18 ديسمبر، 2024 8:35 م

الماضي مرآة المستقبل

الماضي مرآة المستقبل

تداول خبر بناء مصادم ابن فطين المصري لدى كلّ قطاعات الشعب المصريّ بجميع فئاته، ولولا نصْرة مهديّ لهم مِن قبل إبان ثورتهم المجيدة ضد الرئيس المعزول، وكذلك نصرته لاتحاد المقاومة الفلسطينية، ونجاحه المتفرد في التوافق بين كآفّة أطياف الشعب على اختلاف مِللهم ونِحلهم ومذاهبهم تحت مظلة المواطنة لارتابوا في أمر بناء المصادم، واعتبروه أمرًا سيفاقم من فقرهم أكثر وأكثر؛ بل قد تتطرف ظنونهم لأكثر من ذلك بأن يعتبروه حجة يتعلل بها مهدي من أجل فرض ضرائب عليهم.
ومما حفزهم على الثقة في مهدي أكثر وأكثر هو الدور الذي قدمه الساسة المصريون وأئمة المساجد وقساوسة الكنائس وخبراء الاقتصاد من أجل إقناعهم بجدوى بناء المصادم بمصر، كل منهم يتكلم من خلال إيمانهم بالرئيس مهدي وقناعتهم الشخصية بجدوى بناء هذا المصادم.
ومما قاله خبراء الساسة والاقتصاد لهم بأن العالم على مشارف حرب نوويّة، وعلى ذلك سيكون محل نظر أصحاب القرار من الدول المتحاربة، وكذلك باحثوهم وخبراؤهم بسبب الطاقة الجديدة التي سيعمل بها -ألَا وهي 400-500 تيرا إلكترون فولت- هذه الطاقة قد تُسخر لصنْع سلاح قد يكون له كلمة الفصل في ترجيح إحدى الكتلتين على الأخرى في الحرب النوويّة المحتملة بينهما.
وبذلك قد بوءوا لمهدي قاعدة عريضة يتكئ عليها ينطلق من خلالها لضم ما تبقى من أموال الشعب المصري إليه ليبني به المصادم.
فضلاً عن هذا التدشين؛ فهناك عوامل أخرى يتكئ عليها مهديّ، وهي أنّ صاحب الابتكار ابن الوطنيّ الشهيد -فطين المصريّ- والذي كُرم في قلب ميدان التحرير.
أما محاولة اغتياله في جنيف كانت بمنزلة كلمة السرِّ أو المفتاح الذي فتح قلوب هذا الشعب الفقير العريان له آنذاك فأحبوه وقلدوه الثقة.
أمّا أصحاب القلوب المريضة فتواروا خلف ألسنتهم المعسولة، وبسماتهم الزائفة، وظلوا يتشدقون عبر وسائل الإعلام بجدوى بناء المصادم في حين إن قلوبهم تمتلئ غيظا من ثبات الرئيس مهدي، وثقته في نفسه، وقوته التي ما بلغها رئيس مصري من قبله.
وبعد تأهيل نفوس للشعب إزاء بناء المصادم شرع مهديّ للقيام بأول خطوة لدعم المصادم، فأرسل يتعجّل البنك الدوليّ بشأن قرض العشرين مليار دولارًا، وأرسل كذلك إلى الروس والاتحاد الأوربي.
وبدأت المفاوضات، وقد استمرت بضعة أشهر، تأكد مهدي خلالها أن كل هؤلاء متشدقون، فأخذ قرارًا أضمره في نفسه ولم يبح به حتى تأتي اللحظة المناسبة، ولما جاءت تلك اللحظة أعلن عنه -وهو الخطاب الآتي- وبإعلانه عن الخطاب تحفزت بعض الدول لسماعه بسبب دورهم المخزي تجاه الدعم الخاص ببناء المصادم، ومن بين هؤلاء دولة إسرائيل، وقادة اتحاد المقاومة الفلسطينية، والولايات المتحدة الأمريكية، والروس، واليابان، كما تحفز أيضًا بعضُ فيزيائيي العالم -كعالم الفيزياء الياباني ميتشو كاجيتا- ورئيس جامعة بيركلي. وكذلك مدير صندوق النقد الدولي، هذا بالإضافة إلى فهمان -صاحب المشروع الأصلي- وجاك صديقه، والشعب المصري.
والآن الخطاب المنتظر..
«أيّها الشعب الكريم سلام عليكم، أنا ألوذ بكم، فهل تغيثوني؟……
امتد يد الشعب قاطبة نحو التلفاز وكأنهم يلبون نداءه بالفعل.
