23 ديسمبر، 2024 5:59 ص

الله ومقتدى والاصلاح

الله ومقتدى والاصلاح

الجزء الاولفي مكتب وثير على بابه تقف حاشية كبيرة، وخدم وحراس على غير المعتاد بعد سهرة مشحونة بالقلق والخوف ونحن نستمع الى صيحات اتباع الصدر وهتافاتهم ومن ثم اقتحامهم لمبنى البرلمان، دار بيني وبين احد قادة الكتل السياسية حوارا لم يكن مبرمجا او معدا، ولكنه يتعلق بما نحن فيه، وقبل الحديث كنت ارتشف الشاي المعطر بالهيل، منتظرا مضيفي الذي انتبه لي اخيرا فوضع هاتفه في جيبه وسالني: من اين تريد ان نبدأ؟.. قلت هناك اشياء كثيرة اتمنى الحديث عنها ولكني اود البدء بحديث الاصلاح حيث هو الشغل الشاغل للناس، وكما ترى فان جموع الجياع قد اقتربت منكم كثيرا هذه المرة، فابتسم وقال:
الجميع مشغول بالاصلاح والجميع يتمناه وانا طبعا في مقدمتهم، قلت: اذا كان الجميع يطلب الاصلاح فما هي المشكلة اذن ؟..
قال: ساكون صريحا معك ، أنا وأنت والشعب وكذلك الايرانيون والاميركيون والروس والامم المتحدة وكل قادة الكتل السياسية يطالبون وينشدون الاصلاح باستثناء كتلة واحدة.. استغربت كثيرا وقلت:
* اي كتلة تقصد؟.. مط مضيفي جسده واسند ظهره الى الكرسي، وتثائب ببطء ثم قال:
* سنعود الى موضوع الكتلة التي لاتريد الاصلاح لاحقا، ولكن من المهم ان تعلم ان الله تعالى وهو الخالق العظيم ينشد الاصلاح ايضا، وكان يرسل الانبياء بين حين وحين بهدف اصلاح احوال البشر، انا في بيتي انشد الاصلاح ايضا، والاصلاح ليس شيئا نكتشفه اليوم كعراقيين حتى نهتف له ونعتصم ونتظاهر، الاصلاح هو طريق الانسان في الحياة، فالفرد في كل يومياته انما يبحث عما هو افضل واحسن، يصحح او يتجنب اخطاءه، وهذا اصلاح، اميركا وبريطانيا ودول عظمى تعمل اصلاحات بشكل يومي ولا يجب ان نظن ان الكونغرس الاميركي او مجلس اللوردات البريطاني مثلا هم في اجازة لان احوالهم متكاملة ومثالية بل هم دائما في نقاش وجدال للوصول نحو الاحسن وتغيير ما يمكن تغييره وفق متطلبات حياتهم.. قلت مستغربا ، ها انت اذن تفهم الامور بشكل جيد وبمنطق السياسي المتمكن من ادواته، فلماذا اذن لانستطيع ان نتقدم خطوات نحو الاصلاح؟.. ضحك مضيفي وأضاف:
* تقول اسفار الاولين ان الله قبل ان يخلق ادم، خلق الجن وهم وحوش سكنوا الارض، وعاثوا فيها فسادا حتى ان الملائكة اشتكت لرب السموات من سلوكهم وفسادهم وشنائعهم، والله بكل عظمته وهو القادر على كل شيء، وجد ان الاصلاح لاينفع ولايجدي مع هؤلاء فكنسهم ( شلع قلع) كما يحلو لمقتدى الصدر ان يقول، فسألت صاحبي:
* هل تقصد ان حالنا كعراقيين الان كحال الوحوش والجن ولاينفع الاصلاح معنا، هل تعني ان على شعب العراق ان يموت ( شلع قلع) كما كنس الله الجن؟.. اذن ما معنى ان كلكم تريدون الاصلاح وما معنى ان اميركا وايران والامم المتحدة ترجو الاصلاح، ما هي المشكلة بالضبط؟.. قال:
* المشكلة في الاصلاح نفسه، فعن اي اصلاح انت تتحدث وعن اي اصلاح انا اتحدث وعن اي اصلاح يتحدث الاخرين؟.. قلت منزعجا ومستغربا:
* وهل هناك معان وتفاسير مختلفة للاصلاح الى حد ان يصبح مشكلة بحد ذاته؟.. قال : نعم هذه هي مشكلتنا، وساضرب لك مثالا، بسطاء العراق وعلى فطرتهم وجهلهم وكذلك مثقفوه، يعتقدون ان اصلاح الحال يتم عبر شيء واحد وهو الغاء العملية السياسية برمتها، مما يعني الغاء الدستور وازالة الطبقة الحاكمة والبدء من جديد بدستور يضمن العدل والمساواة ويحفظ الهوية الوطنية.. قلت مستعجلا: ما احلى واجمل ذلك، واعتقد انه الاجراء الاصح.. قال:
* ولكن هذا ليس اصلاح، هذا هو الكنس والشلع قلع، هذا ثورة وتغيير، وبالتاكيد فان فهم بعض قادة الكتل للاصلاح يختلف عن رغبة الشعب هذه، ايران واميركا تملكان وجهات نظر مختلفة ايضا عن الاصلاح، ايران مثلا تريد استمرار تهشيم العراق ولكن بطريقة ابطأ مما حدث، فنحن كنا عجولين مستعجلين كل شيء، ولكنها ايضا تريد المحافظة على الطبقة السياسية الحالية، وهذا يعني ان الاصلاح الذي تنشده هو في اسلوب التدمير والتحطيم وليس من اجل التصحيح والتقدم، واميركا تريد تحسين الخدمات وتحقيق العدالة للشعب وانهاء الفساد، ولكن مع تكريس المحاصصة الطائفية والتقيد بالدستور الذي يضمن لها التعامل مع مكونات الشعب كل على حدة لضمان سيطرتها على البلاد وموارده، وهذا يعني ان اصلاح اميركا يحافظ على كل ماهو موجود مما تسميه رؤساء كتل او زعامات سياسية ودينية وطائفية، اما قادة الكتل والمتحكمين بالعملية السياسية وانا منهم طبعا، فكل ما نريده هو اسكات الشعب باي طريقة كانت ولكن ايضا مع احتفاظنا بمراكزنا وامتيازاتنا، قلت:
* وهل تعتقد ان الشعب سيصمت ويستكين بعد كل هذه المعاناة والمآسي وهذه الاحتجاجات والتظاهرات؟.. ضحك مضيفي وهو يقول بهدوء الواثق من نفسه:
* لاتقلق كل شيء تحت السيطرة فلدينا اسلوبنا وادواتنا.. قلت:
* هل تقصد الميليشيات والقوى الامنية؟. قال:
* هذه اخر الوسائل، وكما ترى يوم هجم اتباع التيار الصدري ودخلوا مبنى البرلمان واقترابهم من تخطي الخطوط الحمراء، استدعينا ميليشيا بدر وميليشيات اخرى، لتطوق بغداد، وتمركزت في الكثير من الاماكن ولكن بصمت لحسابات تتعلق فيما اذا حدث وان خرج الاتباع عن سيطرة السيد، ولكننا دائما ما نعتمد على وجود مقتدى الصدر فهو وسيلتنا في السيطرة على الشارع، هو مفتاح لكل شيء، وهو جاهز لكل شيء.. ان اردنا خلق ازمة فهو موجود وان اردنا انهاء ازمة فهو موجود ايضا، وهاقد رأيت كيف ان نداءا واحدا منه جعل الاتباع يبتعدون الى حيث يسمح لهم..قلت:
* اربكتني كثيرا، ولم اعد افهم ماذا تعني بالضبط؟..
