أعتمد السيد المالكي في سنين قحط حكمه على مبدأيين أساسيين ، عامل الملف الطائفي وإثارة الطائفية وفي بعض الأحيان التعدي على القومية ، فنراه يحاول أثارة وفتح هذا الملف ، لأنه يعتقد إدامة فترة حكمه ، وربما يبحث الحياة من جديد في ولايته الثالثة ، والأمر الثاني الذي يعمل هو حرب الملفات ، أي إن لكل مسؤول لديه ملف في درج السيد المالكي ، ويحركه متى ما فتح فمه هذا السياسي ، وبالتالي شراء ذمته أو سكوته ، ناهيك عن تسجيل الأشرطة الفديوية لولده حمودي لهولاء السياسيين .
اعتمد السيد المالكي في سياسته على أثارة الأزمات ، والتي يعتقد بقناعته أنها تديم حكمه ، وأشغال الرأي العام وكسب الجمهور إلى صفه ، والتي ربما نكون معه في النصف الثاني من المقولة ، أن شعبنا يسير مع الانفعالات ومع الاثارات التي تثير الشارع العراقي ، والمحتقن أصلاً بين مكوناته ( السنة والشيعة ) ،وهذا ما لمسناه في الفترة الماضية إذ وجد السيد المالكي نفسه مُحاصّر بمجموعة من الأزمات السياسية مع السنة والشيعة والأكراد، حيث أقرَّ موازنة مالية رفضها الأكراد، وألغى صلاحيات المحافظات فاغضب الشيعة وفضّ تظاهرات سلمية للسكان السنة غرب البلاد مما تسبب في انسحاب نوابهم من البرلمان .
المرجعية الدينية هي الأخرى لم تسلم من تسلط المالكي ، فأغضبها أكثر من مرة في سياسته المتهورة والهوجاء ، ومحاولة تحريف هذه المكانة المهمة والمقدسة لدى المسلمين ، وهي محاولة منه في فرض الأمر الواقع على المرجعية الدينية ، والوقوف بوجهها في أكثر من موقف ، وهذا ما جعلها تتخذ موقفاً متشدداً منه سياسة التهور والانفعال وطريقة حكمه التي أوصلت البلد إلى منزلق الطائفية في أكثر من مرة .
خلال هذه الفترة كان الوضع هادئاً نوعاً ما ، ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية نيسان 2014 ، وفي تحرك غريب ومريب ، لجأ المالكي إلى تحريك ملف في الانبار والتحرك نحو خيم المعتصمين ، والتي ظلت لشهور عدة خيم تذرها الرياح ، ولا قيمة لوجودها ، فلجأ المتظاهرون وغالبيتهم من أبناء القبائل لحمل السلاح، فيما قرر 40 نائباً سنياً بارزاً في البرلمان مقاطعة جلسات البرلمان.
وبعد أسبوعين من أزمة الأنبار وتحديداً في 15 كانون الثاني (يناير) الحالي، أقرَّ مجلس الوزراء بموافقة المالكي، الموازنة المالية لسنة 2014، وكان الأكراد أبرز المعترضين عليها بسبب عدم تضمينها أموال يطالب بها الأكراد منذ عامين ، وهذه الأزمة كانت مرشحة أن تكون بعد انتهاء أزمة الانبار ، لإدامة الزخم الإعلامي للسيد رئيس الوزراء ، والتي يبدو أنه ينتقل متخبطاً من أزمة سياسية إلى أخرى, غير أن السؤال المطروح هل المالكي يتخبط حقاً, أم أنه يتعمد افتعال الأزمات كنوع من التكتيك الذي يحقق له السيطرة إدراكاً منه بأنه لم يعد يتمتع بشعبية تذكر؟
الواقع أن حكومة المالكي, تواجه سلسلة لا تكاد تتوقف من الأزمات. ففي اقل من شهر تسببت ردود فعل المالكي وسياسته تجاه ما يحدث في العراق بمجموعة من الأزمات بدءاً من أزمة أقرار الموازنة العامة ، وإرسالها إلى مجلس النواب في وقت ضيق ، وإحراج الكتل من اجل الضغط عليهم لاقراراها ،فوصلت موازنة ملغمة ، وتحوي الكثير من المغالطات والسرقات العلنية غير المقبولة لدى الكثيرين بما فيهم الأكراد والمحافظات النفطية الرئيسية. كما تسببت سياساته الإقصائية, بثورة في الشارع السنّي بلجوئه للعنف في التعامل مع احتجاجات الأنبار.
وعلى ما يبدو فإن الكثير يعتقد بأن المالكي يتصرف بقناعة من يعتقد بأن الطريقة المثلى لمعالجة هذه الأزمات هي في افتعال المزيد منها ، وان خلق الأزمات قد يكون أفضل وصف للوضع السياسي في العراق على مدى السنوات الأربع من حكم المالكي.. فقد وضعت سياسات المالكي البلاد على شفا حرب أهلية أكثر من مرّة.. اعتقد بأن الشعب العراقي لم يعد يحتمل المزيد من الأزمات خاصة في غياب إستراتيجية واضحة تمنحهم بريق أمل في المستقبل».