هناك مبدأ ثابت في المؤسسات العسكرية، يدركه القادة والضباط في وحدات الجيش، إذ هو مبدأ معمول به مذ كانت الجيوش تقاتل بالسيوف والرماح، ويعتلي الفرسان في ساحات الوغى صهوات الخيل، حتى يومنا هذا الذي صارت فيه أسلحة الجيوش تدار بأنظمة إلكترونية عن بعد آلاف الأميال، وبأجهزة تعمل بدقة عالية بأشعات تحت الحمراء وفوق البنفسجية، ذلك المبدأ يحكم بان صنف المشاة هو سيد الصنوف جميعها. أما سبب كونه سيد الصنوف فلأن حسم أية معركة لايتم إلا بتدخل صنف المشاة الى ميدانها، حتى لو كانت باقي الصنوف –كالدرع والمدفعية والقوة الجوية- قد سبقته في معالجة الأهداف المعادية، لاسيما اذا كانت معارك مدن.
إن الأمر الذي حدث في محافظات الموصل والأنبار وصلاح الدين وبعض مدن محافظة ديالى، أمر معقد من حيث تعبئة العصابات المسيطرة هناك عناصرها على مداخل المدن ومخارجها، وتغلغلها في أصغر محالها، وانتشارها في شوارعها، إذ أن قياداتها يدركون جيدا صعوبة تحرير المدن التي تتخللها عناصرهم، حيث لايمكن استخدام قوة عسكرية جوية او برية لشن هجوم على مدينة آهلة بالسكان، كمدن الموصل او نواحي سهل نينوى وقراها المكتظة بالسكان، كذلك مدن الفلوجة والرمادي وديالى ذات الكثافة السكانية العالية. وبذا لن يكون من السهولة تحرير ماوطئته أقدام عصابات داعش بالسلاح الجوي او المدافع بعيدة المدى وحدها، فالمشاة هم الذي يحسمون المعركة صغيرة كانت أم كبيرة!.
أمريكا وهي تحشد دوليا لضرب مواقع العصابات المتمركزة في غرب وشمال غرب العراق، من المؤكد انها تدرك هذه الحقيقة جيدا، أي أن سلاح الجو والمدافع عابرة القارات وبعيدة المدى، سيكون لها دور فاعل في ضعضعة مراكز قوة داعش، وتدمير آليته وآلته الحربية، وصحيح انها ستساعد كثيرا في قصم ظهره، بانهاء قدرته على إمداد وحداته المنتشرة بشكل واسع في الأراضي العراقية التي وقعت تحت سيطرتهم، إلا ان الجانب الأمريكي متحفظ من إرسال قوات برية الى العراق، مخافة الدخول من جديد بمعارك على الأرض قد توقع في صفوف الجيش الأمريكي خسائر بالأرواح، وهذا واضح بكل صراحة في النقاط الرئيسية لخطاب اوباما الذي ألقاه من البيت الأبيض، والذي نقله كيري في مؤتمر جدة الذي عقد قبل أيام قليلة في السعودية، إذ ورد في إحدى نقاطه: “سنرسل 475 مستشارا كقوة اضافية الى العراق. هذه القوات الاميركية لن تكون مهمتها قتالية، ولن نسمح بان ننجر الى حرب برية اخرى في العراق”. إذ سيقتصر تدخله العسكري حسب ماجاء في نقطة ثانية من خطابه: “هدفنا واضح.. سوف نضعف تنظيم الدولة الاسلامية وصولا الى القضاء عليه من خلال استراتيجية شاملة ومستديمة للتصدي للارهاب”.
من هذا كله على قادة المؤسسة العسكرية العراقية، ان يحسبوا حساباتهم بأن العراقيين من وحدات الجيش، لاسيما صنف المشاة، تساندهم قوات الحشد الشعبي، وحدهم هم القادرون على حسم أمر تحرير الأراضي العراقية ولاغيرهم، وسيكون لهم القول الفصل في إعادة كل شبر قبعت عليه عصابات الأوباش، وهو أمر سيثبت ان من خان العراق وخذله قبل ثلاثة أشهر بموقف مخزٍ ومشين، ليس له مكان على تربته، وسيركله الجندي العراقي المشاة بـ (بسطاله) رافضا وجوده على أرضه، وعودته الى ماكان عليه بتوبة او ندم عن فعلته كائنا من يكون! وعلى قادتنا عدم التسامح وطي صفحات ماضي هؤلاء ثانية، فكما يقول مثلنا: (لا المي يروب ولا….).