كنت ضيفا في إحدى مراكز الدراسات العلمية، في مدينة من مدن بلادي، بالتزامن مع زيارة السيد النائب فلان الفلاني. حيث تم استقباله بحفاوة مزعجة، ومصطنعة جدا، بينما تراكم عليّ تراب الأحذية، بسبب الهرولة الناشبة، من استقبال سيادته. وما يضيرني أكثر، حين جلس ثلة من الدكاترة، والعلماء أمامه، ممتلئين خوفا وريبة، مستيقظين لما لا يروق له في زوايا المكان، وبان تشحب الوجوه والنظر في ما بينهم، متسألين هل أخطأنا في شيْ؟ هل الامور على ما يرام ؟.
حتى بدأ الحديث، هو طبعا، منتقدا الواقع الأكاديمي في البلاد، وراح يعطي النصائح والانتقادات في مسير العملية والتعليمية، مما اتضح انه لا يملك من المؤهلات الورقية شيئا، ولا الخبرة، لكن ما جعله سلطان الجلسة، هي أمواله التي تدعم هذا الصرح الأكاديمي .
هنا عندما توُضع الثقافة، والخبرات، وجميع السنوات التي يقضيها الطالب، في أروقة المعاهد والجامعات، بحثا عن العلم، تحت أقدام المسؤول. ويختل كف التوازن، بين المثقف الناضج، والسياسي التافه، تختلف المقاييس جميعها. سوء الحظ والتخطيط، المؤدي إلى شراء خدمات المثقف، أمام حفنة من الدراهم التي تسد رمق جوعه، تساهم في نضوج الفكر المتأخر، الذي يقود البلاد في ما بعد .
في اليابان حينما ترى ضجة في الباص، ورجل جالس يتهاون عليه لتقبيل يده، اعلم انه معلم! تكريما له ينهض الجميع، ليختار مكان جلوسه. هكذا تقدمت الأمم وشقوا طريقهم إلى الإبداع. دور المثقف في بناء مجتمعه، لا يقتصر على إنتاجه الفكري فقط، بل المشاركة في صنع القرار، والتقييم للعاملين على سدة الحكم، بطرق متعددة. القلم سلاح عندما يُشهر أمام الخطأ، يعدل كفة الميزان، ويرسم طريقا ناصعا، يرفض الخضوع لسلطانة الجاهل.