19 ديسمبر، 2024 12:04 ص

المؤامرة والمؤازرة!!

المؤامرة والمؤازرة!!

كنت في لقاء ودّي مع عدد من الأخوة من حملة الشهادات العليا , وتصدر المجلس أحد الحاضرين الذي أدهشني بتركيزه على نظرية المؤامرة وتكرارها عشرات المرات فكل كلام يصدر من الأخوة والأخوات يعزيه إلى نظرية المؤامرة , ولا أحسبه كان يعرف ما يقول , لأنه يتجمد حيال أبسط سؤال لتفنيد ما يذهب إليه , وإحترت في أمره ولماذا هو موسوس لهذا الحد بنظرية المؤامرة.
قلت: لماذا أنت تعزو كل رأي إلى ما تراه أنت ولا تقبل بتفحص الرأي الآخر؟
قال: لأن المؤامرة لا وجود لها!!
قلت: لكن هذا إقتراب منغلق!!
قال: كيف تقول ذلك؟
قلت: الموضوع ليس بإثبات وجود أو تفي المؤامرة , فالقِوى بأنواعها ومنذ الأزل تتصارع على أمور كثيرة , وكل قوة تفعل ما تفعل لتنال من القوة الأخرى وتحرمها من الوصول إلى الهدف , وإذا أسمينا ذلك مؤامرة فطبيعة العلاقات ما بين القوى هي التآمر , فكل قوة تريد القوة الأخرى أن تأتمر بها وتستحوذ على قدراتها وتحجّم دورها.
ففي الزمن المعاصر القِوى الأرضية في محتدمات التصارع التآمري مع بعضها , وهذا هو ديدن التفاعل ما بين أية قوة وقوة تنافسها , فالمشكلة ليست في نفي أو إثبات المؤامرة وإنما بين المؤامرة والمناورة.
بمعنى أن القوى تعرف نوايا القوى الأخرى وتناور وتبتكر الوسائل والأساليب الكفيلة بتعويقها وإحباطها , فأمريكيا وروسيا في تفاعلات تآمرية وكذلك وأمريكا وكوريا الشمالية , والصين واليابان , والهند والباكستان , وما شئت من الدول القوية ومنافساتها أو أضدادها ومزاحماتها على الأهداف والتطلعات المتعددة.
لكن المشكلة التي تواتجه بعض الدول ومنها الدول العربية خصوصا , أنها تتخذ سبيل مؤازرة المؤامرة بل أن بعضها تتآمر مع المتآمرين على العرب وتنفذ أجنداتهم.
فإيران وتركيا تتآمران على العرب بمعنى تأكيد مصالحهما ومشاريعهما , وتجدان في العرب مَن هو أشد حماسا وعزيمة على تنفيذ مصالحهما منهما معا , ولهذا فهما جادتان ومتواصلتان في نهج التفاعل المبرمج مع الواقع العربي , وقس على ذلك الدول الأوربية وأمريكا , فهذه القوى قد وجدت من العرب مَن يؤمن بمصالحها وينفذها بأقسى وأتقن ما يكون عليه التنفيذ.
أي أن الواقع العربي يؤكد بأنه واقع متآمر على ذاته وموضوعه , ويستدعي المتآمرين عليه للنيل الأشرس منه , والأمثلة متراكمة من إفتراس العراق إلى اليمن وسوريا وليبيا وغيرها من الدول , التي يتفنن العرب أنفسهم في التآمر عليها والنيل من وجودها.
ولا توجد مؤامرة ناجحة من دون مفردات في القوة المُستهدَفة تساهم في تحقيق طموحات القوة الهادفة , وهذا واقع متواصل على مَرّ العصور , وهو قانون أو بديهية سلوكية لا تقبل الخطأ , وما دام العرب يتآمرون على بعضهم ويستعينون بالمتآمرين عليهم للتآمر على بعضهم , فلن يكسبوا سوى المذلة والخسران المريع.
فلا تقل لي مؤامرة بل قل لي هل أنت تؤازرها أم تناورها وتنتصر عليها؟!!
لكن الاخ مضى متمترسا في خندق نظرية المؤامرة , وهذا دليل دامغ على سهولة تنميطنا وتحويلنا إلى أبواق مسوِّغة للويلات والتداعيات التي تُحاك وينفذها الذين تُحاك ضدهم , وتلك عاهة عربية سلوكية إدراكية متميزة وساطعة.
فتآمروا من أجل مصالحكم يا عرب إن كنتم صادقين!!