

المالكي ليس طائفيا … !؟

يُردد اغلب السّاسة العراقيين وكل السّاسة العرب وبعض السّاسة الاجانب “وخاصة الامريكان” وبعض المراقبين والمتابعين للشأن العراقي , يرددون قولهم “بمناسبة وبدونها” بان سياسة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هي سياسة طائفية ….!  فعلى اية معطيات ووقائع  بُني هذا الاتهام !؟
صحيح ان الامركان – ابان احتلال العراق – اسسوا لنظام طائفي وعرقي من خلال مجلس الحكم الذي اقاموه على اساس الطائفة والعرق – بحجة تمثيل كل مكونات الشعب العراقي – وصحيح ايضا ان الدستور العراقي وضع اوتاد الطائفية وثبّتها , وكل هذه الوقائع  دفعت باتجاه حكم طائفي ….!
ولكن هل صحيح ان المالكي استغل منصبه لترسيخ الطائفية او الحكم من خلالها …….!؟ 
ان حال العراق وقواعد حكمه تفرض على من يريد النجاح في الحكم , ان يستقطب اغلب شرائح الشعب العراقي ان لم تكن كلها . ولن يتحقق هذا لاي سياسي عراقي الا اذا كان وطنيا وغير طائفي وغير متعصب لعرق او قومية او شريحة اجتماعية معينة  – حتى ولو كانت اغلبية – على ان تظهر هذه الخصائص في سياسته  العامة على اقل تقدير . واكثر من يدرك هذه الحقيقية هو من يشغل منصب رئيس الوزراء, لانه على رأس الحكومة التنفيذية . ما يعني ان المالكي اول من ادرك هذه الحقيقة وعرفها جيدا , ولانه راغب بالحكم, فمن المنطقي ان يعمل من اجل ثبات حكمه وترسيخه والتفوق على خصومه من هذه الباب تحديدا . اي الابتعاد عن الطائفية والعرقية . انا لا ادري اين وصلت ثقافة المالكي وطبيعة عقيدته الدينية الشخصية , لان الحال تظل خلف وجه وكلام وسياسة هذا الشخصية العامة , ولكن المؤكد ان المالكي فهم اللعبة السياسية جيدا خلال السبع سنوات التي تسنم فيها رئاسة الوزراء , ومن يفهم اللعبة سوف يعمل على تجنب الاخطاء الستراتيجية , مثل الوقوع في الطائفية او العرقية او حتى الحزبية . ولو راجعنا تاريخ الرجل ووقفنا عند سنوات الفتنة الطائفية , سوف نلاحظ انه حاول بكل الوسائل تجنب الوقوع في الاخطاء الستراتيجية التي ذكرناها , رغم كل الافخاخ والعراقيل التي وضعها خصومه – في الداخل والخارج –  في كل زقاق سياسي سار فيه .
مع كل هذا فاننا نرى في الجنوب والوسط ( الشيعي ) يُتهم المالكي بانه قرّب البعثيين ووضعهم في مناصب مهمة , وهذا ما يعلنه دائما التيار الصدري بزعامة مقتدي الصدر , وما يعلنه المجلس الاسلامي الاعلى برئاسة عمار الحكيم , وآخرين معهم من مستقلين وحزبيين وحتى مواطنين . ويعدون عمله هذا مخالفا للدستور الذي منع البعثيين من الحكم وحظر عليهم ممارسة السياسة . وفي المناطق الغربية ( السنية) يُتهم المالكي بانه طائفي وقد مكّن الشيعة من الحكم وهمش السنة . وفي الشمال ( اقليم كردستان) يُتهم المالكي بانه قومي عنصري همّس الاكراد وهضم حقوقهم لصالح العرب…… فهل هذا صحيح !؟
تعالوا نلقي نظرة ” سريعة” على الواقع العراقي في ظل حكومة المالكي . معروف لدى الجميع ان وصول المالكي لرئاسة الوزراء هو نتيجة عمل ديمقراطي قام به كل الساسة العراقيين او اغلبهم, ومن كل المكونات , وعلى رئسهم الاكراد والسنّة . ومن المعروف ايضا ان احد نائبي رئيس الوزراء من العرب  والاخر من الاكراد  وكلاهما من الطائفة السنيّة , ومعروف ايضا ان وزير الدفاع من السنّة وان قائد القوات المسلحة العراقية ” بابكر زيباري”  هو كردي سني , وان اغلب القادة العسكرين في الجيش والشرطة هم سنة