23 ديسمبر، 2024 2:33 ص

اللـعب و التلاعب بـورقـة التوت ..عمّار الحكيم نموذجاً …!!

اللـعب و التلاعب بـورقـة التوت ..عمّار الحكيم نموذجاً …!!

قبلَ سنة أو أكثر .. لا أتذكّر بالضبط .. طلعَ علينا مختار العصر / رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بتصريح جاء في فحواه : ( أن هناك مؤامرة على المشروع الأسلامي ..! ) و الرجل موّلع بنظرية المؤامرة و يكاد لا يخلوا لهُ خطاب أو تصريح دون أن يُخفي رأسهُ خلف سِتار المؤامرة ..!!

في حينها كتبتُ منشوراُ قلت فيه : أن كلام المالكي أفرَحني كثيراً ، رغم ما فيه .. لأن السياسي / الأسلامي عندما يلعب أو يتلاعب بأخطر و ( أثـمَن ) ورقة توت لديه تـستُر ما تبّـقى من عوراته وهي ( الخوف على الدين ) .. معناه أنه أسـتنفذ كل أوراقـهِ التي ممكن أن يُناور بها و أستنفذَ كل ( انجازاتهِ ) التي ممكن أن يحتجّ بها لتلميع صورتهِ .. فلم يبقى سوى ورقة ( الخوف على الدين ) يُشهرها بوجه مُناصريه و مُعارضيه معاً ..! مُناصريه لشحنهم و جذبهم اليه ، و مُعارضيه لتهديدهم و أرعابهم ..! وهو هنا كمن يقول بأنهُ يُشهِر أفلاسـهُ ولم يتبقى في جُعبتهِ سوى السهم الأخير يُحاول أستثمارهُ للفوز وهو سهم ( الخوف على الدين ) ، مُتلاعباً على وتر عواطف الناس و مشاعرهم الدينية ..! وهي في الحقيقة لعبة أصبحت مفضوحة و قـميئة في نفس الوقت ..!

بالأمس أتحفنا عمار الحكيم – رئيس التحالف الوطني الشيعي – بتصريح ناري ضمن نفس المسار و بالعزف على نفس الوتر .. يُهدّد فيه : (( بالضرب بيد من حديد على داعمي الأفكار الألحادية و تعرية الأساليب التي يتبعونها في نشرها ..! ))

أرى من المُناسب أن أستغل هذه الـفرصة للحديث بشكل موجز عن الألحاد .. ثم أعود لتأشير مضامين ما صرّح به عمّار الحكيم ..!

الألحاد من الناحية اللغوّية هو : مِن الفعل ( أَلـحدَ ) أي وضع الجثّة في اللحد من الجنب .. وهو يعني المَيل عن الموضع أو القصد ، و لَحدَ القبر = حفرهُ و عملَ لهُ شقاً .. و لحدَ السهمُ عن الهدف = مالَ عنهُ ..!

و كما وردَ في النص القرآني ، في الآية : ( أن الذينَ يُـلحِدونَ في آياتنا لا يخفون علينا أَفـمَن يُلقى في النار خيرُّ أم مَن يأتي آمناً يوم القيامة .. أعملوا ما شئتُم أنهُ بما تعملون بصير ) فُصّلت / 40 ..!

أو الآية التي تقول : ( لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) النحل / 103 ..!

و الملاحظ هنا تأكيد للمعنى اللغوي ألذي ورد أعلاه ..! و المفارقة أنهُ لا توجد أي عقوبة دنيوية أو حدّ بأي مستوى أو معنى لـ ( اللذين يُلحدون ) .. بل تهديد و وعيد بألقائهم في النار يوم القيامة ..؟

في المعنى الأصطلاحي : و بعد أن تلاعبَ الفقهاء و المفسرين بالمعنى اللغوي و القرآني لمفهوم ( الألحاد ) تحوّل المعنى ليُصبح كُفراً و نكراناً للخالق يستوجب القتل أو السجن أو على الأقل تهمة الـزندقة ..! و طغى هذا المعنى على الخطاب و الموروث الديني ، ألى أن وصلنا بالمعنى الشائع حالياً ..!

