19 ديسمبر، 2024 3:20 ص

المالكي في واشنطن

المالكي في واشنطن

تعد زيارة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي الى واشنطن اواخر تشرين اول الماضي واحدة من الزيارات المهمة التي قام بها من قريب نظرا للملفات التي ستتناولها محادثات المالكي – اوباما , فهناك ملفات داخلية في مقدمتها مواجهة الارهاب الذي يتعرض له العراقيون بصورة لم يتعرض لها شعب في العالم حاليا , وهناك الملف السوري وتعقيداته خصوصا ان العراق طرح مبادرة للحل السياسي السلمي للوضع في سوريا حظيت بتعاطف اطراف الازمة السورية باستثناء الجماعات الارهابيه الممثلة في تنظيم داعش , والى جانب مبادرة العراق فهناك شبه توافق دولي واقليمي على عقد مؤتمر جنيف ( 2 ) والعراق من الدول المدعوة لحضور المؤتمر , ومع هذه الملفات ياتي ايضا ملف البرنامج النووي الايراني وانعكاس التقارب الحاصل بين طهران وواشنطن على هذا الملف وظهور بوادر انفراج في افق العلاقات الايرانية الاميريكية الاوربية .
     كل هذه الملفات طرحت على طاولة البيت الابيض لكن الاهم فيها هو الملف العراقي , فالعراق واميركا يرتبطان بمعاهدة تعاون ستراتيجي تم التوقيع عليها قبل انسحاب القوات الاميريكية من العراق عام (2011) ومن بين ماتنص عليه المعاهدة حماية النظام الديمقراطي في العراق والمحافظة على سيادته وتقديم الدعم اللازم له في مواجهة العصابات الارهابية بكل الوسائل ومن بينها تسليح القوات العراقية بما يكفل لها التصدي الفعال لتلك العصابات , ولكن هل واشنطن جادة في الوفاء بالتزاماتها مع العراق ؟ .
   الملاحظ على مسار التعاون بين الطرفين ان واشنطن ينطبق عليها المثل العراقي ( يراويك ذهب ويبيعك تراب ) , فهي لم تف حتى بربع التزاماتها مع العراق منذ توقيع المعاهدة حتى الان ما يفرض على القيادة العراقية التحرر من التزاماتها المقابلة والبحث عن بدائل خصوصا في تسليح القوات العراقية , فليس من المقبول ولا من المنطق ان لايزيد تسليح الجيش العراقي من الدروع على
 (500) دبابة نصفها منحة من دول شرقية , وليس من المعقول ان ليس في العراق سرب واحد لطائرات مقاتله فعالة وهو يواجه تهديدات جدية على مستوى امنه الداخلي والخارجي , وليس من المنطق ان تظل سماء العراق مفتوحة لطائرات التجسس بلا رصد ولا تصد فعال لانتهاك السيادة العراقية , كل هذا يفرض على اي مسؤول يستشعر الخطر على العراق ان يصارح واشنطن بحقيقة التزاماتها على مستوى التسليح , وعلى مستوى التعاون الاستخباري , وعلى مستوى العلاقات الديبلوماسية حيث لواشنطن كلمة نافذة على السعودية وقطر وتركيا وهي دول متورطة في دعم الارهاب في العراق .
     واجه السيد المالكي منذ لامست طائرته الارض الاميريكية حملة منظمة  سياسية واعلامية لاعاقة برنامج الزيارة , فهناك رسالة من عدد من اعضاء الكونغرس موجهة للرئيس اوباما تحثه على فرض الرؤية الاميريكية حول مشاكل العراق وممارسة ضغوط مباشرة على رئيس الوزراء العراقي , ورافق الرسالة تصريحات وقحة وغير مسؤولة لعضو الكونغرس المتطرف جون مكين , اذ نصب مكين نفسه وليا لامر السنة في العراق فتحدث عنهم وكأنهم الشريحة او الطائفة المظلومة فلا ممثلين لهم في مجلس النواب العراقي , ولا وجود لهم في مراكز القيادة السياسية العليا في العراق , ويواجهون حملة ابادة منظمة , وعلى المالكي والمالكي وحده عمل المزيد , جون مكين هذا اغمض عينيه وصم اذنيه فلم يسمع بحملة الابادة التي يتعرض لها شيعة العراق من قبل القاعدة التي وجدت لها موطيء قدم وحواضن في المحافظات ذات الاغلبية السنية , ولم ير صورالذبح على الهوية ولا مهرجانات التحريض التي يتحدث فيها نواب محسوبون على السنة في الانبار ونينوى , ولكن لاغرابة في موقف مكين ولا في رسالة بعض اعضاء الكونغرس اذا علمنا ان هناك لوبيا سعوديا اسرائيليا يعمل على مستوى مراكز القرار ووسائل الاعلام في واشنطن لتشويه تجربة الحكومة العراقية والعملية السياسية والاحزاب الشيعية وبناء صورة ذهنية سلبية لدى الراي العام الامريكي .
     واذا كانت هذه الحملات متوقعة في الولايات المتحدة ولا غرابة فيها , فان من الغريب ان ينبري فريق من السياسيين العراقيين للتشكيك في جدوى الزيارة وتشويه صورة الحكومة لدى الراي العام الامريكي وغيره , بل يقف بالضد من تسليح القوات العراقية ثم يدعي هذا الفريق اللاوطني انه بموقفه هذا انما يريد اصلاح مسار العملية السياسية !! .
      لقد اوضح نائب الرئيس الامريكي جو بايدن ان مواقف بعض اعضاء الكونغرس ورسالتهم الى البيت الابيض من زيارة الريس المالكي ترتبط بالصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين اكثر من ارتباطها بالزيارة نفسها , كما اوضحت المتحدثة باسم الخارجية الاميريكية ان اي تلكؤ من واشنطن في التعاون مع العراق خصوصا في ملف التسلح سيفقد واشنطن احد اهم الدول التي لها مستقبل مؤثر في المنطقة كما يفقدها سوقا مهمة لصالح دول كبرى منافسة . نعتقد ان ادارة اوباما متفهمة لمطالب العراق بعيدا عن ضغوط اللوبيات لكن المهم هو الوفاء بالتعهدات , فواشنطن تنظر بالاساس الى مصالحها ثم مصالح اصدقائها وهذا ما حمل مرشد الجمهورية الاسلامية الايرانية السيد علي الخامنئي على وصف اميركا بانها دولة لايمكن الوثوق بتعهداتها تعليقا له على التقارب بين طهران وواشنطن .

أحدث المقالات

أحدث المقالات