23 ديسمبر، 2024 7:28 ص

المؤمنون الجدد .. عباءة شرعية تحت خباء سياسية

المؤمنون الجدد .. عباءة شرعية تحت خباء سياسية

خواء الفكر في مواءمة العصر وصيرورة الواقع واستقراء القادم هو الامتياز المكنون في اجتماع الازدواج العربي الاسلامي حتى اصبح الفرد في بيئة اجتماعية جاهلية هجينة وبات لا يملك اي مقومات فكرية او معرفة ادراكية تمكنه من تأمل الذات وصولا الى النقد الموضوعي بعد ان أُبلس فاصبح مطية للتلقي تحمل تركة ثقيلة ملؤها التخالف من سفر غابر في موروث نسجه المسطرون بعد قرنين من اصل الابتعاث لتبقى القطعان في عالم النصوص والمدونات لا تستطيع ان تخرج من شرانقها الا الى عالم اعتقادي افتراضي بدون ان يمر بعالم الحدث ومتطلبات التحدي والتجاوب التي تكتنف اسرار الحياة والوجود؛ وفي كل عصر وزمان تظهر تلك الطبقة العمائمية المتوارثة الثرائية والتي تدعي انها تملك الايمان كله اشهادا على رؤوس الجحافل الغافلة المنقادة يصاعدون المنابر فيشدوا الرحال الى اسبار القرون الاولى الى امهات وبنات الكتب لادامة الانماط التي اغلقت اجتهاد العقل بالسذاجة والخرافة والتي أسرت بالسلف الصالح الى الحيز الذي لا يشغله أياً من العالمين وفتحت اجتهاد النصوص امام التفسير والتاويل لتحتكر القيام به من جيل الى جيل بالتقليد والتسليم والاصالة عبر الفتاوي والرسائل الفقهيه تحت ظل الخباء (الخيمه) التي يستظلون بظلها الوارث ويتقدسون بسرها ليركزوا اوتادها الثلاث؛ عباءة اسلام الاسياد وسياسة الوسيلة والغاية ليصلوا الى منتهى سدرة السلطة التي شرعت لهم متلازمة الصراع (الولاية والخلافة) من البعثة الاولى الى البعثة الاخرة.
المؤمنون الجدد طبقة فوقانية معتاشة ثرائية اصبحت جسيمة الخطورة على كيان الدول التي تستوطن فيها مجتمعيا واقتصاديا ارضا وشعبا وحكومة بسبب تنامي تطلعاتها السياسية بعد غياب سلطة الدول الشمولية التي ازيحت بعد الفوضى الربيعية التي تلاعبت بتوازن السلطة الذي كان يمنع ويحد من استمكان تلك الطبقة التي كانت في دور الانتظار والتربص بعد ان عبروا الحدود بمسميات المعارضة الايمانية وبقيت خاضعة ضمن التبعية الاقليمية والدولية فما ان وصلت الى السلطة حتى اخذت بتوسيع رقعها الجغرافية لتشكيل بؤر استيطانية وبدات باستقطاع الضواحي والمقاطعات والاقطاعيات لتثبيت حكومة الدويلات وتحشيد المجموعات المسلحة ليصبح لها جيوش تقاتل عبر الحدود بالنيابة؛ ولادامة هذا التطلع لا بد من استدامة الموارد والدعم المالي فاخذت تستحوذ على سوق المال والاقتصاد بتاسيس الشركات والاستثمارات والاستيلاء المباشر على المطارات والمنافذ الحدودية التصديرية والاستيرادية وانشاء المصارف بغية السيطرة على النقد والتلاعب به والتحويلات المالية المشبوهة وغسيل الاموال ثم انطلقت الى تاسيس الممثليات والسفراء ومكاتب الخارجية للمتاجرة بالاسلحة وترويج المخدرات والى ما نحن غافلين عنه من الاسرار ولكي يزيدوا غفلة الشارع عنهم يظهرون بين حين واخر من على المنابر الايمانية ليحدثوا اتباعهم من زخرف القول والموعظة الحسنة ويرفعوا شعار المؤامرة ضد الاسلام والمشروعية الحاكمية ونشر الفتن الناعمة ضد المعترضين ولكن وبسبب عدم اجتماعهم على كلمة سواء ومنهج عملي علمي حتى وان كان عقائديا وعلى مستوى الطائفة نفسها فقد فشلوا ايما فشل بعد الفضائح التي تتناقلها وسائط الاعلام والتواصل الاجتماعي في مدى التورط والتخبط الذي احاط بهم وهم يعلمون علم اليقين وبذات الصدور انه لم يعد بالامكان ان يعيدوا تدوير حلقات الموروث بسبب تعرضه الى انتقاد شديد وقاس حتى من داخل صنف المؤمنين الجدد انفسهم بعد ان فضحته وسائل التكنولوجيه الحديثة عندما اصبحت المدونات على مسمع ومرأى الجميع وهي تشيع التجهيل والتناقض وروح الكراهية والغضب وشعائر طقوسية مستهلكة وضياع كبير على مستوى الفكر والمنهج .