بدءا بعلي غيدان والمرحوم محمد الكروي التي قتله الارهاب في الرمادي . ولان معظم الضباط الكبار كانوا من السنّة ابان حكم صدام حسين , ظل هؤلاء على رأس معظم تشكيلات الجيش العراقي والشرطة . اما الوزراء فان اكثر من 60%  منهم هم من العرب السنة والاكراد ” السنة” , وفي ظل هذه الحال السياسية والامنية يبدو انه لا يوجد غبن بحق الاكراد ولا بحق السنة بل الغبن واقع على الشيعة ” الاغلبية” . اما الحديث عن الطائفية والعرقية في المظالم الاجتماعية والجماهرية فانها لا تستقيم وهذا الاتهام, لان الظلم والحرمان وقع على الجميع بسبب ان كل الساسة العراقين ومن المكونات كافة هم فاسدون او غير كفوئين . اي انه لا تمييز طائفي او عرقي في الظلم الواقع من الحكومة على العراقيين . ومع ان الارهاب الذي حصد ويحصد عشرات الالاف من العراقيين – كلهم شيعة تقريبا – مصدره وحاضنته بامتياز (  سنيّة ) .. مع هذا لم يُحمل المالكي ولا الشيعة ” طائفته” لم يحملوا الطائفة السنّة مسؤولية الارهاب بل وصفوه خطرا يهدد السنة قبل الشيعة , ولكن الساسة السنّة والمتطرفين في هذه الطائفة كانوا يأججون نار الطائفية باستمرار . وقد راقبنا كيف كانت خطب ماسُمي بساحات الاعتصام , التي قادها ساسة عراقيون مثل النائب احمد العلواني ورافع العيساوي المنتميين لقائمة اسامة النجيفي – رئيس البرلمان العراقي – وجميعهم ساسة سنّة في موقع المسؤولية, ووقد ظهر جليا للعيان الدعم الخليجي الرسمي وغير الرسمي بكل اشكاله لهذه الاعتصامات وهو قائم على اساس طائفي بأمتياز . مع هذا كله لم يكن المالكي طائفيا . بل حاول قدر ما استطاع ان يفرز الارهاب عن حق التظاهر والاعتصام , فحاور الاحزاب والكتل والسياسيين وشيوخ العشائر من السنة , حتى وصل به الحال ان يحاور حتى الافراد, ولكن دون جدوى . لان المزاج الشعبي العام ومصلحة السياسيين متوجهة باتجاه طائفي , مبني على ارث تاريخي يشارك فيه الشيعة والسنة على حد سواء . وقد شاهدنا هذا المزاج جليا في سوريا ولبنان وحتى مصر التي شهدت هجوم جماعة كبيرة على احد شيوخ الازهر لانه اعتنق المذهب الشيعي, فقتلته بطريقة وحشية تنم عن عماء وانغلاق وتطرف لم تشهده مصر من قبل . والحال هذه , يبدو ان المالكي واجه الطائفية والتطرف بكل ما استطاع  سواء في البصرة عندما حارب انصار التيار الصدري ( صولة الفرسان) او في بغداد او الموصل او الرمادي او صلاح الدين او ديالى وغيرها من المحافظات العراقية , ولكن ولان المحافظات السنيّة تشكل حواضن للارهاب, كانت حصتها من المواجهات اكبر واطول زمنا, وفيها تضعف قدرة المالكي على المواجهة لان اغلب الارهاب في هذه الحواضن محصن بغطاء سياسي , وقد سمعنا وشاهدنا كيف انسحب معظم النواب والوزراء السنة من البرلمان والحكومة عندما قرر المالكي مواجهة هذا الارهاب في الانبار , وكيف وحّد الساسة السنة القرار السياسي والشعبي القاضي بسحب الجيش العراقي من الانبار . وعندما سُحب الجيش احتل الارهاب الرمادي والفلوجة ومدن اخرى من محافظة الانبار, عندها عادت العشائر وطلبت تدخل الجيش لانقاذهم من الارهاب , بينما ظل الساسة في حرج كبير سرعان ما عالجوه باتهام المالكي والقول بانه افتعل هذه الحال ولم تكن حقيقية , وكأن المالكي هو الذي كان يقود الارهابيين في الانبار وليس الذي يحاربهم . تكشف هذه الحال ان المالكي لم يكن طائفيا الا في عيون خصومه وعيون من ينظر بعيون هؤلاء الخصوم .
