18 ديسمبر، 2024 6:27 م

خاض الإنسان منذ بداية وجوده على الأرض عدداً لا يحصى من المعارك للحصول على حياةٍ أفضل، ولم تشمل هذه (الحياة) فقط المتطلبات الأساسية كالغذاء والدواء والمسكن، بل تطورت وارتقت لتضمن حاجاته العاطفية والنفسية والتي يأتي على رأسها (الشعور بالأمان) متحققاً في وجود عدة عوامل أهمها الخصوصية والمقدرة على الإختيار (فيما يتعلق بحقوقه الشخصية)، وهو ما يجب أيضاً أن لا يتسبب في أي أذى مادي أو نفسي للغير، حيث تفوق الكثير من الإعتبارات المعنوية في أهميتها وقيمتها أي مقابل مادي وهو ما يعني أن على الجميع (دون استثناء) التعامل بحرص وحكمة وحذر واحترام مع الآخرين واختلافاتهم وخصوصياتهم تماماً كما يود كل منا أن يتم التعامل معه..

وبطبيعة الحال فإن الأوضاع تغيرت في كافة المجتمعات حول العالم (بنسب متفاوتة)، فأصبحت الثقافة العامة ما قبل مواقع التواصل الإجتماعي مختلفة كلياً عن ما جاء بعدها، وحصل نوع من (الردة) إلى الوراء ولكن بطريقةٍ عصرية تبدو جذابة وأنيقة أو مسلية للكثيرين، فتم تدمير المكتسبات المعنوية التي حققها الإنسان عبر قرون عندما أصبحت الشهرة هي هدف الغالبية، فخسروا حريتهم وخصوصيتهم وانسانيتهم لحصد بعض المشاهدات وتسجيل الإعجاب وتداول أسمائهم ليوم أو يومين على الأكثر، وهو أمر متوقع من الناس رغم بشاعته خاصةً عندما يتم تتحول روح الإنسان إلى مرحلةٍ من الخواء شبه الكامل، لكن الأمر يتخذ منحىً بالغ الخطورة عندما يتم ذلك عبر بعض (الوجوه المعروفة) التي تؤثر سلوكياتها على عامة الناس وبالأخص شريحة المراهقين التي لا زالت تتلمس طريقها وتخوض تجاربها وتشكل قناعاتها، وعندما يطلق على بعضهم ألقاب مثل (الفنانون، المثقفون، الصفوة) وهم أبعد ما يكون عن ذلك، ليس تبعاً لأحكام أو أهواء شخصية بل بناءاً على الصورة التي اختاروا أن يقدموا أنفسهم بها عبر (أعمالهم) أو (أخبارهم) أو بناءاً على خيارات وتصرفات أقدموا عليها بغية لفت الأنظار..
وتتزايد جدية الحالة التي نتحدث عنها عندما نجد شريحةً من هذه (الوجوه) لا تتوانى أو تشعر بالخجل من استخدام الدين كمادة للتلاعب وجذب الإنتباه إليهم، خاصةً بعد انحسار الإهتمام بهم لإنشغال من تابعوهم بتافهين جدد وفشلهم في تقديم أي شيء يمكنه أن يدفع الناس إلى محبتهم أو احترامهم، فيفاجأنا بعضهم من وقت لآخر بتصريحات صادمة دون سبب واضح (لا تخرج فيها كالعادة عن دائرة الجسد والجنس) لتنتقد فيها الأديان رغبةً في الظهور بمظهر الشخصية العصرية المنفتحة المتحررة التي تخوض (معركة) الدفاع عن (الحريات الشخصية)، ثم لتعود بعد مدة وجيزة للظهور بشكل (معد له سلفاً) من خلال صورة أو مقطع (عفوي تم تسريبه) للحظة (إيمانية صادقة) من داخل أحد الكنائس أو المساجد أو حتى أحد المجالس الخاصة، والتي تتبعها عادةً (موعظة) من قبلهم عن (خصوصية العلاقة) بين الشخص وبين الله وعدم جواز الحكم على الآخر الذي انتقدها (وهو المطلوب) بعد أن تمت دعوته (لمشاهدة) تفاصيل هذه العلاقة التي يفترض أنها (خاصة)..
دون أن ننسى (استخدام البعض) من هذه الوجوه أيضاً للحجاب عبر تصريحات متضاربة من هنا وهناك أو ارتدائه لفترة ثم خلعه والتنصل منه لاحقاً بعد (مشاركته مع الجماهير) وتحقيق الهدف منه، وهنا نعني (فقط) من تتلاعب به للشهرة ولا نعني من ترتديه عن قناعة لأننا ضد الإساءة إلى أحد ونحترم جميع فئات المجتمع..