وبالطبع ادركت طبقة الايمان السياسي ووعاظهم بخطورة الموقف وبان الخباء التي يقبعون تحتها قد تكشف عوراتهم وينجلي بذلك ظل الشرعية فابتدعوا بعدا رابعا بعد الدين والسياسة والسلطة (الارهاب) ليكون بديلا رديفا عن الفكر والمنهج لتحشيد الجموع عقائديا وتعبويا وحركيا لخلق احتراب متعدد الاطراف يبعد الشبهات ويديم السلطة بحجة قتال المخالف والرافض فاكتسح العالم العربي الاسلامي هوس الجهاد بفتاوي الجهاد المتعاكسة لأجل ان يكون هناك دائما ما تسيل له الدماء فانتشرت بذلك القنابل الموقوتة الجاهزة للانفجار وحسب الطلب الذي ياتي من داخل وخارج الحدود وتفاقمت وبشكل خطير للغاية تنامي الجماعات والاحزاب الاسلامية المسلحة وقد حذر الكثيرين من ان تنامي نفوذها اخطر من الذين اغتصبوا الارض بوعد من ربهم وكان وعد ربهم علينا مكتوبا؛ هذه التنظيمات والاحزاب قد اوغلت في غيها الى الحد الذي جعلها ترفع راية تمثل كيانها ولا تمثل الدولة وعملت على التدخل في القرارات السيادية بحجة التحرير والمقاومة واستطاعت ان تؤسس علاقات دولية مشبوهة ولكنها تصرح بها علنا بدون اي خشية وان تلعب دورا مهما في المفاوضات التي تجري خارج الحدود التي تسيطر عليها ومع الدول المحورية الكبيرة وهذا ما اعطاها زخما سياسيا لم تحلم به حيث اخذت ترسم الخرائط والسياسات بمعية الدول الاقليمية المساندة والداعمة باموال ضخمة وبمشاريع التقسيم والاستحواذ عن طريق تحريك ادواتها الفرعية من هنا وهناك وبممارسات غير قانونية كالخطف وطلب الفدية والاتاوات لتفكيك وتفتيت سلطة الدول التي تثير فيها النزاعات والتمكين من تحريك الانظمة فيها وفقا لمخطط غير ممنهج تعده بتبعيات مرتبطة بانظمة عالمية وفق مصالح استراتيجية عليا؛ وتعدى طموحها الى ارتدادات على المستوى العالمي بافلات ما يسمى الذئاب المنفردة المسخ لتشيع قتل الابرياء لتوصل رسالة مستمدة من العمق الفكري الاستراتيجي لها باننا امة جاهلية شعارنا قران يهدي وسيف ينتصر ولا يوجد شك ان الجماعات التي تنشر الايمان الجديد ما هي الا امتداد تأريخي متاصل بالقاعدة التي انطلقت منها السلطة السياسية بعد رفض المجتمع المكي لمتطلبات السلطة الدينية الى ان رضخت سياسيا بعد ان تم التعرض الى مصادر التمويل المالي التي كان المتنفذون يسيطرون عليها وكان ذلك باتفاق سياسي مالي واضح اتفق فيه الطرفان على العطايا والضرائب المزكاة ثم بدأ صراع طويل على السلطة السياسية بعد ان تشظى المجتمع الى جماعات لا حصر لها ومن ثم بدات كل جماعة بتاويل النصوص لجعل الحق معها يدور حيثما تدور وليس مع غيرها وانهم حملة الرسالة النبوية والفرقة الناجية التي تحمل راية الشرعية لانهم قاب قوسين او ادنى من ان يكونوا انبياء في كل مكان وزمان وكل ما دونهم فهو باطل .
قول اهل الفكر والحكمة بان التاريخ هو اصل الواقع قول ذكي ينم عن مقاربة سايكولوجية عميقة ولكن لو عكسنا تجليات الواقع الذي نعيشه اليوم فكم منا يرغب في التاصل بالموروث الموبوء لكي يقبع تحت جمود الفكر في واقع عقيم لا يعطي حتى القيم الحضارية الانسانية اي دور وبالتاكيد فان الاغلبية الصامتة وبمحتوى العقلانية المنطقية فهم يرفضون تبعية التاريخ رفضا رهيبا فطوال قرون لم يتجلى الدين بالسياسة لينتج لنا منهجا عادلا رشيدا شاملا مانعا يحتذى به؛ ولهذا لابد من التجرد وايجاد فكرا تنويريا اخر ليسد الفراغ والا سيصبح الواقع فوضى ليست حتى خلاقة؛ ولابد من خلق هذا الفكر من معطيات الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحلية وليست المستوردة ليمكن تحرير العقل الجمعي من المترديات والمخلفات التي تراكمت عليه؛ وقبل ذلك على النخب الخاصة من المفكرين والمؤسسات البحثية ان تدق ناقوس الخطر باتجاه تنامي الجماعات المسلحة والزعماء المؤمنون الجدد وان تعد برنامجا ومنهجا ليكون على الفرد العربي المسلم ان يتقبل فكرة الدين بدون ان تكون هناك سلطة مادية او روحية عليه وان يتقبل السياسة بدون ان تصار عليه سلطة استبدادية وانما برنامج لحكومة غير عقائدية للخدمة المجتمعية والاقتصادية ليست الا وان يقوم المجتمع الدولي والاممي على تحديث التعاريف السياسية والدينية والمجتمعية باتجاه تغيير الانسان بدلا من الخوض في رسم خرائط جديدة تتبع انظمة عالمية ومحلية وفكر غابر يتاصل في الرجعة الى عهود اسست الى خراب كان ولا زال علينا عظيم .