الذي عاشر الانكليز في بلادهم تسأل دائما : لماذا هم باردو الاعصاب , هادئو المزاج ؟ ولماذا هم قليلو الانفعال ؟ .. ولعل أهم سبب لذلك طريقة حياتهم , فحياتهم قائمة على النظام واحترام الناس , والعمل بحرية دون التعرض لحرية الاخرين , الكل يتبع قضاء حاجته وهو في صف واحد تلو الاخر , حتى الاطفال الصغار يٌعودون منذ صغرهم عدم التعدي أو الخروج من هذا الصف ولا فرق في ذلك بين الكبير والصغير , والغني والفقير , والعامل والمدير , بل كل في هذا الصف سواء.
اما نحن نخشى المستقبل ونخاف من الازمات وتقلبات الزمن , وقد كان شبح الحروب الماضية والاقتتال الداخلي يبعث الرعب في النفوس , وكثيرون الان يرتعدون عندما يسمعوا بها .. ولا ضرر من الخوف ولا ضير منه إذا اقترن بالعمل , اما اذا لم يَصحب بالعمل والمثابرة والأيمان فأنه يغدو أشد فتكا بالإنسان من القنبلة الذرية .. وقد نحتاج الى فترة نقاهة طويلة لنتخلص من رعب الدولة والخوف من دول الجوار وانتهاء بالخوف من المجتمع نفسه الذي انجب لنا بعد مخاض عسير ومعاناة طويلة الارهاب والميليشيات والجماعات التكفيرية والفساد الاداري والمالي .
معظمهم يخاف من المستقبل لأنه لا يملك دار سكن أو لا يطمئن للعمل الذي يعمل فيه لأنه خارج اختصاصه , وآخرون لا يثقون بأنفسهم ابدا وهم عرضة للتشاؤم , وجماعة اخرى تشكو مرضا مزمنا مثل مرض السكري وإمراض القلب وضغط الدم , وثانية تحس انها مظلومة في عملها لأنها لم تكن يوما تحمل مسؤوليات وظيفية لتتمتع بما يحصل عليه المسئول من امتيازات مالية ومعنوية , وأخرى تعودت الشكوى على كل شيء , كثيرون هم الان المرضى بهذه الامراض التي ولدت لهم داء ( عدم الثقة بالنفس ) الداء الذي يعطل مواهبهم ويقضي على نشاطهم ويدفعهم لان يكونوا في الصف الاخير وليس في الصف الاول او الصف الثاني .
والعامل الفعال هنا الخوف والفشل … نحن نخشى الفشل لسبب واحد بالغ الاهمية : اننا نخاف ما سوف يظنه الاخرون فينا عندما نفشل , ولا شك ان الفشل نتيجة محتملة في اية مهمة , وحتى اذا ادينا العمل بأنفسنا بصورة كاملة , فأن الظروف التي لا سيطرة لنا عليها تستطيع ان تؤدي الى فشل كلي او جزئي … ونحن نخشى الفشل في بعض المواقف حتى اننا نفضل الآ نحاول مطلقا بدلا من المخاطرة بالمحاولة.
وأخيرا ابتعد عن المخاوف ومشاكل الغد وبعد الغد وتفاءل بالمستقبل , وساعد نفسك يساعدك الله والطبيب , ولا تندب الماضي وتبكي على التاريخ لان صانعي التاريخ مجهولون .. ولا تفكر فيما اصابك من الفشل والمصاعب , ولا تذهب متحسرا على ما صرفته او ضيعته فيه , فالماضي قد مضى ….وعليك بالمستقبل للتعويض عما فاتك , وكما يقول المثل الايرلندي ( لولا الغيوم .. لما استمتعنا بأشعة الشمس ) .
مدير حسابات أقدم – شركة نفط ميسان