23 ديسمبر، 2024 6:45 ص

المالكي في ولايته الثانية

المالكي في ولايته الثانية

الابتعاد عن حزب الدعوة.. الأسباب والتداعيات

الحلقة الخامسة

تناولت الحلقة الرابعة، المجموعات التي تشكّلت حول نوري المالكي، وأقصت أصحاب الكفاءة والمهنة، وأعضاء حزب الدعوة الإسلامية، من حول رئيس الوزراء، وسعت الى تعزيز نفوذها الذي بدأ يتمدّد الى الجيش، والوزارات، والمشاريع.

ومع مرور الزمن تمكّنت هذه المجاميع من تشكيل حلقة مُحْكمة حول المالكي، تسيّر قراراته وتجعله مقتنعا بما لديها من وجهات نظر، تجاه الأشخاص، والأحداث، على حد سواء. وأبرز هذه “اللوبيات” هي “مجموعة الابن احمد” التي تشكلّت بعد مرور عدة سنوات من رئاسة المالكي للحكومة، وبشكل تدريجي حتى أصبحت حلقة مؤثرة في صنع القرارات، ولها بصمات واضحة في السياسات.

في هذه الحلقة، سوف نبرز كيف تمكنت “مجموعة الابن أحمد” والمجموعة المقربة من المالكي، والتي سنطلق عليها “مجموعة أتباع المالكي” من التمدد وبسط النفوذ بشكل تدريجي.

فبعد سيطرة “مجموعة الإبن أحمد”، على مكتب رئاسة الوزراء، والتمدد نحو مفاصل الدولة، بدأ التفكير ينصب على سحق وضرب كل المنافسين للمالكي، سواء كانوا داخل الحزب، أو من ائتلافه أو منافسيه السياسيين، واشتركت “مجموعة أتباع المالكي” كذلك في نفس الهدف، فقد كانت المجموعتان تهدفان الى إضعاف وكسر شوكة جميع منافسي المالكي الآخرين.

كان عمل المجموعتين يتناسق بشكل متوازي لقهر المنافسين، ليس وفق خطط محكمة، بل وفق “أمزجة” وقناعات أفراد المجموعتين الذين وضعوا قادة حزب الدعوة، أهدافا رئيسية لهم.

مسارات الاستحواذ على القرار

ولأجل تحقيق غاياتهم في الإقصاء والتهميش للدعاة، فقد عملوا على عدة مسارات:

المسار الأول: زعزعة ثقة المالكي بحزب الدعوة، عبر رفع شعار “زعامة المالكي للحزب”، وان الحزب “دون” المالكي، لا يملك حضورا في المشهد السياسي. وهذا يعني إبراز القائد الفرد، لا القيادة الجماعية.

المسار الثاني: شرع الجيش الإلكتروني لمجموعتي “الابن أحمد” و”أتباع المالكي” في مهاجمة العضويْن في حزب الدعوة الإسلامية، علي الأديب، وحيدر العبادي، بسبب الخشية من كونهما بديلين محتملين للمالكي.

المسار الثالث: بدأ أفراد المجموعتين في شن حملة إعلامية منظمة عبر المواقع الإعلامية ضد حسين الشهرستاني، الى الحد الذي

اقتنع فيه المالكي بـ”خطورة” الشهرستاني، ما دفعه الى اتهامه بالفشل في إنجاز مشروع إنتاج الطاقة الكهربائية.

لماذا اسْتُهدِف حزب الدعوة؟

وعلى رغم التركيز على هذه الشخصيات الـآنفة الذكر، إلا أن الهاجس الأكبر لأفراد المجموعتين، كان الحزب “ذاته”، و “قادته”، للأسباب التالية:

السبب الأول: التقاطع الواضح بين مصالح أفراد المجموعتيْن، مع رؤى الحزب وقناعات قادته.

السبب الثاني: الإحساس بـ “الدونية” والضعف أمام قادة الحزب، باعتبار إن أفراد “مجموعة الابن احمد” و”مجموعة اتباع المالكي”، هم أشخاص من أصحاب التاريخ “غير المشرّف” والحضور الطارئ، بل ان بعضهم كان منتميا الى حزب البعث، وصاحب تاريخ اسود في دعم الدكتاتور صدام، مثل النائبتين عالية نصيف، وحنان الفتلاوي، فيما القسم الآخر من أفراد المجموعتين، عبارة عن شباب “متهور” يفتقد الى الكفاءة والمهارة والحضور مثل ياسر صخيل، وسامي المسعودي.

