مشاركة1
أما لغتنا الحبيبة (العربية) فهي الأخرى قد تعرضت لمختلف أشكال التغير وقوى التعرية والاندثار، إذ ماتت العديد من لهجاتها القديمة على نحو متتالٍ عبر الدهور والقرون المتتالية، ولم يبق من هذه اللهجات سوى ما يسمى بــ”لغة قريش”، شكرا للرسول الكريم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) وللقرآن الكريم اللذين حفظا اللغة العربية لنا عبر الأجيال وتتالي الأزمان، لتنتهي إلينا كما نعرفها ونتعلمها وندرسها ونستعملها اليوم. علما أن فضل الإسلام في الحفاظ على “لغة أهل الجنة”ـ لم يكن محدودا بالعرب من متكلمي “لغة الضاد”، لغةً أُمًّا، ذلك أن فضله كان عابرا للحدود القومية والإثنية، بل وحتى الثقافية المحلية لتصبح العربية واحدة من أكثر اللغات انتشارا وتداولا عبر العالم، مستذكرا مقالتي المهمة لـ(الوطن): “تعلم العربية ولو في واشنطن”.
ومع ما مر ذكره حول “لغة العرب” وقصتها، فإن على المرء أن يلاحظ أن اللغة العربية قد بقيت هدفا لأعداء العرب، بوصفها العمود الفقري للوحدة القومية، ولتماسك ثقافة هؤلاء الذين يستعملونها من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، منذ العصر الوسيط، أي مع ظهور وتبلور “الحركة الشعوبية”، مذاك حتى عصرنا الجاري هذا، إذ تتعرض هذه اللغة العالمية، والمعتمدة في أروقة الأمم المتحدة وفي سواها من المنظمات الدولية والمنتديات العالمية، إلى أشكال عدة من الهجمات الخطيرة التي حاولت النيل منها ومن التمسك بها كلغة عالمية، وأهم هذه الهجمات والمؤامرات:
(1)مؤامرة تغليب العاميات والدارجات على الفصحى: وهي مؤامرة تتجسد في الدعوة إلى الكتابة والتكلم بالعاميات كالعراقية (البغدادية) أو المصرية أو اللبنانية، مدعية تيسير التفاهم بواسطة العربية للأجيال الناشئة، باعتبار أن الفصحى لم تعد عملية ولم تعد قادرة على مواكبة حاجات الأجيال الشابة الصاعدة الجديدة. زد على ذلك اعتمادها الهجمات المتكررة ضد اللغة العربية الموصوفة بــ”الوسطى”، أو “الأكثر انتشارا” بمعنى اللغة العربية الشائعة المعتمدة في نشرات الأنباء وعبر الأثير في البيانات العامة، باعتبار الفصحى القديمة صعبة الفهم من قبل عامة الجمهور المتلقي؛ (2) تشطير وتقسيم اللغة العربية أفقيا (أي على أساس جغرافي وإقليمي) بمعنى اعتماد اللهجات المحلية الدارجة بدائل للفصحى، خصوصا بقدر تعلق الأمر بشرذمة اللغة العربية عبر الأقاليم التي عانت من الاستعمار الاستيطاني، مثل الجزائر ودول المغرب الشقيقة الأخرى. ناهيك عن مؤامرات تغليب اللهجات المستعملة بين قبائل البربر عبر شمال إفريقيا، كما هي عليه الحال مع “الأمازيغية”، بوصفها جزءا من نزعة وطنية مقاومة “للتعريب”! (3) مؤامرة صد ومقاومة كل جهد من شأنه توحيد العربية تحت بيرق الفصحى، من نوع رفض أو إهمال قرارات الهيئات والمنظمات القومية الخاصة بترسيخ وإشاعة التداول بالفصحى، كقرارات المجالس اللغوية المعتمدة قوميا، مثل مجلس اللغة العربية (القاهرة) والمجمع العلمي العراقي (بغداد) وما شابه أو طابق في كل من الشقيقة سوريا وسواها من بلدان عالمنا العربي الكبير، خصوصا عبر دول المغرب العربي الشقيق (4) مؤامرة الدعوة إلى نبذ اللغة العربية بوصفها لغة “محلية”، لا تقوى على منافسة اللغات العالمية (كالإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية). بل، وعد التخاطب بالعربية شكلا من أشكال “التخلف” وضعف المعرفة أو الفشل في مواكبة العصر. (5) مؤامرة مقاومة تعريب المناهج والمقررات الجامعية، بدعوى أنها لا تساعد الدارس في الجامعة على التقدم نحو الدراسات العليا عن طريق المزيد من المعارف المتخصصة المنشورة باللغات الأوروبية! (6) مؤامرة إيجاد وإشاعة “لغة عالمية” جديدة لتحل محل جميع لغات العالم، ومنها لغتنا العربية. (7) مؤامرة فرض التفريق بين النشء والشبيبة العربية، من جهة، وبين النصوص العربية الجاهلية ونصوص صدر الإسلام، باعتبارها نصوصا غير مفهومة من قبل الشبيبة والنشء، وأنها بحاجة لأن “تترجم” إلى لغة عربية ميسرة قابلة للفهم وللاستيعاب من قبل الأجيال الجديدة!