23 ديسمبر، 2024 12:36 م

الله في فكر عمر الخيام – 1

الله في فكر عمر الخيام – 1

السكر في الذات الالهية
يعرَج بنا عمر الخيام الى الملكوت الاعلى، حيث الحياة المترامية الاطراف، الحياة الروحية التي لا يدرك كنهها الا العرفاء والمريدون، من المتصوفة امثال ابن عربي والحلاج وأبي يزيد البسطامي واضرابهما. هذا المعراج الروحي له نكهة لا نستطيع أن نتذوق طعمها نحن البشر العاديون ابدا.
يقول الخيام في ترجمة وتعريب احمد رامي:
سمعتُ صوتاً هاتفاً في السحــرْ
نادى من الغيب غفاة البشــــــرْ
هبوا إملأوا كأس الطلى قبل أنْ
تملأ كأسَ الـــــعمر كفُ الَقَدرْ
وهذا المقطع الرائع للباحثين فيه رأيان، الرأي الاول: يرى أن الخيام يدعو فيه الى شرب الخمر والتعجل في ذلك قبل فوات الاوان، ويعنون بـ “الاوان” الموت ومن بعده الفناء، حيث لا حياة ولا نور ولا وجود غير وجودنا هذا في الحياة الدنيا، بمعنى آخر أن كل البشر تعود ترابا كما خُلقت من تراب، أي تعود الى الاصل وهو التراب. وهذا هو تفسير الوجوديين والماركسيين، من الملاحدة وسواهم.
فقول الخيام:
هبوا إملأوا كأس الطلى قبل أنْ …. تملأ كأسَ العمر كفُ الَقَدرْ
هي دعوة واضحة الى الشراب والسكر، ومنها الى العبث وترك الوجود الحقيقي، وانكار واجب الوجود، بتعبير الفارابي، فالطلى هو اسم من اسماء الخمرة.
يوقل البحتري:
شرب على زهر الرياض يشوبه…. زهر الخدود وزهرة الصهباء
من قهوة تنسى الهموم وتبعث الـ… شوق الذي قد ضل في الأحشاء
يخفى الزجاجة لونها فكأنها… …………في الكف قائمة بغير إناء
ولها نسيم كالرياض تنفست… ………في أوجه الأرواح والأنداء
وقال بعضهم:
قلتُ والراح في أكف الندامى… كنجوم تلوح في أبراج
أمداماً خرطتم لمدام………. أم زجاجاً سبكتم لزجاج
وديك الجن الحمصي:
فقام تكاد الكأس تخضب كفه… وتحسبه من وجنتيه استعارها
مشعشعة من كف ظبي كأنما…….. تناولها من خده فأدارها
فظلنا بأيدينا نتعتع روحها… وتأخذ من أقدامنا الراح ثأرها
وللخمرة اكثر من عشرين اسماً، منها:
1-المدام
-2 القهوة
-3 الراح
4 -الرحيق
5 -السلاف
-6 السلافة
-7 الخرطوم
-8 القرقف
-9 الشمول
-10 الخندريس
-11 العقار
12 -الاسفنط
-13 المقدية
-14 الصهباء
-15 المشعشعة: وهي الممزوجة و كذلك المعرقة والمصفقة
-16 العاثق: الخمر القديمة
-17 البتع: نبيذ العسل
-18 الجعة: نبيذ الشعير
-19 المزر: نبيذ الحنطة
20 -السكركة: نبيذ الذرة وهو شراب الحبشة
-21 الطلاء: المطبوخ بالنار
-22 المصطار: الحامض من الخمر
-23 المزاء: ضرب من الأشربة
24 -السكر: كل شراب يسكر
25-القمحان: الزبد الذي يعلو الخمر
-26الحباب: الطرائق التي تكون من المزج.
وان العديد من هذه الاسماء قد جاء ذكرها في ديوان الخيام!، ونعتقد ان ذلك يعود الى قوة شاعريته، وانه ضليع في الثقافة العربية ومرادفات الكلمات العربية وسياقاتها.
واما الرأي الثاني فيعتقد: ان الخمرة التي يشير اليها الخيام، والتي اسماها في هذا المقطع الطلى، هو لا يعتقد الخمرة الدنيوية والتي تنتهي خلال سويعات وربما لحظات، بقدر ما يقصد بها الخمرة الالهية، أي الذوبان في العبودية والسكر في معراج الوصول الى الذات الالهية، وذلك بالنشوة وفقدان الالم الدنيوي للشعور باللذة الحقيقية، هذه اللذة غير المنقطعة وليس لها حدود، ولا تنفد كما تنفد خمرة الدنيا، ويفقد شاربها عبق بهجتها كأن شيئا لم يكن.
ان اختلاف الباحثين في تفسير ومفهوم فلسفة الخيام يعود، باعتقادي، الى ميولهم الفكرية والعقائدية والفلسفية، بل وحتى النفسية. وهذا الاختلاف لا يفسد للود قضية. وانا اميل الى الرأي الثاني، وهو الذي حدى بي ان ابحث في فلسفة الخيام.
والخيام يظهر هنا كمتصوف يتغزل بالذات الالهية، والخمرة لا يعني بها الا الذوبان بالروح الالهية والتي ذابها بها من قبله الحلاج وسواه من المتصوفة.
اذ يقول الحلاج:
نديمي غير منســوب *** إلى شيء من الحيـــف
سقاني مثلما يشـــرب *** كفعل الضيف بالضيف
فلما دارت الكـــــأس **** دعا بالنطع والسيـــف
كذا من يشرب الـراح *** مع التنين في الصيـــف
(المصدر: الأصبهاني، محاضرات الأدباء، المجلد الأول، ص681).