الإقتراب مما يجري في منطقة الخليج يبدو كجزء جبل الثلج الظاهر للعيان , فما فوق الطاولة قليل وما تحتها كبير وعظيم , والنظر للموضوع من زاوية سلوكية بحتة , يشير بحذر إلى أنه صراع إقتصادي يكنز أهدافا خفية , ويحاول إلهاء القوى المستهدفة بما يبعد أنظارها عن الهدف الحقيقي , ولكي يجفف عروقها.
فالتطورات ربما لن تأخذ المنطقة إلى حرب عسكرية واسعة بل قد تكون ضيقة ومركزة , فالصراعات إقتصادية وستصيب المنطقة بمقتل , ذلك أن الدول النفطية ستتأثر قدراتها الإنتاجية والتسويقية , وستكسد بضاعتها لظهور مصادر أقوى للنفط في الدول الكبرى وطرق آمنة لنقله , وستصاب بأزمات إقتصادية خانقة وحارقة , لأنها سوف لن تتمكن من بيع نفطها كما كانت , فالممرات المائية صارت خطرة وتستدعي تأمينات باهضة , والدول التي كانت مصدرة أساسية للنفط ستتراجع وتكون برتبة أقل , وتحت حصارات أشد , مما يعني أن إقتصاد الدول النفطية في المنطقة سيتدهور بسرعة , مما يستدعي أن تكون مُلكا لقوى غيرها لكي تبقى , وبهذا تتحول المنطلقة إلى محميات على مدى القرن الحادي والعشرين.
وستساهم القوى الإقليمية الأخرى في تأكيد هذه الأهداف عندما تضمن سلامة مصالحها وديمومة دورها وهيمنتها , كل وفقا لمنطلقاته وبرامجه العقائدية التي تكون الخسارة الكبرى فيها للعرب والمسلمين.
والعلة القاهرة أن الدول النفطية تعتمد على مفترسيها لحمايتها وتأمين حياتها , ولهذا فهي بلا قدرة على تفعيل إرادتها والنظر لمصالحها وحاضرها ومستقبلها , وكأنها تتصرف كالرهينة التي تستجدي من ممتهنها أن يجود عليها ببعض الأمان.
وهذه الدول لا خيار عندها إلا بالتفاعل الإيجابي مع بعضها وجيرانها , وتتحرر من الإنفعالات والمشاعر السلبية , وتمتلك القيادات الجريئة القادرة على إنجاز المشاريع الوطنية والإقليمة , ولا تستكين لما فيها من تصورات عدوانية وتطلعات إنتقامية.
فالواضح أن الدول النفطية قد تم شقها وتمزيقها , وإذكاء روح العداوة والصراع بينها , وتأجيج ذلك السلوك بأجندات مذهبية طائفية شديدة العماء.
وإذا بقيت هذه الدول نزيلة أوهامها وإنحرافات رؤاها وتصديقها للآخرين وإعتمادها عليهم , فأنها ستسعى إلى حتفها بإرادتها وخيارها السقيم , وأول خطوة عليها أن تقوم بها أن توقف حرب اليمن , وتعيد النظر بعلاقاتها مع بعضها , وجيرانها , وتقيم إتحادات إقليمية تحافظ على أمن المنطقة وسلامتها , بدلا من سلوك العدوانية الخسراني الذي يستنزف طاقاتها وقدراتها بأنواعها.
فهل ستتمكن قيادات دول المنطقة من التفاعل الإيجابي المعاصر , والإرتقاء بروحها وسلوكها إلى مستوى الدول الأوربية , التي أوجدت إتحادها رغم ويلاتها الجسام؟
إنه تساؤل في وقت حرج يستدعي الجرأة والجسارة والحكمة والحلم وبُعد النظر!!
وهل ستستفيق هذه الدول من غفلة العدم؟!!