23 ديسمبر، 2024 1:15 ص

الماضي …. عقدة ام جسر للعبور

الماضي …. عقدة ام جسر للعبور

الماضي , الحاضر , المستقبل , لا بد لنا ان نتعاطى مع الظروف الزمنية الثلاثة على نحو من الحذر والدقة والاهتمام , فهذه الظروف تشكل مفصلا يطل على الواقع وحركته بقوة , فالمقدار الذي تفتح منه نافذة الماضي لا شك يجب ان يكون بقدر  يتيح لك الاخذ من الماضي ولكن دون ان يسيطر عليك , تاخذ منه العبرة والرؤية وان يكون قادحا لك ولغيرك العديد من الافكار المنتجة للخطى الصحيحة والتي يجب ان لا تتناقض مع عجلة الحاضر ودورانها التي انفتحت على نظريات ومناهج ورؤى وتحديات ومنظومات معرفية لم تكن موجودة في الماضي , وهنا لابد من معرفة سمك الحبل الذي يربطنا بالماضي فضلا عن ذلك يجب معرفة حقيقة ما نستدعيه من الماضي , وهنا انا لست ضد الماضي الاسلامي , لست ضد ما ورد في المرحلة الاولى من انبثاق الاسلام , ولكن بنفس الوقت انا لست مع من يقبلها بكلها بما فيها , وايضا لست ضد ما ورد في التاريخ الاسلامي القريب وما اختلجه من تشنجات وغموض , ثم ما هو المعيار في استدعاء محطات من تلكما المحطتين ,ارى ان الاستدعاء الاقوى هو ما حصل بالمرحلة الاولى من فجر الاسلام وخصوصا بعد صعود النبي الى الرفيق الاعلى وما صاحب وفاته من احداث البعض يسميها انقلابا واضحا على الشرعية والاخر يعطيها مسوغات وبراهين لا يعتقد بها رافضوا الانقلاب , المهم والاخطر ان ثيمة الخلاف في هذه المساحة الزمنية الضيقة ما زالت تعيش وتشكل عنصر بناءا للكثير من المواقف وعنصر تصنيع للكثير من الايديولوجيات وعنصر تعاط مع الاخر وفقا للمتبنى والمنحى المنبثق من ذلك الخلاف , وهذا الخلاف والعيش في الماضي الذي ولد فيه الخلاف يشكل نفقا مظلما ولدت بسببه الكثير من الامور التالية :
اولا : اريقت بسببه الكثير من الدماء على اختلاف صفحات التاريخ ؟
ثانيا : توجيه الدراسات والجهود التاليفية والبحثية في مجالات الانتصار للمواقف المنبثقة عن الخلاف الحاصل في تلك المساحة الزمنية بعد وفاة النبي (ص) .
ثالثا : عدم الاشتغال في مساحات بحثية من شانها اعمار الحياة والاخرة معا , وارى ان مساحات التكتم عن الكثير من الماثور المقدس (قرانا وسنة) لو اطلق سراحه لغير الكثير من المفاهيم والرؤى فضلا عن تغيير الهوية الستراتيجية للاسلام الحالي.
رابعا : الاشتغال البحثي وبشكل ملفت للنظر في مساحات تخص الارهاب والقتال والجهاد والعنف ونبذ الاخر على حساب الحب والتسامح والرحمة والايثار واعمار الحياة وبنائها وذلك ما تقوم عليه الفلسفة الاسلامية (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين).
خامسا : ايجاد مبان فقهية واصولية تنتصر لكلا الطرفين , ما يخلق غلوا وتطرفا لدى الجانبين .
سادسا : تربية جيل من الشباب بناءا على المتبنيات الفقهية اعلاه , وهذا بحد ذاته يشكل خطرا كبيرا اذ يجعل من الشباب يعيش في اجواء الماضي فكرا وشكلا , وما نلاحظه من لباس الارهابيين لا يحتاج الى دليل وبرهان فضلا عن سلوكياتهم .
اما فيما يخص التاريخ الاسلامي القريب ارى وعلى النحو الشخصي وتحديدا بعد الخلاف في بدايات القرن العشرين بين محمد رشيد رضا (صاحب المنار) وفرح انطوان الذي كتب في فلسفة ابن رشد منطلقا لخلاف كبير بين السلفية الاسلامية المتطرفة (والتي تشكل جماعة الاخوان المسلمين بدايتها) وبين السلفية الاسلامية المستنيرة , فالاولى لا تملك الحياض الفكري الذي يدعم ما لديها امام الثانية المستنيرة لذا لجات الى تحريك النصوص التي تستعطف وتحرك المجال الشعبي وحصل لها ما ارادت , وهذا الخلاف له ارتدادات موجية على مدى عقود القرن الماضي وحتى الحالي وتختلف هذه الموجات قوة وضعفا وفقا للحراك الاقليمي والدولى ووفقا للجهات المحركة والبراغماتية الدولية , ومع بداية هذه المرحلة الخلافية بدات حالة من الانتقائية الواضحة في استدعاء مساحات محدودة من التاريخ الاسلامي تتلائم مع طبيعة المحمولات الايديولوجية والمذهبية وهذا يعطي مؤشرات عديدة منها : تغليب الاسلام كتاريخ على الاسلام كنص , بروز صنمية جديدة للاشخاص على حساب الاسلام كشريعة ومنهاج , العمل على تدوير عجلة البحث والدراسة في مجال ليس من شانه تقدم الاسلام والمسلمين واقصد الخوض بالمسائل الخلافية (من اولى من من , هذا اسبق بالاسلام من هذا , وغيرها) وهذا يجعل الهامش متنا وبالتالي يكون التراجع حتميا , تثوير الكثير من النصوص الحديثية بغير اتجاهها الصحيح , عدم الاشتغال بشكل صحيح على بناء منظومة وعي بمكامن فلسفة الدين الاسلامي الحقيقي القائم على اسس انسانية بل العكس تم فسح المجال امام منظومة وعي منخفض جدا يقوم على اساس (بعثت بالسيف ونصرت بالرعب) والتقول على لسان النبي (ص) , احلال التدوين محل التاليف وبنسبة كبيرة واقصد هنا ورود تعليقات كثيرة على كبار الكتب في المنظومة الاسلامية ما جعل عملية الابتكار في التاليف بطيئة وغير مجدية على حساب التعملق بالتاليف والتجديد ضمن الساحة الغربية وهذا بدوره اجاد في بناء نهضة غادرت الماضي وعاشت الحاضر لاجل مستقبل واع متطور , فضلا عن مؤشرات اخرى يضيق بها المقام , والمسالة الاخرى وكما ارى هي عدم فهم الحاضر ومتطلباته وتركه يمرح في عالم الماضي دون الولوج الى حركة النشاط الفعلي الذي يدخلك الى المستقبل وهذا ما يحتاج الى بناء عدة مرتكزات منها : النظر الى ادوات الحاضر عند الحضارات والدول والثقافات المتقدمة والاخذ منها على نحو اقتباس التطبيق ولا مشاحة في ذلك كما ارى مع الاحتفاظ بثيمة الهوية , وهذا يحتاج الى جهد افقي جمعي جبار وضخم .