* مقتدى له اتباع على قدر كبير من الطاعة والولاء، عبيد رعاع يبحثون عن سيد لهم، اميركا وايران عرفوا ان معاداته وابعاده رغم مراهقته وعدم كفائته وقلة خبرته، سيخلق مشاكل للنظام لاتعد ولاتحصى، ثم وهذه نقطة مهمة، كانت منظمة بدر هي الميليشيا الوحيدة في الساحة بعد الاحتلال وهذا يعني ان بقاءها لوحدها واتساع قاعدتها سيمثل خطرا على اميركا وعلى ايران ايضا، رغم ان ولائها مطلق لايران ولولاية الفقيه، ولكن في السياسة يجب حساب الاحتمالات والتقلبات الممكنة وتغير الولاءات غير المتوقعة مع تنامي القوة والمال والسلطة التي تدفع للغرور ومن ثم الجحود،
ولذلك عمدوا الى اشراك مقتدى الصدر، رغم انه في ذلك الوقت لم يكن ليستطيع اكمال جملة مفيدة، ولكن ايران واميركا أخضعتاه لتدريبات وتمارين مكثفة لتنمية وعيه السياسي، ومن ثم شطروا اتباعه الى عصابات وميليشيات متعددة بهدف تحويل البيت الشيعي الى حلبة صراعات مستمرة ومتنوعة لايمكن السيطرة عليها بسهولة، ويكفي ان في العراق اليوم بحدود ستين ميليشيا مسلحة كلها تخضع لايران ولكن لكل منها طريق ومرجع وهدف، والاهم ان غالبية هذه الميليشيات كانت في الاسباب من اتباع الصدر، ولو لم يجري تشطير اتباعه، لكان العراق الان لاتعرف ماهي ملامحه الحقيقية، ففي كل يوم هناك موقف مختلف لمقتدى بل احيانا عدة مواقف مختلفة في يوم واحد، هو في الحقيقة لعبة للهو احيانا وللاستفادة والمنفعة احيانا اخرى، ولكن من المثير والمهم ايضا ان رغم تشطير التيار الصدري، الا ان سحر مقتدى وتاثيره على اتباعه هو الاقوى من بين كل رجال الدين باستثناء المرجعية في النجف ان لم يكن ينابزها احيانا، فباستطاعت مقتدى ان يدعو الى تظاهرة مليونية في اي وقت وقد فعلها مرارا ولعل احداث امس خير شاهد ودليل، ولا اظن ان احدا غيره من رجال الدين أو قادة الميليشيات بامكانه الدعوة لتظاهرات مليونية، وقد حاول عمار الحكيم ذلك ولكنه فشل فشلا ذريعا، اذ لم يستجب لدعوته الا عدد قليل ، الذي اريد ان اقوله لك، ان اميركا وايران استخدمتا مقتدى لانهاء ثورة وغضب الناس بكل بساطة وسهولة من خلال تزعمه لتظاهراتهم واحتجاجاتهم وسيطرة اتباعه على مجريات ساحة التحرير في بغداد وسوح المحافظات وبذلك امتص غضب الناس واوهمهم بامال واحلام كاذبة، ومن ثم تزعم ماسماه مشروع الاصلاح ووزراء التكنوقراط، وكل هذا في الحقيقة ليس سوى لعبة لعبناها معا لتهدأة الاوضاع وتضييع فرصة الثورة التي كانت قريبة، كنا مهددون وشعرنا بالخوف الحقيقي في شهر اب الماضي، مثلما شعرنا يوم امس، ولكننا يوم امس كنا على معرفة ويقين ان الهدف من تحركات الصدر كما رسمها الاميركيون والايرانيون معا، هو اعطاء الشعب نصرا وهميا على نظام الحكم، وان مطالباتهم بالاصلاح سوف تتم رغم انفنا، فنكسب بذلك الوقت وننهي الى وقت ربما طويل الحراك الجماهيري الحقيقي المطالب بالتغيير، وثم ايضا هناك اهداف تتعلق بارغام السنة وممثليهم بقبول ما نريده عن طريق التهديد بمقتدى الصدر..
يتبع [email protected]