…..أنا واثق أنّكم أهل نخوة ونبل وشجاعة، وسوف تمدّون أيديكم لتضعوها في يدي لنسير معًا نحو حركة إصلاح اقتصادي مستنير. قبل أن أخبركم ما أريده منكم أريد أن أعلمكم بالتفصيل مماطلة البنك الدوليّ، وكذا كلّ الجهات التي أبدتْ رغبتها في دعم بناء مصادم FCC-2، تعرفونه طبعًا، كما تعرفون كيف كانت أمريكا حريصة على بنائه في أنفاق أراضيهم، وهذا لا يمنع بأن كثيرًا من الدول الغربية تود تحقيق هذا الأمر على أراضيها أيضًا، كسويسرا….
لمّا سمعها رئيس جامعة بيركلي تحسّر توجعًا، فكم كان يرجو أن يُبنى على الأراضي الأمريكية.
….أقول لكم الحكاية من البداية أم النهاية؟ أقولها من البداية أفضل. بداية، طلبنا من المصرف الدوليّ قرْضًا بقيمة عشرين مليار دولارًا كدفعة أولى للإنفاق على المصادم، وردّ المصرف بأنّه سيبحث الطلب، وانتظرنا ردهم لكن للأسف لم يردوا. فأرسلنا إليهم؛ فصارحونا بأن هناك بعض العقبات لصرف هذا القرض، قلت لهم كيف ذلك؟ فتمتم لي مندوب البنك الدوليّ ثمّ طلب مهلة أخرى، فأحسستُ أنّه يماطل أملا في نصْب فخٍّ لنا، فلا أجد مبررًا للتأجيل أو المماطلة إلا إنها لا تتصرف باستقلالية….
رئيس صندوق النقد معلقًا وهو يشاهد الخطاب: «نحن لسنا جهة ذات سيادة يا مهديّ، وأنت تعلم ذلك فِلمَ تكابر؟»
…قلتُ في نفسي، ننتظر، بعد فترة أرسلوا إلينا بأنّ الدولة المصريّة ليس لديها موارد لتسدّد قيمة القرض، فضلاً عن أنّ الدين المحليّ كارثي، فالدولة اشترتْ وما زالت تشتري سندات كثيرة من البنك المركزيّ. قلتُ لهم لا دخل لكم بشئوننا الداخليّة، باختصار أنتم تتعلّلون بحجج واهية، أنتم تماطلوننا، وقلتُ لن أعجز أبدًا عن سداد القرض الشهريّ، ولن يعجز الشعب المصريّ على الوفاء به، فطلبوا منا مهلة أخرى حتى يردون، وعلى الرغم من أن طلبهم للمهلة هو للتفكير في صرف القرض من عدمه إلا أنهم قالوا لي بالنص: «أليس لديكم شيئًا تفعلونه غير بناء هذا المصادم؟ إنّه مختبر يحتاج إلى أموال كثيرة لإنشائه كما أنّه يحتاج دعمًا ماليّاً بعد ذلك.»
ومن أجل إثبات وجهة نظرهم أردفوا: «الاتحاد الأوروبيّ ينفق على مصادم سيرن FCC-1 ومن قبله HLC، ألَا تعلمون ذلك؟»
قلتُ لهم تكلّموا فيما يخصكم فقط، عليكم تقولوا سنقرضكم أم لا.
رئيس صندوق النقد معلقًا: «قلت لكَ منذ قليل نحن تابعون ولسنا متبوعين، ثم أغلق التلفاز واكتفى بما سمعه.»
استأنف مهدي: «وانتظرناهم حتى يقولون كلمتهم. فجاء الرد بالموافقة على إعطائنا القرض في مقابل حقّ إدارتهم للمصادم من قِبل بعض العلماء الذين سيختارونهم يتقدمهم صاحب الفكرة -فهمان فطين المصري- وليس هو طلبهم الوحيد؛ بل طلبوا مني فرض ضرائب على الشعب.»
علق جاك عبر كلمة الرئيس الأخيرة: «إنّ علم فهمان أكبر مما تتخيّلون، لا أنت يا مهديّ تعرف حجم عبقريته، ولا صندوق النقد، فهمان لو أراد أن يحتل العالم كله بعلمه لفعل.»