الألحاد واقعياً : هو موقف فكري / عقلي .. مِن الدين و التديّن ، يعتمد على رؤية أن للكون و الحياة ( خالق ) مجهول الماهيّة و الكينونة لحد الآن و يخضع للفحص و الدراسة و البحث و التجارب مِن قبل العلماء و المُفكرين و الفلاسفة .. وهذا الخالق ليس ( الله أو الآله ) الوارد في الأديان جميعها .. لأن هذا ألـ ( الله ) يمتاز بصفات بشرية وفق الكتب المقدّسة ، وهو ما لا يتفق مع فكرة الخالق للكون و الحياة ..! فهو يغضب و يكره و يمكر و يرضى و يزعل و يُعطي و يأخذ و يبيع و يشتري و يرمي و يُقاتل مع المسلمين و يُكافئ و يعذب و يجلس و يقوم .. ألخ . في جانب آخر الملحد ليس مُفخخاً بأدوات القتل أو التفجير .. ولا يُـهدّد أحد ولا يتوّعد أحد بالويل و الثبور .. ولا يسرق أو ينهب المال العام ولم نشهد أن مُلحداً أتُـهمَ بسرقة اللقمة من أفواه الفقراء .. ولا رأينا مُلحداً فاسداً يتعاطى بالعقود الوهمية أو الرشاوي أو الفساد الأداري ..!

فالمُلحد شخص أنساني بالضرورة .. و مُسالم يُحب الناس بمختلف أديانهم و طوائفهم و قومياتهم .. يتعامل مع المُقابل بأعتباره أنسان قبل أي شئ .. كلّ أسلحته هي العقل و الفكر و القلم ..!

عودُّ على بدء ..

في تصريح عمار الحكيم بالضرب بـيد من حديد على داعمي الأفكار الألحادية .. ألخ أود تثبيت هذه الملاحظات :

1- ركّـزَ الحكيم عبارتهُ بـ الضرب بيد مِن حديد على الألحاد فقط .. لكنهُ لم يشمل الضرب بيد من حديد للفاسدين و تجار المخدرات ..؟؟ ربما لأنهُ لا يستطيع أن يضرب نفسهُ أو أتباعهُ أو مَن هُم على شاكلتهِ .. فذهب الى الحلقة الضعيفة ..!!

2- دعوته للضرب بيد من حديد على ظاهرة الألحاد .. تعني تحريض على القتل و منح شرعية ( دينية ) للقتلـة .. و بالتالي أطلاق يد المجرمين لـتصفية مَـن يعتقدون أنهم ضمن ظاهرة الألحاد ..! وهذه وحدها جريمة تحريض على القتل ، يُعاقب عليها القانون …!!

3- عودتـهِ للتمسّـح بأذيال المرجعية .. عندما أشاد بنفس الخطبة بـفتوى المرجعية بخصوص الجهاد الكفائي .. وهي بالطبع ضرورة انتخابية صِرفـة ..!!

4- تكلّم عن محاربة الـفقر و الحرمان .. في الوقت ألذي يمتلك هو مساحات واسعة من مناطق الجادرية و الكرادة .. ناهيكَ عن القصور و المواقع التي أستحوذ عليها .. أضافة لـ حماياتهِ و همراتـهِ و أموالهِ و التي لا نعرف من أين و كيف مُنحت له أو جناها ، خصوصاً وهو لا يمتلك أي منصب رسمي …؟؟

5- اطلاق هذه الدعوة و في هذا التوقيت .. هو وسيلة لأشغال أذهان الناس بموضوع مُثير للجدل و التداول ، حتى يتناسى الناس و ينشغلوا عن خنازير و حيتان الفساد و نهب المال العام .. و الظهور بمظهر الحريص على الدين .. في الوقت الذي هو و أمثالهُ قدّموا أسوء النماذج و أحقرها في السلوك و الأداء كنماذج أسلامية تـتمسّح بالدين و بالرموز الأسلامية التاريخية ..!!

6- هذا التصريح و ما شابههُ .. هو وسيلة لتكميم أفواه النقد و الأنتقاد لكل ما هو سلبي و شاذ في سلوك الطبقة المتنفذة و بالخصوص طبقة المُلتحفين برداء الدين ، بأعتبارهِ مساس بالدين و كأنهم الأوصياء أو القيّمين على الدين ..!! — هذا الخطاب المأزوم يؤشّـر حالة الأختناق و الفشل التي وصل أليها الأسلام السياسي و رموزهُ .. و الحكيم واحد منها ..! و يؤشّر أيضاً الرُعب مِن أنفضاض جماهيرهم عنهم ، و كشفها لدجل و كذب هذه الأحزاب و متاجرتها بالدين .. لذا ليس هناك وسيلة لـ أستثمار مشاعر الناس و عواطفها الدينية ، و تجييش الأتباع و المُناصرين .. سوى ورقـة ( الخوف ) على الدين ..!

تقول الحكمة : أذا كنتَ غارقاً في الوحل .. فـمن الأفضل أن تُـغلق فـمَك ..!