قصيدة : نجمة الفجر .. للشاعرة : رشا اهلال السيد احمد المفتي ( سيدة المعبد ).
متى ما أُبتلي القلب بنيران الحبّ وعصفت به مواجيد البُعد والحرمان , حدثت في أعماق النفس صراعات نفسية ومكابدة تستدعي منها الاحتماء خلف جدار الصمت والرمزية وعدم التصريح او تعلن التمرّد والافصاح عمّا يعتريها من مرارات واخفاقات وعثرات في محاولة للتخلّص من ضغوطات قد تؤدي الى حدّ الانفجار, فكيف اذا كان هذا القلب قلب شاعر .. وكيف لو كان قلب شاعرة ..؟؟ !.
ان الذات الشاعرة المبتلية دائما تبحث عن النجاة وتشرئب كلماتها نحو الضياء , وقد ترتفع وتسمو عن الارض وما فيها من المحن واللجوء الى السماء والتقرّب من الذات المقدّسة والاحتماء تحت انوارها القدسية , فتكون حينذاك اللغة عبارة عن مفردات مكتوبة فوق سطح الروح بهيّة , انها عبارة عن ترانيم منتزعة من أعماق هذه الذات , لغة حبّ عظيم وتجلّي وسلام لغة راعشة كالغصن الطريّ حين تداعبه الريح , غضّة متفتحة كالازهار تفوح بالعطر اذا ما أحسّت بالهناء والهدوء والسكينة , وضامرة تتوشّح بالسواد اذا ما انتابها الهجر والبُعد عن الحبيب .
مثل هكذا لغة يمكننا ان نطلق عليها اللغة الصوفية كزنها لغة اشراق تصدر عن معرفة لا سلطة للعقل عليها , لغة تنبعث من مواجيد القلب المتيّم , انها الجسر الذي تعبر عليه الروح في محاولة للكشف والبحث عن الاطمئنان والخلاص كونها نابعة عن تجربة صادقة , يلعب الخيال الشعري الخصب لعبته في عملية الترابط ما بين المحسوس واللامحسوس وبين ما هو ظاهري ولا ظاهري وما بين المقدّس والمدنّس , انها لغة المناجاة والهمس ما بين العاشق والمعشوق .
من خلال متابعاتنا اليومية لمجموعة السرد التعبيري , المجموعة التي تهتم وتعتني بالقصيدة السردية التعبيرية الافقية والتي تكتب على شكل كتلة واحدة وبفقرات نصّية متوالية من دون تشطير او فراغات او نقاط , بدأنا نكتشف ملامح قصائد كبيرة يتوجب الوقوف عندها طويلا وقراءتها بما يتناسب مع جماليتها ومستوى الابداع فيها , مع العلم نحن لسنا بنقاد وانما نقراءها كمتذوقين للشعر والجمال ونهتم بهكذا كتابة ابداعية جديدة . واليوم اخترت قصيدة الشاعرة السورية المغتربة : رشا اهلال السيد احمد المفتي ( سيدة المعبد ) لما وجدنا فيها من لغة صوفية مشرقة , من العنوان سوف نتلمس الصوفية واضحة ومتجلّية فيها / نجمة الفجر / حيث انجلاء الظلام وذهاب العتمة ومجيء الفجر , وهذا وقت انكشاف الضوء قبل شروق الشمس وهو وقت جلوس العاشق في محراب المعشوق في محرابه وممارسة طقوسه . تبدا القصيدة بـ / فراشة قلبي / هذه اللغة الشفيفة المنبعثة من أعماق الذات الشاعرة المبصرة بقلبها الممتلىء عشقا ووجدا وهياما في سرد تعبيريّ لغته هامسة جوانيّة وحوارية ملامحها تنمّ عن تجربة روحية نقيّة ../ تسأل عن حديث الروح للروح و عن حديث النفس للنفس وتهزأ من سكرة الإلم إذا ما أشتد عصفها في أصقاعي من لُجة البُعد ../ .. هنا نجد ارتباط الشعر بروح الذات الشاعرة ارتباطا وثيقا والتلذذ بالألم المبرح لارتباطه بالمحبوب , فكل ما يأتي منه فهو خير كونها قريبة جدا ومرتبطة ارتباطا روحيا ونفسيا وهذا ما نجده هنا .. / أيها العرفاني المحلق .. أقذفني ببعدك أكثر ولا تبالي !!!!!!../ .. ان الذات الشاعرة قد توحّدت مع الذات الاخرى وانصهرت لتتشكّل متعالقة معها كي تحيا بها ومعها , فوجود الذات الشاعرة مرتهن بوجود هذه الذات كما في هذا المقطع .. / تظل أنتَ هوائي الذي أتنفسه حياة ونبضَ حياتي الذي أستقيه لأحيا ../ .. ومن ثم تنحى الذات الشاعرة منحى فلسفيا وبلغة صوفية ممتعة لترسم لنا هذا القرب والتماهي مع الذات الاخرى رغم اتساع رقعة / المكان والزمان / كون العلاقة علاقة روحية تفاعلية ايجابية كما في هذا المقطع ../ فمهما أمتد البعد بيننا فأنت بقية نفسي التي أهوى وروحاً من روحي إشتقها الإله ../ .. وتتلاشى الذات الشاعرة مع الذات الاخرى حيث يعصف في أعماقها بحر من الوجد والهيام , فهي طمّاعة في طلب العشق والبحث عن السلام والهدوء , باحثة عن كنه هذه الذات واسرارها الخفية , لكنها مستيقنة بهذا الحضور والذوبان والتماهي كما في هذا المقط ../ ومن حديث الجوى زدني أيها الفارع في قلبي حد السماء , السماء التي تبوحني بأسرارك الخفيات ساعة التجلي لتذوب داخلي أكثر ../ .. انها تصرّح علنا بأنّ عشقها عشق عذريّ بدأ منذ القدم , وكأنها تتحدث عن عالم الذر وكيف تآلفت واستكانت الى هذه الذات الاخرى كونهما قد تعرفا هناك وعندما حلّت في جسديهما تابعتا حياتهما على الأرض فاصابهما ما أصابهما من الكدر والتعب والألم والبُعد , انه قدرهما الذي لا مفرّ منه ../ تيمُكَ ذاك الذي تخاف يصل بكَ حد الوله بي , هو ولهٌ وتولّهٌ بكَ قبل آلاف السنين فلا تلقي بالاً وما هي ألا أقداراً مختومة يفضُها القلب !../ .. انّ القلوب النقيّة والمحبة دائما يتبعث منها الجمال والسلام والاشراقات , كونها ملتهبة بالحبّ ترى بان هذا العالم عبارة عن صفحة تتكشّف لها حينا بعد حين وهي تنظر بعين البصيرة , فهي ذوّاقة تنساب منها العبارات مشحونة بالعاطفة المتأججة ../ ولا تعجب إن كان وهجُ نفسي يهبُ إليكَ طقوساً إستوائية كل حين يستقي ضَوعاً طيباً من فجرِ النساك الأسياد , فوحدك من يتوضأ بعبقهِ القلب دوناً عن العالمين
و عصافير قلبي السامية الغناء تسكن حدائقك قدراً فوق شجرة الياسمين التي تعلوها نجوم السماء الشعر البوح فلا تعجب إذ رشيتُ داخلك هو فضل الإله حين يشاء ../ .. لو تأملنا هذا المقطع لوجدنا المفردات التالية / وهجُ / نفسي / طقوساً / فجرِ / النساك / فوحدك / يتوضأ / القلب / دوناً عن العالمين / قلبي / قدراً / السماء / البوح / داخلك / الإله / نجدها ذات دلالات صوفية تنمّ عن تجربة تعيشها الشاعرة , وهذا المقطع بالذات نشمّ فيه رائحة تواشيح صوفية تلهب النفس وتثير المشاعر لدى المتلقي , نجد هنا كيف تشرّب هذا العشق الطافح بكل هذه المشاعر في قلب الشاعرة فأصبحت هذه المقطوعة عبارة عن شعلة متأججة لا تعرف الانطفاء . وهنا نجد لغة جوانية مشرقة ../ فأنتَ رعشة الفؤاد المُنبعثُ وأنت نبضيَ المتكلمُ من بهاءِ الأولين داخلي ../ .. فاذا تأملنا هذا المقطع سنجد تماسك هذه اللغة التي ترتفع بالذات الشاعرة بعيدا تسبح في عالم من البهاء والضياء , لغة راعشة تكشف عن ذات مرهفة واحساس مشعّ وعن مقدرة عالية في تطويع المفردة واعادة صياغتها بكل هذا البهاء والانزياح المدهش . وهكذا تستمر الشاعرة في تراتيلها الصوفية الوجدانية الزاخرة بالصور الشعرية التي تمتلك من الازياح ما تمتلكه اللغة ومن ايقاع موسيقي داخلي عذب يترقرق , وكأن الشاعرة في تسابيحها هذه في رحلة تعرج روحها الى محراب المعشوق بسلام وطمأنينة , انها رحلة تطهير الروح وتخليصها مما لحق بها من درنات الدنيا ومشقاتها والبحث عن اللذّة الروحية والتسامي . وهنا في هذا المقطع ../ هذي نفُسكَ .. روحكَ ..قلبكَ .. قَصائدُكَ .. نثركَ .. أنفاسكَ .. تموج بدمي موجاً إن كتبت أحرفه حباً لن أنتهي , فسبحان من سواك مسكني وسبحان من جعلني لك موطناً ../ .. كيف تتماهى الذات الشاعرة مع الذات الاخرى وكيف تتخلّص من ثقل الجسد وهمومه وسطوته , وكيف يكون اللقاء مع المعشوق والترفّع والسمو . لتختتم الشاعرة قصيدتها الصوفية بهذا الزخم الشعوري العنيف والمجلجل ../ فزدني ببعدك طعناً ما عادت تكترث الروح فأنْ متُ فأنتَ سر إنبعاثي ../ .. انها لحظة التلذذ بالألم والتلاشي مع الاخر والانبعاث من جديد كروح نقيّة متطهّرة من كل ما لحق بها بسبب هذه الحياة .
