الفشل صفة ربما تواجه الكثير من الاشخاص في حياتهم اليومية والعملية , وليس عيبا ان تكون فاشلا في مهمة كلفت بها او عمل يراد القيام به , ولكن العيب ان لا تقر بفشلك وانت تعلم به , عندما تكلف بعمل او مهمة ما , عليك ان تقوم بأنجاز المهمة او العمل قدر استطاعتك وامكانياتك حيث ان نسبة النجاح والفشل هنا تتوقف على النتائج الاخيرة ومدى مطابقتها لما هو مطلوب ومخطط له . في البلدان الغربية نرى ان المسؤول عندما يفشل في تحقيق هدف ما او عدم الوصول الى نتائج مرضية لعمله , يقوم بتقديم استقالته وكذلك يعترف امام وسائل الاعلام بانه فاشل ولم يستطيع تقديم ما هو افضل دون ان يحرج او يخجل من شيء ما هذا لا يعني في الكثير من الاحيان انتقاص من كرامته او النيل من شخصه , ولكن هذه هي امكانيته او قدراته , لهذا فأن مفهوم الفشل في الغرب يختلف تماما عن مفهوم الفشل عند العرب وبالذات في العراق , فهم اي الغرب لا يعتبر الفشل صفة سلبية بل ان الاعتراف بها صفة ايجابية لكي يتم التصحيح بعدها سواء من قبل الشخص نفسه او من البديل وهكذا تسير الامور بشكل طبيعي والامثلة على ذلك كثير . ولذلك استطاع الغرب ان يتجاوز الكثير من الاخفاقات ويسير في طريق التقدم و التطور ولكن فشل المسؤول في العراق يعني تهمة مخلة بالشرف والعار والويل لمن يعترف بها او يقرها فهذه التهمة ربما ستلاحقه طيلة حياته وسيدفع ثمنها اجياله من بعده . وهذه الحالة لها اسباب عديدة منها ما يتعلق بطبيعة الشخصية العراقية على وجه التحديد فهي شخصية مضطربة تتسم بالازدواجية في الكثير من المواقف لكون الطبيعة البدوية لا زالت مترسخة في جذور هذه الشخصية ومعروف ان الشخصية البدوية تتسم بالعناد وعدم التنازل والاعتزاز بالأثم , وانصر اخاك ظالما او مظلوما , حتى وان كان الثمن باهض . وقد تناول هذا الموضوع الكثير من الباحثين الاجتماعيين على راسهم ابن خلدون وصولا الى الدكتور علي الوردي , والاخير تناول هذه الشخصية بشكل موسع ودقيق حيث وصل في بحثها ودراستها الى ادق التفاصيل .
نعود الى عنوان الموضوع . السيد المالكي مضى على رئاسته للحكومة ما يقارب السبع سنوات بدورتين كما هو معلوم ومن خلال متابعة ومراقبة بسيطة وبحساب الارقام فان السيد المالكي لم يقدم أي انجاز يذكر على الصعيد الامني والخدمي على حد سواء ناهيك عن الامور الاخرى ولكن لكون هاذين الامرين هما ما يشغل اهتمام المواطن فقد تطرقت اليهما دون البحث في الامور الاخرى والتي في الحقيقة لا تقل اهمية عن الامرين السابقين , على اية حال اريد ان اتعامل هذه المرة مع لغة الارقام لكونها اللغة الوحيدة والصحيحة والتي لا يختلف عليها اثنان فلغة الارقام هي افضل طريقة للمقارنة بين حالتين , فهي لغة مجردة من العواطف والانحياز والمحاصصة فيما يتعلق بالوضع الامني , تم تخصيص اكثر من 150 مليار دولار نفقات الى وزارتي الدفاع والداخلية خلال فترة حكم المالكي ولم يتحسن الوضع الامني الا قليلا (((( علما ان مبلغ بهذا الحجم الضخم يجعلك تسير في غابات افريقيا وانت سالم مطمئن من مهاجمة الاسود ))) وهذا التحسن النسبي الذي لا يكاد ان يذكر هو ممكن ان يكون طبيعي حتى بدون وجود حكومة اصلا , لان طبيعة الحياة ترفض الاستمرار على وضع سيء مستمر الى ما لا نهاية والا كانت قد توقفت مسيرة الحياة منذ زمن بعيد والانسان في طبيعته خالق للمتغيرات الجديدة في حياته لادامة واستمرار الحياة. واذا ما قارنا وضع بغداد بالسابق أي في عامي 2006 و2007 فهي ليست افضل بكثير, السيطرات الامنية والصبات الكونكريتية وغلق الشوارع والطرق بالاضافة الى الخروقات الامنية المستمرة شوهت صورة بغداد حيث نجد ان بغداد الان عبارة عن مدينة لا يمكن ان تحمل هذا الاسم العريق , وعلينا ان نبحث لها عن اسم اخر, فهي مدينة مخربة في كل شيء , مدينة مقطعة الى اوصال بحكم السيطرات الامنية المتعددة في كل شارع ((( علما ان السيد المالكي قد وعد بتخفيض عدد السيطرات الامنية في بغداد الى النصف بعد انتهاء مؤتمر القمة ولكنه عمل العكس , حيث اضاف نصفا اخر الى عدد السيطرات وهذه احدى اكذوبات المالكي التي ما عدنا نحسبها لكثرتها ))) , عمليا الاغتيالات مستمرة دون توقف وتطال اعلى المستويات من ضباط