 اما الاكراد في الشمال , ورغم استقلالهم الكامل عن حكومة المركز التي يقودها المالكي , ورغم عشرات المليارات من الدولارات – التي يأخذونها بغير حق من الدولة العراقية – فانهم لا همّ لهم غير اسقاط  دولة العراق وقيام دولتهم في كردستان وباي ثمن ممكن , فحكومة المركز عدوتهم , والجيش العراقي عدو مبين لهم فهم لم يعطلوا الدوام ولم يحتفلوا بعيد الجيش . وقد تدخلوا في السياسة الداخلية والخارجية من اجل منع تطور هذا الجيش وتسليحه , وكلنا يعلم مواقفهم عندما يتم الحديث عن تسليح الجيش, وهم يواجهونه على الارض بالقوة في المناطق ( المتنازع عليها) ناهيك عن منعه الوصول الى حدود العراق الشمالية الواقعة في الاقليم . وهم يعدون بضعة الالاف الذين سقطوا ( عرضا ) في الحرب العراقية الايرانية في حلبجة وسواها , يعدونها مجازر ضد الاكراد . اما المقابر الجماعية لمئات الالاف من العراقيين العرب في الوسط والجنوب , فالكرد يتجاهلونها ولا يرونها , وان سُألوا عنها قالوا انها ( صراع بين العرب انفسهم ) ولا شأن لنا به , وهم بهذا يمارسون ابشع انواع التمييز العرقي . والحال هذه , نسمع ونرى الاكراد في اتهام دائم للمالكي بانه عنصري اقصائي , مع انه تنازل عن حق وصول الجيش العراقي والشرطة الفيدرالية الى حدود العراق الشمالية ( في كردستان) رغم الحاجة اليها في ضبط الحدود , وتنازل عن السيطرة على المنافذ الحدودية والمطارات في الاقليم , بل وتنازل عن اي وجود او فعل لحكومة المركز في الاقليم ناهيك عن النفط وتصديره الى الخارج دون علم المركز , علما ان كل هذه التنازلات تُعد خرقا للدستور . مع كل هذا وغيره فان الاكراد الذين يترأسون العراق بجمهوريته ويديرون السياسة الخارجية له ويسيطرون على مفاصل اخرى مهمة في الدولة العراقية . مع كل هذا يتهمون المالكي بالتمييز العرقي اتجاههم وتهميشهم . فهل المالكي عنصري عندما يسلح الجيش العراقي الذي لا يسمح له الاكراد بالوصول الى كردستان !؟ وهل هو عنصري عندما يدفع لحكومة الاقليم 17 % من ميزانية العراق لتحصل محافظة اربيل على خمسة اضعاف ما تحصل عليه اية محافظة مثلها في الوسط والجنوب !؟ وهل المالكي عنصري ويهمش الاكراد وهو يتنازل عن ايرادات وعن سيادة حكومة المركز على المطارات والمنافذ الحدودية في الاقليم !؟
وهل المالكي طائفي عندما يحارب القاعدة وبناتها واخواتها في العراق, اللواتي يختطفن يوميا العشرات من ارواح المواطنيين العراقيين !؟وهل المالكي طائفي عندما يرفض ويواجه الفتاوى التكفرية والنعرات والصيحات الطائفية !؟ وهل المالكي طائفي وهو يواجه ساسة من يغطون الارهاب بغطائهم السياسي والطائفي !؟
صحيح ان المالكي فشل في اخراج العراق من الطائفية والعرقية , ولكن الاصح ان الفشل فُرض عليه, من قبل اقرانه السياسيين الشيعة والسنة والاكراد وجماهيرهم , ومن قبل الدول العربية ” الطائفية بطبعها”  وخاصة دول الخليج , ومن قبل امريكا التي ما دخلت العراق الا لتدميره , ومن قبل بعض الدول الغربية التي تستقي معلوماتها من الساسة العرب او من الساسة العراقيين المناهضين للمالكي  .  المالكي ليس طائفيا ولكن البيئة التي يعيش فيها تنضح طائفية وعنصرية وهي متخمة بالارهاب الطائفي ……………!