هكذا استطاعت السردية التعبيرية ان تمنح الشاعرة : رشا اهلال السيد احمد المفتي ( سيدة المعبد ) هذا الفضاء الشاسع والمترامي الاطراف لتنعشنا بهذه المقطوعة الزاخرة بكل هذا التوهج والجمال والدهشة .
النصّ :
فراشة قلبي …..
تسأل عن حديث الروح للروح و عن حديث النفس للنفس وتهزأ من سكرة الإلم إذا ما أشتد عصفها في أصقاعي من لُجة البعد
أيها العرفاتي المحلق ..
أقذفني ببعدك أكثر ولا تبالي !!!!!!
تظل أنتَ هوائي الذي أتنفسه حياة ونبضَ حياتي الذي أستقيه لأحيا
فمهما أمتد البعد بيننا فأنت بقية نفسي التي أهوى وروحاً من روحي إشتقها الإله
ومن حديث الجوى زدني أيها الفارع في قلبي حد السماء , السماء التي تبوحني بأسرارك الخفيات ساعة التجلي لتذوب داخلي أكثر
تيمُكَ ذاك الذي تخاف يصل بكَ حد الوله بي , هو ولهٌ وتولّهٌ بكَ قبل آلاف السنين فلا تلقي بالاً وما هي ألا أقداراً مختومة يفضُها القلب !
ولا تعجب إن كان وهجُ نفسي يهبُ إليكَ طقوساً إستوائية كل حين يستقي ضَوعاً طيباً من فجرِ النساك الأسياد , فوحدك من يتوضأ بعبقهِ القلب دوناً عن العالمين
و عصافير قلبي السامية الغناء تسكن حدائقك قدراً فوق شجرة الياسمين التي تعلوها نجوم السماء الشعر البوح فلا تعجب إذ رشيتُ داخلك هو فضل الإله حين يشاء
فأنتَ رعشة الفؤاد المُنبعثُ وأنت نبضيَ المتكلمُ من بهاءِ الأولين داخلي
نجمة الصبح …
تلك التي أسمها الرشا لها من عينيكَ كل فجرٍ سكرة ونشوة إنبعاث فأنت تعلم كم تحب إرتشاف خمرة الروح كلما تضوع مسكك في إفقي وفاح الحنين
هي نجمة يعبقها فرطُ الولعٍ فزدني ولا تبالي فكأسي لا تملأ ترياقها إلا من سلطان قلبي بريقٍ رقَ لي بوحه حتى لامس مني الشغاف والأنجما
تبوحني أسراراً في النفس رهيفات تغرق أعماقي من لذة شفوفها قبل أن تنتهي تداهمني السكينة بثوب من نعاس
قد أنِسَ البُعاد بيننا موطناُ وأن كنا في تساكن لا يبرح الأنفس ِ فمتى ستطوي مسافات البعد ولعيوني المولعة تحضرُ ؟؟!!
هذي نفُسكَ .. روحكَ ..قلبكَ .. قَصائدُكَ .. نثركَ .. أنفاسكَ .. تموج بدمي موجاً إن كتبت أحرفه حباً لن أنتهي , فسبحان من سواك مسكني وسبحان من جعلني لك موطناً
فزدني ببعدك طعناً ما عادت تكترث الروح فأنْ متُ فأنتَ سر إنبعاثي .