وشخصيات مهمة من اساتذة جامعات وصحفيين وموظفي الدولة , دون ان يكون هناك أي اكتراث او رادع يذكر من الاجهزة المختصة فقط عندما يحصل شيء من هذا النوع تقوم السلطات الامنية بغلق الشوارع لفترة محددة يدفع ثمنها المواطن من اعصابه وصحته وبعدها يخرج لنا بديل قاسم عطا ليقول انه لا يوجد اختراق امني !!! علما ان السيد المالكي هو المالك الشرعي الوحيد لهذه الاجهزة الامنية من الاف الى الياء , لغة الارقام تحدثنا ان العراق من اسوء خمس دول في العالم من الناحية الامنية , هذا بعد سبع سنوات من حكم المالكي !! لغة الارقام تشير الى ان الموظف العراقي هو من أ سوء موظفي العالم من حيث الانجاز وتقديم الخدمات حسب تقرير احدى المنظمات العالمية المختصة في هذه المعايير وهذا شيء طبيعي لان الموظف العراقي يصل الى وظيفته متأخرا بسبب الشوارع المزدحمة ويعود متأخرا الى بيته للسبب نفسه فكيف يستطيع ان ينجز ما هو مطلوب منه , العاصمة بغداد هي من اسوء واوسخ ثلاث مدن في العالم حسب تقاريرمنظمات معترف بها دوليا , والذي يتجول في مدينة بغداد وشوارعها الان تصيبه الخيبة والاحباط , انا شخصيا لا اتصور ان هناك مدينة اوسخ من مدينة بغداد في كل عواصم العالم للاسف الشديد , العراق يستورد كل شيء في مجال الزراعة والصناعة وهو بلد طارد للصناعة والخبرات والعلماء حسب التقارير الدولية وهذا ما هو موجود على ارض الواقع . ((( بعد ان كان يستقطب الكثير من الشركات العالمية للعمل على ارض العراق وكانت مساهمة القطاع الحكومي والخاص في القطاعين الزراعي والصناعي لها الدور الكبير في تلبية احتياجات المواطن من السلع والخدمات )))). بلغة الارقام العراق الان خالي من دور الثقافة والفنون والمسرح ودور السينما والملاعب الرياضية والمتنزهات بل ان بغداد خالية حتى من رياض الاطفال ولا توجد أي اماكن ترفيهية جديدة بأستثناء ما هو موجود سابقا أي في عهد النظام البائد , لغة الارقام تشير الى انتشار الامية والتي وصلت الى رقم خطير حسب تقارير وزارة التخطيط , لغة الارقام تتحدث وبشكل مخيف عن ظاهرة التسول المنتشرة في شوارع العاصمة ,ناهيك عن الفساد الاداري والمالي المستشري في دوائر الدولة بالاضافة الى الروتين والبيروقراطية الملازمةلاجراء ابسط معاملة , هذا كله يحصل في عهد حكومة المالكي … ليس الغرض من كتابة هذا الموضوع هو الانتقاص من السيد المالكي او الاساءة الى شخصه ولكن الرجل هذه امكانيته وقدرته فهو لا يصلح ان يكون رجل دولة لكونه رجل سلطة فقط فهو زعيم اكبر كتلة برلمانية في مجلس النواب والمسؤول الاول عن السلطة التنفيذية والقائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء ووزير الدفاع والداخلية . ومع ذلك لم يقنع العديد من العراقيين بأنه ممكن ان يصلح رئيس وزراء , بالرغم من كل هذه الصلاحيات الممنوحة له , يتحدث في وسائل الاعلام انه مقيد لا يستطيع عمل شيء هل يعقل هذا ؟؟ ((( ولكنه استطاع ان يمنع دخول نائبه صالح المطلك من الجلوس على كرسيه فقط لكونه اتهمه بالدكتاتور))) !! . لا يخفى على احد ان نجاح الحكومات في كل انحاء العالم يحسب الى رئيسها , فعلى سبيل المثال ان دولة مثل ماليزيا لم تنهض الا في عهد رئيس وزرائها مهاتير محمد فهو صاحب الأنجازات والمشاريع الكبيرة في فترة الثمانينات واستطاع ان ينقل ماليزيا من دولة فقيرة الى دولة صناعية بحكم عقليته الاقتصادية والاستثمارية كذلك الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم حيث قدم انجازات عظيمة وخالدة خلال فترة قياسية لا تتجاوز الخمس سنوات علما ان الزعيم كان يواجه اعداء في الداخل والخارج منذ انطلاق ثورة الرابع عشر من تموز, الا انه قدم منجزات لازالت شاخصة الى يومنا هذا , ولدينا مثال اخر وهو رئيس وزراء لبنان الاسبق المرحوم رفيق الحريري استطاع ان ينتشل بيروت من اثار الحرب الاهلية وينقلها الى عالم الانفتاح والتطور بحكم العقلية الاقتصادية والاستثمارية التي كان يمتاز بها . نحن بأمس الحاجة الى مثل هكذا رجال دولة يعرفون جيدا ما هي الاسس والقواعد التي تبني الدولة , ولسنا بحاجة الى رجال سلطة ورجال شعارات فارغة ونظريات بعيدة عن الواقع وتبريرات زائفة ووعود كاذبة .
[email protected]