23 ديسمبر، 2024 1:53 ص

اللوثة الطائفية واللوثة الامبراطورية

اللوثة الطائفية واللوثة الامبراطورية

على وقع طبول الحرب، تمر الذكرى الثانية عشر لاحتلال العراق. حرب على تنظيم داعش وكأنها حلقة أخرى من سلسلة الحروب الطويلة التي كتب على العراقيين خوضها نيابة عن التاريخ أو عن نيابة عن الشيطان المتجسد بهيئة دكتاتور أو بهيئة رئيس أمريكي، لافرق. وحرب إقليمية يشنها أخوة يوسف على اليمن الذي ما عاد سعيدا تحت ذريعة الشرعية التي لا وجود لها في العالم العربي، إلا في خطب المؤتمرات ومقالات الصحف.

حربان هما امتداد لتلك الحرب التي شنتها واشنطن على العراق في آذار عام 2003. هل هي مصادفة أن تشن الرياض حربها على اليمن في آذار أيضا؟.

في كتابه الحرب الداخلية – تاريخ سري للبيت الابيض، ينقل الصحفي الامريكي بوب وودورد عن الجنرال كيسي قائد القوات الامريكية في العراق قوله ” ثمة مشكلة رئيسية تكتنف سير الحرب في العراق، وهذه المشكلة هي الرئيس بوش”. هذه المشكلة أو العقبة تنبه لها منذ وقت مبكر الرئيس الامريكي الأسبق بيل كلنتون حين حذر من ان حرب العراق تؤدي الى إضعاف صورة امريكا في العالم، وهو حين التقى مجموعة دراسة الاوضاع في العراق التي ترأسها وزير الخارجية الجمهوري جيمس بيكر والسيناتور الديمقراطي لي هاملتون والمكلفة بايجاد حلول للخروج من المستنقع العراقي، بادر الى نصحهم، اذا كنتم تريدون تغيير المسار يظل أمامكم ثلاثة مسارات للعمل، فقد تعتمدون وجود مائة الف جندي وقد تقررون البقاء حيث تدمى جراحاتكم حتى الموت أو ان تعيدوا توزيع القوات تمهيدا لعودتها الى الوطن.

هنا ايضا ثمة مقاربة أخرى للحروب الامريكية المجانية التي تحصد أرواح سكان هذا العالم العربي، تلك هي تبني الرئيس الامريكي الاسبق رونالد ريغان لبرنامج فرض النموذج الاسلامي المتطرف في المنطقة بتمويل سعودي. الم يقل المفكر الامريكي نعوم تشومسكي ان السعودية هي المركز الايديولوجي للاسلام المتطرف وللارهاب الاسلامي أيضا..؟.

حروب فرعية تدور حول مركز الحرب الام التي تطحن أضلاع العراقيين منذ اثني عشر عاما، الفرق بينهما، ان تلك الحرب خاضتها واشنطن بفعل حماقة الرئيس بوش الذي زج بمئات الآلاف من مقاتلي المارينز لأهداف تبدو حتى الآن غامضة، هذا اذا إستثنينا النفط

وأمن اسرائيل، وهما هدفان تحققا قبل الاحتلال عبر إيصال النظام السابق الى حافة الموت السريري، اما الحروب التي تدور في فلكها، فهي حروب تخاض بالنيابة. الحرب العراقية ضد تنظيم “داعش” الذي صنعته واشنطن في معسكرات خاصة ووفقا لترسبات طائفية بعيدة عن جوهر الدين. انها حرب إستنزاف أخرى لبلد لا تريد له الامبراطورية الهرمة ان ينهض من كبوته، وحروب أخرى مشابهة في سورية وليبيا ومصر، والأهم؛ الحرب الاخيرة التي تشنها السعودية على اليمن.

اللوثة الامبراطورية التي طغت بعد أن “أنجزت أمريكا تحولاتها الصناعية و أصبحت أقوى دولة في العالم منذ إمبراطورية روما، وظلت تمارس دور الهيمنة بلا منافس أو منازع، وكانت تلك ظاهرة غير مسبوقة في التاريخ الحديث” كما يقرر فريد زكريا في كتابه التحول العظيم، شيدت جدارا من أوهام القوة والنصر في العقل اللاهوتي المسيطر على الرئيس بوش، ومن ثم جعلته لا يسمع إلا مايريد سماعه من جنرالات حربه في العراق، انه سفر إستصال شأفة الاشرار الذي هبط على تلال فيتنام دون جناحين، والذي أقتيد الى العراق مقيدا على كرسي مدولب، وفي الحالين كان الجرح غائرا في ثقافة السوبرمان المصنعة في هوليود والمبرمج على صورة رامبو الذي يتكفل وحده بالقضاء على جيوش كاملة ويخرج سالما من حرائق الحرب، دون أن ينفذ عتادته أو خزين بطولاته. أما كان أجدى بتوني بلير ان يعيد على حليفه بوش وصية لورنس وهو يلعب معه الكولف في كامب ديفيد.؟. الكولونيل البريطاني الشهير تاريخياً باسم لورانس العرب، يوصي وهو يرتدي العقال والكوفية في كتابه أعمدة الحكمة السبعة، عصارة تجربته مع الصحراء “دعهم ينجزون الأمر بأيديهم ولو جاء منقوصاً، وهذا أفضل من أن نعمله كاملاً ولكن بأيدينا نحن، إنها حربهم، وبلادهم وأما وجودنا على أرضهم فهو موقوت ومحدود”.

ألا تبدو وكأنها الوصفة الأخيرة للامبراطورية الهرمة، إمراطورية الكوكا كولا والماكدونالد؟.

لكن اللوثة انتقلت الى بلدان المنطقة ليبدأ سفر جديد، سفر الحروب الطاحنة بين قابيل وهابيل، حتى يبعث لهما الله ما يساعدهما على التفريق بين الناقة والجمل.