ليس على الباحث في سايكولوجية الشعب العراقي ، إلا أن يتحدث لهم ؛ حينها سيحمل لبحثه ( كلمات عيناته البحثية ) و هي مثقلة بالغضب و الانهيار ، نعم إن شعبنا العراقي كتلة من الغضب ، في كل مكان ؛ في سيارات الأجرة في المقاهي في الأماكن العامة في دوائر الدولة ، لا حديث للناس إلا ما يحصل في المشهد السياسي و ما يحل بهذا البلد من مصائب و نوائب ، هنالك حالة معلنة و مضمرة غير مسبوقة من الرغبة بالانتقام ، لكل من يعتقد الناس أنهُ السبب في استفحال تنظيم داعش و التنظيمات الإرهابية و العصابات الإجرامية ، و كل فاسد تسبب بفقدان الطاقة الكهربائية و الخدمات الضرورية ، و كل الآمال التي عقدها الناس بعد سقوط النظام الديكتاتوري بحياة كريمة ، و لهذا الغضب ما يبرره قيميا و تفسيريا ، أما على المستوى القيمي : فللشعب العراقي و لكل شعب الحق في أن يغضب بسبب ما يحل به من مصائب كبيرة بسبب الجهل و الفساد و الأنانية لدى مجموعة من المسئولين السياسيين و اتباعهم ، و أما على المستوى التفسيري ، فقد لا تجد هذا المستوى من الغضب قبل العام ألفين و ثلاثة ؛ على الرغم من فداحة ما كان يقوم به النظام السابق بكل أركانه من فضائع على المستويات كافة ، و السبب في ذلك أن كل الجرائم و الفساد و السوء الذي كان يقوم به نظام صدام حسين و أتباعه كان بعيدا عن اي وسيلة اعلامية ، و لم يكن لأحد أن يتحدث عنه حتى ، فلا رمي الاف الناس في حفر و دفنهم و هم احياء ، و لا قتل عشرات الالاف بواسطة الغازات السامة و لا سرقة الثروات الوطنية ، يعرف به الناس بشكل مفصل ، نعم كان الناس يدركون أن كل هذا يحصل ، لكن لا يتجاوز معرفتهم الا العنوان العام للموضوع ، و لا يثار الحديث عن هذه المواضيع الا في اوقات خاصة و في نطاق ضيق ، و أما اليوم فإن كل ما يحصل باشكال متعددة يقدم و يثار الحديث عنه و بالتفاصيل في وسائل الاعلام الكثيرة و المختلفة ، خاصة بعد تنامي تأثير الاعلام الالكتروني خاصة مواقع التواصل الاجتماعي ، و خدمات الاخبار على الهواتف المحمولة ؛ فضلا عن تنامي تأثير الاعلام المرئي بفعل تطور تكنلوجيا هذا القطاع .، الامر هذا هو السبب الرئيسي في تنامي حالة الغضب و الرغبة بالانتقام لدى غالبية الجمهور العراقي من أي شخص يقع في دائرة الاتهام .
مؤكدا أن حالة عارمة و واسعة كالغضب الشعبي لم تُترك من غير أستغلال ، و هنا يأتي دور ( اللاعبون على الغضب ) ؛ و هؤلاء هم مجاميع أو جهات سياسية و إعلامية أو جهات أخرى تتحرك من أجل مصالح عن طريق الاشاعات و الاعلام و الصحافة الصفراء
في هذا المقال سأكتفي بمثال واحد ، و سنخصص المقال القادم للحديث عن كيفية ( اللعب على الغضب الشعبي )
في الاسبوع القادم أصدرت الهيئة القضائية المعنية في النظر بالتهم التي أطلقها وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي ضد مجموعة من المسئولين و السياسيين و رجال أعمال ، حكما بعد التحقيق لتسع ايام ، ببراءة السيد سليم الجبوري رئيس مجلس النواب من تهمة الابتزاز لعدم كفاية الأدلة ، و الحكم هذا بصورة مجردة من أي سياقات ، حكم اعتيادي ؛ تصدره المحاكم في العراق و في كل البلدان الأخرى ، إلا أن أرتباط القضية هذه بالفساد المالي و المتهم فيها كبار المسئولين و السياسيين ، و قدمت بطريقة (البروباغندا ) ، جعلها مادة أخرى ( لإثارة الغضب ) ؛ و هنا قام ( اللاعبون على الغضب ) بعملهم عندما أشاعوا : أن الهيئة التحقيقية القضائية لم يستغرق عملها ، إلا ذلك الوقت بين رفع الحصانة عن المدعى عليه سليم الجبوري ، و بين وقت أصدر الحكم ؛ و هو وقت لا يتجاوز الساعة ، و عملوا بكل جهدهم على تركيز هذه الفذلكة ، على الرغم من أن التحقيق أستغرق 9 ايام و قام عليه 3 من أكبر قضاة النزاهة كما ذكرنا
حتما أن من وراء هذا العمل أسباب متعددة ، إلا أن أهم ما يقال بهذا الصدد ، أن كل هذه الجهات و من أجل مصالح ضيقة ، قامت بجريمتين ، و هما : اللعب على غضب الناس بطريقة دنيئة ، و أستهداف السلطة القضائية ، و تعريض سمعتها الى الاساءة .
يتبع