ولا يخلو الأمر أيضاً من (توظيف مفاجىء) للدين في (بعض الأعمال) من قبل هذه (الفئات) لإيصال رسائل مزدوجة تحمل بعداً اقصائياً انعزالياً ضد من يختلف عنهم رغم صدور عدة تصريحات سابقة لهم تؤكد أنهم بعيدون عن الدين كونه يحد من حريتهم في مواضيع تأتي (المساكنة) على رأسها، والتي تحولت أيضاً إلى موجة رائجة ومادة للجذب إلى جانب ما يمكننا اعتباره مواضيع تمثل (الوصفة السحرية) للباحثين عن الشهرة وهي (الزواج المختلط، المثلية الجنسية، التطبيع مع العدو الصهيوني).. فما الذي حدث الآن وكما نقول بلهجتنا المحلية (شو عدا ما بدا)..
حيث بلغ الأمر مبلغاً لا يحتمل وأصبح الحديث عن هذه الظاهرة التي لا تعرف حدوداً ووصلت حد المرض والهوس بالشهرة أمراً واجباً، فهي حالة لا ترتبط بالحرية الشخصية من قريب أو بعيد لأن الحرية هي وسيلة سامية لتحقيق التقدم والعدالة والإستقرار في المجتمع، وليست أداةً رخيصة في يد أشخاص غير أسوياء لا هم لها سوى الظهور بأي ثمن ولا يوجد لديهم أي رادع أخلاقي أو مراعاة لمشاعر الآخرين أو حتى بعد نظر وتقدير لعواقب تصرفاتهم التي قد تثير فتناً لا تحمد عقباها، ومع تعالي الأصوات (المستنيرة) التي تلقي باللائمة على الأديان و(بشكل رئيسي الإسلام والمسيحية) لتحملها مسؤولية ما يحدث في كل وقت أيضاً (بحثاً عن الظهور كمفكرين وفلاسفة)، من حقنا أن نتسائل عن سبب عدم تطرقهم تلميحاً أو تصريحاً للحديث عن معتقدات الديانة اليهودية وأحكام شريعتها وكأنهم لا يعرفون شيئاً عن مضمونها وعن الفلسفات المنبثقة عنها، ودون أن نغفل ترويج بعض (المجددين) لرموز وثقافة تيارات كالهندوسية والبوذية كمنبع (للسلام والطاقة الإيجابية) رغم ما يبث عبر نشرات الأخبار من اضطهاد (بعضهم) للمسلمين بشكل علني يتم غض البصر عنه بشكلٍ متعمد و(لا يستوقف) بعض (المفكرين) للتعليق عليه بسبب وجود أحقاد واضحة لم يفلح بعضهم في إخفائها، فقد كان الكثيرون يستشهدون بشخصية مثل (الدالاي لاما) كرمز للتسامح والمحبة لكننا لم نسمع صوتهم بعد فضيحة استغلاله علناً لأحد الأطفال جنسياً لإشباع رغبات مقززة تنم عن انحراف شخص في هذا العمر، والتي كان يمكن أن تظل سرية لولا (تسريبها) بعد شهرين من وقوعها والتي (قد) تخفي وراءها حوادث أخرى لم يتم الكشف عنها بعد..
وهنا ينبغي أن نشير إلى أن وجودها أي (الأديان) ليس بجديد، فالإنسان وبعيداً عن الأديان السماوية منذ قديم الأزل بحث عن معاني الوجود وكان هذا أحد أسرار تطوره فأوجد الكثير من الآلهة التي تحفل بها حضاراتنا الكنعانية والبابلية والآشورية والفرعونية والإغريقية وغيرها الكثير إيماناً منه بوجود قوةٍ عظمى غير بشرية أو مادية تنظم هذا الكون ويتم اللجوء إليها في وقت الشدائد..
ورغم مرور آلاف السنين تلاشت الكثير من الأفكار والفلسفات والأسماء وبقيت الأديان حاضرةً بين مختلف طبقات المجتمع حتى وإن كان حضورها متفاوتاً على أكثر من مستوى، أما ما نعانيه اليوم فهو وليد اضطراب الهوية والقيم ووليد التصنيفات والتحزبات والتقسيمات وخلط المفاهيم وتسمية الأشياء بغير أسمائها، عدا عن تفشي حالة عدم الإحترام بين الناس والكيل بأكثر من مكيال وتقديم المصالح الشخصية على المصلحة العامة واستيراد ثقافات لا تشبهنا دون محاولة دراسة مجتمعاتنا بخصائصها ومميزاتها وتنوعها، فهذه المجتمعات شاء البعض أم أبى تشكل الأديان جزءاً من كينونتها وثقافتها وهويتها ويجب عدم الإساءة إليها لأن الغالبية ستعتبرها بمثابة إساءة مباشرة، والتلاعب بهذه الأمور شديدة الحساسية أشبه باللعب بالنار ولن يعود سوى بالضرر على المجتمع، خاصةً عندما يتم تناولها من أشخاص ليس لديهم ما يقدمونه ويعيشون في حالة من التمركز حول الذات وانفصال عن الواقع والناس..