18 ديسمبر، 2024 8:17 م

المأزق السعودي بين الفخ التركي والاستدارج الامريكي ..

المأزق السعودي بين الفخ التركي والاستدارج الامريكي ..

ربما شكلت قضية خاشقجي الورقة التي تسعى من ‎خلالها تركيا الى الضغط على الجانب السعودي وإحراجه اقليميا وعالميا ، وتهميش دور المملكة خصوصا في الشرق الأوسط ، ومن ثم كان محور اهتمامها في القضية ليس الدفاع عن حقوق خاشقجي ولذا كان تركيزها على الكشف عن حقيقة ما حدث في القنصلية السعودية في اسطنبول واقناع العالم بطريقة او باخرى بتورط ولي العهد محمد بن سلمان ،
بينما تمثل الموقف السعودي في محاولة انقاذ ولي العهد من هذه التهمة واخراجه منها لاسيما وان جميع القرائن باتت تشير وتؤكد على ان العملية تمت بامره واشرافه وان فريق الاغتيال يضم شخصيات مقربة منه
,ومع دخول الطرف الامريكي على خط الازمة واطلاع الجانب التركي لمديرة الاستخبارات الامريكية على تفاصيل الجريمة من خلال عرض الادلة التي بجوزت الجانب التركي اصبحت السعودية في حالة ترقب لنتائج الحرب الاعلامية بين تركيا وامريكا ومكتفية بالولايات المتحدة الامريكية كدفاع عنها وعن ولي عهدها. خصوصا مع فشل السعودية في التعامل مع الازمة نتيجة التراجع المتكرر عن التصريحات التي يدلي بها بعض المسؤولين السعوديين
ولكن النظر الى ظاهر هذه الحرب الاعلامية ربما يشير الى عدم التطابق بين الاتهام التركى، والدفاع الامريكي، فالاتهام التركي كان متوجها الى شخص ولي العهد السعودي ولكن بطريقة غير المباشرة من خلال مطالبتها بالكشف عن شخص المسؤول والمتابع لعملية التنفيذ والذي تلقى رسالة اتمام المهمة بواسطة طرف ثالث كما ظهر في التسجيل الصوتي الذي كشفت عنه النيابة التركية. بينما الدفاع الامريكي كان يتركز على السعودية كدولة
الا انه وبالرغم من هذا الاختلاف بين موضع الاتهام التركي والدفاع الامريكي يمكن القول بان الازمة واحدة والاختلاف في التوظيف، فالطرف التركي في سعيه لتوظيف الازمة كما تقدم يسعى الى اخراج السعودية من معادلة التوازن في القوى الاقليمية، من خلال القضاء على النفوذ السعودي في المنطقة لاسيما وان قضية خاشقجي كشفت عن طبيعة علاقة محمد بن سلمان بالادارة الامريكية واسرائيل، ومن ثم باتت تركيا تدرك بان قواعد اللعبة في هذه الازمة قد تغيرت وان عليها الابتعاد عن المواجهة مع امريكا ولذا تمسكت بالاطار القانوني للقضية مخفية لاطارها السياسي في محاولة لتدويل القضية والاستقواء بالاتحاد الاوربي والامم المتحدة والمحكمة الجنائية لمواجهة الخصم الامريكي وتحقيق ما تسعى اليه. ‎بينما الرئيس ترامب تعامل مع القضية من زاوية مستقبل العلاقات والمصالح الامريكية في المنطقة وخصوصا حماية اسرائيل والدور السعودي فيها، فالرئيس ترامب منذ ان وصل الى السلطة وهو يتعامل مع السعودية على انها عراب الولايات المتحدة الامريكية في المنطقة، اضافة الى انها تمثل احدى مصادر تمويل الاقتصاد الامريكي ولذا اعترف في اكثر من مرة بان معاقبة السعودية سينعكس على الاقتصاد الامريكي سلبا. ‎
ولكن الاخطر في تصريحات الرئيس ترامب هو ما كشف عنه منذ ايام عن الدور السعودي في منطقة الشرق الاوسط، اذ قال ” الحقيقة ان السعودية مهمة لدينا للغاية في الشرق الاوسط، لو لم تكن السعودية لم يكن لدينا قاعدة ضخمة، واذا نظرت الى اسرائيل فبدون السعودية تكون اسرائيل في مازق كبير” وقد فسر الرئيس ترامب المازق الاسرائيلي برحيلها. ‎ان هذا التصريح الذي هو بمثابة الاعتراف الصريح من قبل محامي ولي العهد السعودي يكشف عن الدور الخطير الذي تلعبه السعودية في المنطقة، ومن ثم كان من حق النخب العربية أن تطرح العديد من الاسئلة على اصحاب القرار والجامعة العربية بالخصوص ابرزها مطالبته بتشخيص الدور السعودي في الصراع العربي الاسرائيلي والدور الذي لعبته السعودية وماتزال في هذا الصراع تسبب في تشريد شعب باكمله، واستنزاف اقتصاديات العديد من دول المواجهة العربية كمصر وسوريا ولبنان، وضحايا الحروب مع الكيان الصهيوني منذ اعلان وعد بلفور وحتى اليوم. وايضا ضرورة الكشف عن هذا الدور المخفي للسعودية والتحقق من حقيقة الوجود السعودي في الجامعة العربية ومطالبتها بتفسير كلام الرئيس ترامب . وايضا مطالبة الامين العام للجامعة العربية باعادة قراءة القرارات التي تبنتها السعودية وتم التصويت عليها داخل الجامعة العربية وتحديد مدى مناسبة هذه القرارات مع الدور السعودي في بقاء اسرائيل. ‎ فاذا كان صمت الجامعة العربية على قضية خاشقجي له ما يبرره فاننا لانجد اليوم ما يبرر صمتها عن هذا التصريح الامريكي لان الدور السعودي بات يهدد الامن القومي العربي بصورة عامة فضلا عن الامن الخليجي، وان هذا الدور يمكن أن يكون سببا في استمرار حالة العنف والصراع والفوضى التي تشهدها المنطقة.