23 ديسمبر، 2024 6:00 ص

المؤسسة الدينية تقفز من السفينة المترنحة

المؤسسة الدينية تقفز من السفينة المترنحة

كعادتها، تحوك المؤسسة الدينية خيوط الجريمة، وتستدرج الشعب الضحية، ليقع فريسة لمخالب، وأنياب الفاسدين من رجالاتها، الذين تراهم وتسمعهم يسومون الشعب أنواع العذاب، دون أن يطرف لها جفن، ثم حين تبدأ الخدعة بالانكشاف، ويبدو اصطدام السفينة بجبل الشعب محتّماً تحلق المؤسسة لحيتها وتندس بين صفوف الشعب، وبدهاء ابن آوى القديم ترتدي مسوح الناصحين المشفقين، أو تشرع بالتظلم والشكوى من الفاسدين، الذين صنعتهم بيدها الملطخة، وسوّقتهم للناس بصورة الشرفاء الأتقياء، وأصدرت الفتاوى التي تهدد من لا يقبلهم بالعار والنار.

هذا السلوك المنافق يتكرر كلما رفع الشعب عقيرته مطالباً بحقوقه، وموجهاً أصبع الإتهام نحو اللصوص الذين رشحتهم المؤسسة الدينية. وللأسف الشديد، يبتلع الشعب طعم الخديعة، وينساق وراء أنغام ناي المؤسسة المسحورة، مرة بعد مرة، كأنه شعب بلا ذاكرة، أو كأن الحكمة النبوية الرائعة “لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين” قيلت لغير المسلمين!

 بعد تظاهرات الكهرباء – التي نأمل أن تكون صاعقة هذه المرة، وأن تمتد على مساحة العراق النازف، وتكون عنواناً للمظالم التي لا تحصى – أطل أحد رموز المؤسسة متبرئاً من حزب المجلس الأعلى وزعيمه عمار الحكيم، وأعلن آخر أنه امتنع عن استقبال هذا الأخير أكثر من مرة، والمتوقع أن تتوالى بيانات التبرؤ من أكثر من جهة ورمز، جرياً على العادة المستعادة التي أدمنتها المؤسسة الفاسدة منذ أن تأسست، وإلى أن تطمر.

إذا ما أراد العراقيون لنضالهم ان يحقق الثمرة المرجوة منه فعليهم أن لا يثقوا بغير أنفسهم، ويحذروا، على نحو الخصوص، من المؤسسة الدينية وألاعيبها وخدعها التي لم تجر عليهم سوى مزيد من الخيبات والفشل، والمعاناة. بل عليهم بكلمة واحدة واضحة وصريحة أن ينظروا لهذه المؤسسة على أنها طرف أساس في صناعة عذاباتهم. فالمؤسسة الدينية لم تكن يوماً، أبداً، طرفاً في الحل، بل كانت، وستبقى ركناً مهماً من أركان المشكلة، وعقبة كؤوداً في طريق حلها، فكما إنها كانت صاحبة اليد الطولى في إنتاج المهزلة التي يخوض العراق وحلها منذ أن دشنت الدبابات الأمريكية عصر الفوضى الرهيب، ولعبته السياسية المحاصصاتية، فهي العصا الغليظة التي طالما عوقت حركة التغيير التي دارت دواليبها في مناسبات شتى.

مهم جداً ما فعلته الجماهير النجفية حين استدارت لبيت كبير رموز المؤسسة الدينية لتهتف بسقوط السراق المفسدين، ولكنه خطير ومحبط للغاية إذا كان ترسُّماً للطريق الخاطئة التي  اعتادتها أقدام الشعب حينما كان يكرر الطقس الوثني المقرف بوضع بيضه في السلة المخرومة، لتفقس الخيبات.