عبارة نطلقها جُزافا على كل متسوّل يقطع علينا أحاديثنا أو صمتنا على السواء ، وكأنها دعوة مجانية ننعم بها عليه بدلا من دفع ما يسد رمقه ، دعوة لا نعنيها ، شاهدتها كثيرا خصوصا عند أصحاب المحلّات ، وكيف سيعطيه الله ؟ ، بنقدٍ يهطل عليه من السماء ؟ ، أي مجافاة تلك للإنسانية ؟ ، ونحن نعلم أن الله جعلنا أحد وسائطه الأساسية لإفشاء الرزق وقد شرّفنا بذلك ، ماذا سيضرّنا إن إحتفظنا برزمة صغيرة من فئة (الربع دينار) ، نضعها تحت اليد ، كي لا نخيب أمل السائل فلا يعود خالي اليدين ، وقد تكون دفعا لبلاء لا قبل لنا به ، كيف لا يحرك عواطفنا مشهد الذل لذلك السائل ، وكيف لا يحرّكها أيضا ونحن نراه مطرق الرأس خالي اليد وهو مغادر ؟ ، يا أخوتي نحن نعيش أجواء الأوبئة والجوائح وشتى أنواع الكساد ، وإن كانت لا تُقارن بأوبئة الحكومة التي أضحت مليئة بالعاهات المستديمة والتفسخ النتن ، فهل من مناسبة أكثر من هذه لإظهار شيء من التكافل ؟ ، قد يقول البعض أن التسوّل صار مهنة مربحة عند البعض ، فمن نحن حتى ننستنتج هذا ؟ ، فلسنا مثل علّام الغيوب ، والأعمال بالنيات ، أليس كذلك ؟ ، فإن كان متكسبا محترفا فهذا شأنه ، لكن الله هو العليم بالنيات ، هنالك أساليب أخرى للتسوّل ، توهم أصحابها بأنهم أرادوا الأبقاء على ما تبقى من الكرامة ، كمسح زجاج السيارات ، حاول يا أخي إخفاء توترك وغضبك لأنهم فاجئوك ، أعلم أن زجاج سيارتك كان أنظف قبل أن (يلوّثه) المتسول المَقنّع هذا ، أعلم أن هذا المتسوّل قد يكون لجوجا ولحوحا وفي كثير من الأحيان يقل أدبه ، فماذا تتوقع من الفقر ؟ أن يخرج من رحمه فيلسوفا ؟! ، لهذا أراد الله إختبار صبرنا عليهم فقال (وأما السائلَ فلا تنهر) ، ينفطر قلبي وأنا أشاهد طفلة بثياب رثة وشعرٍ أشعث ، تقبع قرب جدار على قارعة الطريق وقد ضمّت ركبتاها إلى ذقنها صامتة ً وأمامها ميزان ، وكثيرا ما كنت أقف على الميزان دون النظر إلى نتيجته ، فأعطي ما قسمه الله ، أين نحن من أخلاق أئمتنا سلام الله عليهم ، وقد كان أحدهم إذا طَرَقَ سائل بابَه ، كان يفتحه على قدر عطيته وهو مُطرق الرأس ، وعندما سُئل إن كان هذا تكبّرا منه قال (معاذ الله ، ولكني لا أريد أن أرى على وجهه مذلّة السؤال) ، أين نحن من الحديث الشريف (إتقوا الله ولو بشِقّ تمرة) ، هل هنالك من يشك في إيمان علي بن أبي طالب ؟! ، كيف مدّ خنصره إلى السائل لينتزع منه الخاتم وهو في خضم صلاته ، منصهرا تماما بذات الله وقد أغلق كل قنواته الدنيوية ، لكنه فتح قناة عبادة أخرى على الدنيا وجدها جليلة وضرورية بل مُشرّفة ومتممة للعبادة ، علي إبن أبي طالب ، عدو الفقر الأول ، فأقام عليه حدّ القتل حتى لو كان رجلا ! ، لأنه يعلم ، أن الفقر رأس كل آفة ومرض ورذيلة وخطيئة ، أن الفقر يهدم ويُسوّس مجتمعات ، بل دول بأكملها ، والمفاجأة الصاعقة أن الكثيرين ممن يدّعون أنهم مريدون لعلي إبن أبي طالب ، يعيش حياةً مترفةً لا يحلم بها حتى عدوّه معاوية ! ، عندها لو ظهر عليا ، فأول ما سيفعله هو أن يهرع إلى أحد الآبار ليبث شكواه إليه باكيا بعد أن يدلي رأسه فيه كما هو شأنه ، فلا بشر يستحق أن يسمع شكواه لأنه أكبر من ذلك بكثير ، فسيجد أن الأحزاب الحاكمة قد ردمت كل تلك الآبار !.
سياسات الحكومة بفسادها وقصر نظرها وتوليتها لكل نطيحة ومتردّية على رقابنا ، زرعت بذلك الفوضى ، نحن البلد الوحيد الذي يضم ملايينا من النازحين داخل وطنهم ، حكومة قد ولّدت جيوشا من الفقراء حتى إنضم مكرها نصف الشعب إلى هذا الجيش الكريه ، ومن السهولة جدا أن تدرك صور الفقر الكثيرة ، وعشرات من أصوات الفقراء تصدح فتخترق سمعك وأنت في عقر دارك ، من باعة الخضروات المتجولين ، ومياه الآرو ، والدجاج ، والعتيكك ، والمتسولين ممن يطرقون الأبواب وغيرها ، من جانب آخر ، ترى الترف الجنوني الذي تعيشه الكثير من البيوت ، لا شك إنها مستفيدة من هذه “الدولة” ، فقد تعلمنا إن الإثراء ، خصوصا في هذا الزمن ، يضع ألف علامة إستفهام ، نرى بذل الملايين في عمليات (قص المعدة) بالجملة ، فتتحول الإمرأة بعدها بما يشبه الشجرة اليابسة تذوي فيها الحياة ، وعليها مراجعة جراح التجميل مرة أخرى ليعيد (تفصيل) جلدها على مقاس “هيكلها” الجديد ، وعمليات تجميل من النفخ والبوتكس والنحت ، وتجميل الأنوف ، تخرج منها المرأة مومياء لكن زاهية الألوان ، وغيرها من عمليات تغيير الخلقة حتى تشابهت النساء ! ، أنا متأكد أن تكاليف عمليات التجميل هذه ، لا تتعدى (خردوات) في جيوب أزواجهن وذويهن ، فمن أين لكم هذا ؟ ، يذكرني هذا بفلم كارتون روسي شاهدته في السبعينيات وأنا طفل ، عن مجموعة من نساء شتى، يدخلن معملا فيخرجن منه ذوات شكل واحد ، وفي أحد المرات شاهد رجل زوجته في أحضان رجل آخر ، فقتلها لكنها لم تكن زوجته ، فمن الصعب التمييز بينهن ! ، ملايين أخرى تتبعها ملايين .
فهل يعرفن هؤلاء النسوة ، أن الثمن سيكون باهظا للغاية لبضع سنين أخر ؟ ، وستتدلى بشرتهن وستترهل جلودهن وتتحول إلى ما يشبه القربة الفارغة ؟ ، عندها سيمل منها مبضع جراح التجميل وسيعتذر لها بعد فوات الأوان ! ، وبنفس الوقت ، نجد الملايين مما لا يمتلكون رغيفا يلوكونه لدفع الجوع ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم …