المتعارف عليه والمتوارث هو “الماء والخضراء والوجه الحسن” , فالماء الجاري واللون الأخضر والوجه الحَسن الطلعة , يذهبن الحزن عن القلب ويجلين البصر.
والواقع أن وفرة المياه الجارية في نهرين خالدين , وكثافة النخيل الباسق , يساهمان ببناء البلد الآمن السعيد , ولهذا إنطلقت الحضارات الأولى في ربوعه.
ومنذ مطلع النصف الثاني من القرن العشرين , تكاتفت الجهود للنيل من اللون الأخضر , ولمعاداة النهرين وتحويل مياههما الرقراقة الصافية , إلى مكب للنفايات ولمياه الصرف الصحي.
وإنطلق العدوان على النخيل بإقتلاعه وتجريف بساتينه , حتى تناقصت أعداده إلى أقل من النصف.
وسرقت أجود أصناف التمور , وتوطنت بلاداً أخرى , إستثمرت ببساتينها وصارت تنتج ما يضاهي تمورنا ويتفوق عليها بالعناية والتعليب المتطور.
ويبدو أن الكراهية للون الأخضر أصبحت ثقافة مجتمعية , خصوصا بعد أن طغى اللون الأسود في ثمانينيات القرن العشرين , وصارت اللافتات السوداء تغطي الحياطين.
وتفوق اللون الأسود بعد تلك الفترة , حتى إبتلع معظم الألوان الزاهية , وصرنا ضحايا اللونين الأبيض والأسود , وتناسينا اللونين الأخضر والأزرق , حتى السماء ما عادت كما كانت في عيون الناظرين إليها في الليل والنهار.
وبسبب فقدان اللون الأخضر في ربوعنا , إنطلقت نوازع تأكيد الألوان الداكنة وعلى رأسها اللون الأسود , الذي يساهم بتأجيج أوجاعنا , وتعكير أمزجتنا , وإطلاق مشاعرنا السلبية , وتأمين الغضب المستدام , والعنفوان والإنتقام.
الحياة تنتعش بالأخضر والأزرق , وتضمحل بالأسود والأبيض , فهل لدينا العزيمة الوثابة لإعادة اللون الأخضر لأرضنا , والتغني يجمالها وروعة مروجها , وعطائها العميم؟!!
فازرع ولا تقطع!!