18 ديسمبر، 2024 8:56 م

المؤامرة المظلومة

المؤامرة المظلومة

لم تنجو المظاهرات الأحتجاجية المطالبة بالعمل و العدل و العيش الكريم دون اذلال او نقص في الغذاء او حتى تلك الهبات الجماهيرية التي تطالب بالحرية و احترام حقوق الأنسان البسيطة او حتى ذلك العمود الصحفي الذي ينتقد السلطات في تقصيرها في تقديم الخدمات و الأحتياجات للمواطنيين لم تنجو من تهمة التآمر و العمالة للمخابرات الأجنبية و هكذا كان الحاكم العربي ( المعصوم من الخطأ ) و الذي يؤدي واجباته في خدمة شعبه على أتم وجه و اكمل صورة في توفير الأمن و الأمان و العمل و السكن و الطعام و قبل كل ذلك كانت كرامة المواطنيين و كبريائهم في حفظ و صون الحاكم العربي و أجهزة أمنه و مخابراته و شرطته و جيشه .
بعد ان أقحم النظام العراقي السابق ( صدام حسين ) العراق وشعبه في أتون حروب عديدة خارجية و اخرى داخلية كان يعرف وقت بدايتها لكن نهايتها كانت بعلم ( الله ) وحده فقط و بعد ان اصبح العراق عبارة عن سجن كبير يضم بين جدرانه و اسواره العالية كل الشعب العراقي الذي عانى من ضنك العيش و الفقر المدقع في بلد غني يعوم على كنز من النفط و الثروات الطبيعية الأخرى و كانت قائمة الممنوعات تطول و تطول و قائمة المسموحات تقصر اكثر فأكثر و لم يعد هناك من متنفس سوى الثورة الشعبية و الهبة الجماهيرية العفوية ان نزلت الجموع الغفيرة الغاضبة الى الشوارع تطالب بأسقاط النظام الذي سامها الذل و الهوان و الجوع و الفاقة و عرض المجتمع للتفكك و الوطن للأحتلال حينها كانت تهمة الجماهير المنتفضة على الظلم و التعسف و الأستبداد انها المؤامرة .
هكذا كان الحال في ( ليبيا ) ايضآ التي كان حاكمها ( القذافي ) الجاهل بأمور السياسة و الحكم و المتسلط هو و افراد اسرته و ابناء قبيلته على كامل البلاد و الشعب الذي اصبح من املاكه الخاصة كالعبيد الذين يساقون و حسب رغبة ( القائد ) و ارادته ان كانت في خلق توترات و ازمات في بلدان اخرى او في نزاعات حدودية او في أثارة صراعات في دول عديدة و تمويل اعمال ارهابية دولية كما حدث حين اختطفت الشخصية اللبنانية ( موسى الصدر ) و اختفى أثره و كما حدث حين تم تفجير الطائرة الأمريكية في الجو و سميت الحادثة تلك ( لوكربي ) التي خلفت العشرات من الضحايا و غيرها من الأعمال الأرهابية الأجرامية و التي كانت بتمويل من الحكومة الليبية و التي لم تكن لتبخل على مد المنظمات الأرهابية بالأموال السخية و عندما ثار الشعب الليبي ثارآ لكرامته المهدورة و حريته المسلوبة و ثرواته المنهوبة كانت التهمة ذاتها انها المؤامر�� .
كان التدخل الخارجي في الحرب الأهلية السورية واضحآ و جليآ بما لا يقبل الشك او الريبة و ان كل الأطراف الدولية كانت تعلن ذلك بصراحة و عبر وسائل الأعلام و قد تكون الحرب السورية هي الوحيدة من تلك الحروب التي تتبجح الدول بالمشاركة الفعلية فيها من خلال تواجد القوات العسكرية و المشاركة بالحرب بشكل مباشر كما فعلت ايران و روسيا و امريكا و غيرها من الدول او غير المباشر بالدعم المالي و التسليحي و الأعلامي كما فعلت السعودية و تركيا و دول الخليج للكثير من الفصائل المعارضة المسلحة و كان لكل فصيل مسلح جهة دولية تدعمه و تمده بأسباب البقاء و الأستمرارية و مع كل هذا الوضوح و عدم السرية في التدخل في الشأن السوري الا ان تقصير النظام الحاكم في سوريا في حفظ كرامة المواطنيين السوريين و ممارساته التعسفية الظالمة بحقهم جعل من النظام و القوى الخارجية المشتركان الرئيسان في صنع المؤامرة .
انها ( المؤامرة ) هكذا صرخ الرئيس السوداني ( عمر البشير ) و بعد ثلاثين سنة من حكم الطغمة العسكرية و التي ما كانت تجد من الحلول للمشاكل الداخلية للسودان سوى تجريد الحملات العسكرية في قمع التمردات و الأنتفاضات العسكرية منها او المدنية و صارت دولة ( السودان ) و التي يعرف عن شعبها الوعي السياسي الناضج و المنفتح في تشكيل الأحزاب السياسية و من مختلف الأتجاهات الفكرية و العقائدية الى ان تحول هذا البلد الى مركز متقدم و مهم لتنظيم ( الأخوان المسلمين ) و مرتع للمنظمات الأسلامية المتطرفة فمن هنا مر الأرهابي الشهير ( بن لادن) وغيره من رموز الأرهاب العالمي الذين كانت لهم معسكرات تدريب و تأهيل في السودان بعلم و دعم الحكومة السودانية الحالية حتى ان الرئيس السوداني نفسه مطلوب للمثول امام محكمة العدل الدولية بتهم جرائم حرب و أبادة جماعية فأذا كان رئيس البلاد مطلوب للعدالة فكيف به يمنح العدل و القسطاط لمواطنيه فهل فاقد الشئ يعطيه ؟
بعد ان فشلت هذه الأنظمة الدكتاتورية في حماية الوطن و المواطن و اخفقت في تقديم الخدمات الضرورية لم تستطيع من توفير العمل الملائم و العيش الكريم لمواطنيين لجأت الى خنق الحريات و كتم كل الأصوات المعارضة حتى السلمية منها المطالبة بأبسط الحقوق الأنسانية المشروعة كذلك كان الأسراف في القمع و الأضطهاد و التصفيات الجسدية للمعارضين و امتلاء السجون و المعتقلات بهم اما اذا طالب هؤلاء بالنزر اليسير من حقوقهم المشروعة و ان كانت بصوت خافت فأن التهمة المرعبة و التي قد تودي بأصحابها الى حتوفهم و ان حالفهم الحظ فسوف يقضون ما تبقى من اعمارهم خلف القضبان هؤلاء ( المتآمرين الخونة ) و ان المطالبة بالعمل و الغذاء و الكرامة هو ايضآ نوع من انواع ( المؤامرة ) فكم من الجرائم ترتكب بأسمك ايتها المؤامرة .