إبعاد “الدعوة” والاستعانة بشخصيات ذات تاريخ “بعثي”

وعلى رغم كل ذلك، اقتنع المالكي (برؤية المجموعتين)، بعد تدشين عهد الولاية الثانية، لإدراكه بان بقاء حزب الدعوة قويا، يعني لجم طموحاته السياسية و”العائلية”، ونهاية تفرّده بالقرار.

أحد الأمثلة على ذلك، ما حدث في اجتماعات شورى الحزب، حيث كان الكادر الحزبي ينتقد سلوكيات المالكي ونفوذ عائلته، الأمر الذي دفع المالكي الى مقاطعة الاجتماعات تحت حجج وذرائع شتى، لاسيما وانّ الانتقادات من قيادات الدعوة ضد مسعاه لتحقيق طموحات سياسية وعائلية على حساب الحزب، بدأت تصل اليه.

هذه الأحداث دفعته الى اتخاذ قراره بإبعاد الحزب، عن مركز القرار، والسعي الى تهميش كوادره، عبر تأسيس كيانات سياسية، وأحزاب و مجموعات تواليه وتدعمه، تكون بديلا عن تأييد “الدعاة” له.

وأبدل المالكي، وفق خطته هذه، كوادر الحزب، بنواب مثل حنان الفتلاوي، وهيثم الجبوري، وعالية نصيف، وآخرين، والذين اصبحوا “رموزا متمادية” في ولاية المالكي الثانية، كما شكّلوا نفوذه الضارب في البرلمان، لإدارة صراعاته مع الآخرين.

خلافات جوهرية

لقد اختلف حزب الدعوة الإسلامية مع المالكي في ملفات أساسية ومسائل جوهرية، هي كالتالي:

المسألة الأولى: الكيفية التي تعاطى فيها المالكي مع المرجعية فقد أدرك قادة الحزب تأثير سامي المسعودي على المالكي، ودخوله في أزمة مع المرجعية بتأثيرات “مجموعة الابن أحمد” في حين كان قادة الحزب يسعون الى التواصل مع المرجعية لتخفيف حدة الاختلاف بين المالكي والمرجعية.

المسألة الثانية: تعاطي المالكي مع الأحزاب والشخصيات الشيعية المؤسسة لأركان التحالف الشيعي، فقد كان قادة الحزب يدفعون اتجاه التقارب مع المجلس الأعلى والتيار الصدري، فيما كانت المجموعتان تدفعان المالكي للمواجهة مع هذين الكيانيْن المهمّيْن .

وفي هذا الجانب، لعب حسن السنيد دورا خطيرا في إقناع المالكي بضرورة انهاء دور المجلس الأعلى، كحركة سياسية مؤثرة.

وفعل الأمر نفسه في التقليل من أهمية ودور التيار الصدري مستخدما مختلف الأساليب حتى غير الأخلاقية منها لاقناع المالكي بذلك،

ومن تلك الأساليب على سبيل المثال لا الحصر، تعمّد نعت بعض القادة السياسيين، بألفاظ “سوقية”، من مثل (الزعطوط ، والمخبل) لكي يقنع المالكي بنهاية دور وتأثير هؤلاء.

وفيما كان سامي المسعودي ينقل للمالكي، المعلومات المضللة عن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لإقناعه بضعف نفوذ زعيم التيار، فانه في الجانب المقابل، كان يضخّم في مزايا المالكي وقدراته ومهاراته، موصلا له فكرة كونه “الزعيم الأوحد” و”القائد الضرورة”، القادر على ادارة الدولة.

المسألة الثالثة: اصطدم حزب الدعوة مع نوري المالكي في طريقة إدارته للدولة، بعد ان أصبحت الاجتماعات القيادية تشكل عبئا على المالكي وأفراد المجموعتين، المنتفعين من حوله.

عوامل السقوط الثلاثة

والخلاصة في أحداث تلك المرحلة، وتداعياتها، ان ثلاثة عوامل بارزة أنتجت سياسات المالكي وطريقة قيادته للدولة في الولاية الثانية وهي طموحاته السياسية والعائلية، وابتعاده عن الحزب، والسيطرة المطلقة لمجموعتي “الابن احمد” و”اتباع المالكي” على مقاليد الأمور.

وكانت نتيجة هذه السياسات سقوط مريع للمالكي في تراكمات الأخطاء القاتلة، ونهاية حلم الولاية الثالثة.