استطرد مهدي: «قلتُ سبحان الله، ألم يكن المصادم بالنسبة لكم مصدر رفض لأنّه عائل يحتاج إلى الإنفاق عليه؟، وما يفاقم من المشكلة أنه لا يدرّ ربحًا، والآن تريدونه تحت سيطرتكم! ثمّ قلت لهم: وأيّ ضرائب أفرضها على شعب يسكن الكهوف والورق والجحور ويشرب من ندى الثرى، ثمّ قلت لهم: أنتم من الآخِر تريدون التحكم في قرارنا! تريدون التدخل في اقتصادنا! تريدون التدخل في حياتنا! علق مندوب البنك بأننا فهمناهم خطأ. قلتُ لا؛ بل أنا فهمتها صح، لا جرم، فهمونا أنتم الصواب. ردّوا بأنهم لو أداروه سيحقق أرباحًا طائلة، فالعلماء سيأتون إليه من كلّ العالم لأنّه أول مؤسسة علميّة يديرها بنك. قلت: لو أدرتموه أنتم سيحقق أرباحًا، ولو أدرناه نحن سيكبّدنا خسائر، عامة ليس لكم شأن بعلماء الأرض جميعًا أنا أعلم جيدًا كيف يأتون مصر. فقالوا بأن هذه شروط البنك، والبنك يستشعر أنّكم لا تحبّون التعاون معه، أي أنّكم تطلبون القرض ولكنّكم لا تريدونه على الحقيقة، لماذا..لا يعرفون. قلتُ: أنا الذي أماطل؟!
فسكتوا ولم يردّوا.»
سكت مهدي بضع لحظات يمسح جبينه ليستعد للدفعة الثانية من الكلام: «قررتُ والمجلس العسكريّ ترْكهم قليلاً لعلّهم يرجعون إلينا ويكونون جآدّين في دعمنا بديلاً عن هذه المماطلات. نترك البنك قليلاً وسأقصّ لكم كوميديا ساخرة أخرى عن الروس….
كان رئيس روسيا جالسًا ومتوكئًا على كفّ يده اليسرى ومستندًا إحدى قدميه على الأخرى عند ذكر اسم بلده في الخطاب المتلفز، فأنزل قدمه ويده وحدّج في مهديّ مقدمًا نصف جسده العلويّ إلى الأمام قليلاً.
….حضر وفدٌ من الروس إلى مصر، واجتمعوا بنا، قالوا نحن علمنا بشأن البنك، وأنّه رفض التعاون معكم، ونحن أصدقاؤكم، ولا نريد أن نخسركم، فإنْ كان البنك رفض فنحن سوف نتعاون معكم. قلت لهم، ليس لكم شأنًا بصندوق النقد، اِطرحوا عرضكم، فقالوا بأنهم سيعطوننا القرض بشرط، ألا نشتري أسلحة من الأمريكان أو أحد من حلفائها، فأنتم على مدار تاريخكم تشترون منّا ومنهم، الآن فقط اشتروا منّا، منّا فقط. فقلت لهم، لو احتجنا أسلحة ووجدناها عندكم سنشتري منكم، ولن نشتري من الأمريكان، موافق. فقالوا، ممتاز، سنعطيكم نصف القرض فقط والنصف الثاني سنعطيكم به أسلحة. قلتُ لهم، سبحان الله، لا أريد أسلحة الآن، أريد الدولار، وهبْ أنّي أريد أسلحة فهل ستبيعون لنا ما نريد؟ لا جرم، لو افترضتُ بأنّي أريد سلاحًا نوويًا، فهل ستبيعونه لنا؟…
حدّق رامسفيلد في التلفاز وانكفأ بجسده إلى الأمام وأصابته حمى الانتظار عمّا سيجيب به مهديّ.
….تمتموا جميعًا، ونظر بعضهم إلى بعضٍ ثمّ قالوا لي بأنهم لا يستطيعون بيع السلاح النووي لنا….
لمّا سمع رامسفيلد ردّ موسكو جلس بأريحية تامة.
….وطبعًا أنتم تعلمون أنّ الروس داخل على حرب نوويّة ضد الأمريكان، وأنا مندهش أنّهم يريدون أن يبيعوننا أسلحة، إذ يتوجب عليهم شراء الأسلحة وليس بيعها، لكنّهم ظنّوا أننا أغبياء، هم يريدون أن يبيعوا لنا الراكد فقط. شعرتُ أنّ الأمر فيه خدعة أو مماطلة أيضًا، شأنهم كشأن صندوق النقد….
فور أن أنهى مهدي كلمته الأخيرة هاتف الرئيس الروسي وزير دفاعه قائلاً: «تخلّص من الأسلحة التقليدية بأيّ طريقة، أريد النوويّ، أريد النوويّ.» وأغلق التلفاز وهو يقول بتأفف: «رجل ثرثار.»